بين راتني والجبير: التصعيد في سورية عامر نعيم الياس
قام المبعوث الأميركي الخاص الجديد إلى سورية مايكل راتني بزيارة روسيا، المحطة الأولى من جولة ستقوده كذلك إلى جنيف والرياض. عُيّن راتني في منصبه الجديد في تموز الماضي بعدما عمل في السابق في وزارة الخارجية مسؤولاً عن شؤون الشرق الأوسط. وكان راتني قد التقى في موسكو نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف وعدداً من كبار المسؤولين الروس، إلا أنه لم تتكشف على الفور أيّ تفاصيل عن هذه الاجتماعات.
وبالتزامن مع الزيارة، جدّدت وزارة الخارجية الأميركية التزامها تحقيق انتقال سياسي في سورية «بعيداً عن» الرئيس بشار الأسد. وجاء في بيان للخارجية الأميركية أن «الولايات المتحدة تواصل التزامها القوي تحقيق انتقال سياسي حقيقي قائم على التفاوض بعيداً عن بشار الأسد بهدف وضع حدّ للعنف».
وأشارت وزارة الخارجية الأميركية إلى أنّ «استمرار الأسد في السلطة يزيد التطرّف ويذكي التوترات في المنطقة. ولهذا، فإن الانتقال السياسي ليس فقط ضرورياً لمصلحة الشعب السوري، إنما يُعدّ جزءاً مهماً في القتال من أجل هزيمة المتطرّفين».
تستمر الإدارة الأميركية في اللعب على المبادرات، فهي تستغلها لمصلحة إرهاق الأطراف المتواجدة على الأرض السورية في المحور المقابل لواشنطن، وإلهاء الروس تحديداً بالعمل الدبلوماسي بهدف تخفيف حدة التدخل الروسي المباشر في سورية على قاعدة الدعم العسكري التقني للدولة السورية وترشيد هذا الدعم قدر الإمكان، فضلاً عن قطع الطريق وفق توقيت مدروس على المساعي الروسية القائمة على مجالات التواصل، ومدّ جسور الثقة مع المعارضة السياسية في سورية. إذ جاء بيان الخارجية الأميركية متزامناً مع الإعلان الروسي عن لقاءات تجمع وزير الخارجية لافروف مع قدري جميل وحسن عبد العظيم المحسوبَين على تيارات المعارضة السورية في الداخل. فهل تريد واشنطن فعلاً المضيّ في الحلّ السياسي في سورية؟
لا يختلف بيان الخارجية الأميركية عن التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في العاصمة الروسية. ففضلاً عن البيان المكتوب الذي قرأه الجبير في شأن موقف مملكته الرسمي من الوضع في سورية، شاركته الخارجية الأميركية المفردات التي وردت على لسانه في معرض إجابته عن أسئلة الصحافيين في شأن الحرب على الإرهاب وموقف الرياض منها، وفي شأن مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد. إذ وسّعت الخارجية الأميركية من قائمة لاءاتها معيدةً الأمور في سورية إلى نقطة الصفر. فالخلافات لا تزال على حالها والجهود الروسية التي قيل إنها أحرزت تقدماً بناءً على تلمّس موسكو تغيّراً ما في الموقف الأميركي من سورية، ذهبت أدراج الرياح، فالإدارة الأميركية لا تسعى في المدى المنظور إلى حلّ سياسي في سورية، وهي لا تزال على موقفها المتطرّف من الرئيس السوري تحديداً، مكرّرةً الاسطوانة المشروخة حول جدلية العلاقة بين استمرار «داعش» ووجود الدولة في سورية بشكلها الحالي، ورابطةً بين تشكيل تحالف على الإرهاب وفق ما تطرحه موسكو وأسبقية إسقاط الدولة السورية كشرطٍ للانخراط في المقترح الروسي الخاص بسورية.
لا يمكن وضع الموقف الأميركي المتطرف في إطار التصعيد المرحلي، لا بل إن المحاولة المتعمدة لخلط الأوراق في وجه موسكو أولاً، وفي الداخل السوري ثانياً، تعكس استمرار الرهان الأميركي على الحل العسكري في الداخل السوري ونسف أيّ إمكانية للحوار في المدى المنظور. وكما أسلفنا في «البناء»، لم تصل الأمور إلى نقطة التحوّل بعد، وإلا فكيف يمكن تفسير الهجوم المتزامن لـ«داعش» و«النصرة» على مطارَي كويرس شمال حلب وأبو الضهور في شرق إدلب؟ وكيف يمكن تفسير الاستمرار في تجهيز الميليشيات المرتبطة بواشنطن علناً في شمال سورية؟ وكيف يمكن تفسير الحديث عن رضا واشنطن عن تشكيل ميليشيات تركمانية ترتبط مباشرةً بأنقرة لملء الفراغ المفترض عند إخلاء «داعش» للمنطقة الشمالية من سورية. وما هو مبرّر تكثيف عمليات القصف العشوائي على دمشق وحلب في هذا التوقيت بالذات لو لم يكن أمر العمليات موجّهاً ما يجري على الأرض.
هو التصعيد الميداني والرهان على الأرض والاستنزاف واستكمال تدمير البلاد، في وقت يستمر التلويح بعصا الدبلوماسية لإلهاء حلفاء سورية.
(البناء)