بكل صراحة حول “الحراك”
غالب قنديل
يميل الخطاب اللبناني والعربي عموما إلى المبالغة والتضخيم بحسابات ذاتية وفي الظروف التي تعيشها البلاد لا بد من قول الحقائق بكل صراحة ووضوح للجم الأوهام دون إحباط الحالمين وللتمكن من التقاط الفرص السانحة لتبلور نواة شعبية متحركة تنهي السبات السقيم الذي سيطر على الشارع اللبناني دون اعتبار لسجال العدد الذي بات تقليدا في جميع الحشود ومنذ ابتداع السنيورة لنظرية الرقم وجهة نظر !.
اولا الاستجابة الشعبية لدعوات التحرك ضد ازمة النفايات كانت جيدة وبالآلاف وقيمتها انها عابرة للطوائف وشملت جمهورا لبنانيا من الفئات الوسطى والفقيرة متعطشا للتغيير يئن تحت وطأة المعاناة والقهر الاجتماعي والاستعصاء السياسي الذي عبر عنه شلل المؤسسات والطريق المسدود الذي بلغته سائر التحركات المطلبية في السنوات الأخيرة بفعل تعنت الطغمة الرأسمالية السائدة وممثلها السياسي الحريرية وشركاؤها وآخر الفصول كانت سلسلة الرتب والرواتب التي ربطها تيار المستقبل بإغلاق ملف الإحدى عشر مليارا التي أنفقت من غير مستندات أي نهبت من الخزينة العامة.
إن عفوية الاستجابة الشعبية وطابعها العابر للانقسامات والعصبيات تمثل تحولا مهما ونوعيا لكن مثل ذلك حصل من قبل في تحركات كثيرة بما في ذلك خلال الحرب الأهلية وانفكت نتائجه بسبب غياب العمل الثوري الطليعي السياسي والتنظيمي فالتهليل والانبهار بالعفوية لا يصنع التغيير بل يورث عللا وأمراضا قد تجعل دعاة التغيير أداة بيد اعدائهم الرجعيين والاستعماريين الذين يملكون قوى تأثير ضخمة كبعض وسائل الإعلام المحلية والخارجية التي استنفرت بصورة منظمة لطبع التحرك بما يناسب التوجيهات الأميركية من شعارات ومواقف ورموز.
ثانيا إن البطالة الفكرية والسياسية التي تعيشها القوى الوطنية التقدمية واليسارية المنادية بالتغيير وجميع قوى الثامن آذار عموما أنشات حالة من الفراغ القيادي ولأنه لا فراغ في السياسة فقد بادرت جماعة من “الإنجيؤز” تنتمي إلى الطبقات الوسطى كانت سابقا في صفوف 14 آذار ومن آلتها التنظيمية وقد تدربت في المعاهد الأميركية ولديها خبرات في التواصل الإلكتروني وقيادة الجموع وبعض أركانها يرتبطون بعلاقة مباشرة بالسفارة الأميركية خصوصا وقد نالوا دعم وتغطية تلك السفارة لتحركهم الذي انطلق بالعشرات في بدايته وتوسع لاحقا وجاهر السفير ديفيد هيل برعايته لهذا التحرك وكلامه في الكواليس كان أقوى من تصريحاته العلنية وهذا بذاته مدعاة شك وريبة لا ينبغي التنازل عنهما في متابعة نشاط هذه الجماعة التي تتصدر التحرك حتى الساعة وانضم إليها بعض رموز 14 آذار من “اليسار الديمقراطي ” وعدد من أتباع عزمي بشارة الذي يدير مؤسسة قطرية لتجنيد الصحافيين والكتاب والإعلاميين لأهداف باتت معلومة.
ثالثا القوى والشخصيات الوطنية التي شاركت مبكرا في التحرك الشعبي اتخذت مبادرة في الاتجاه الصحيح لعدم ترك التحرك العفوي فريسة للرجعيين وهي تمثل بحضورها ضمانة لفرض نسبة توازن في قيادته تتيح السير بالتحرك إلى حلقات ومحطات تشق مسارا للتغيير السياسي ولكن ذلك ممكن فقط بشرط إقامة العلاقة النقدية الواضحة في العلن مع ناشطي “الإنجيؤز” وأجنداتهم وعزل الجوقات المشبوهة وبشرط ألا يتحول الوطنيون إلى تغطية وتبرير الشبهات وطمسها وتقديم حضورهم بذاته كضمانة فهي ضمانة لن تكون كافية حكما لأن العبرة تبقى في المحتوى السياسي .
على الوطنيين الحقيقيين ان يؤكدوا استحالة الفك بين التغيير والتحرر الوطني ويجاهروا بأن أي تطوير سياسي او دستوري يجب أن يبنى على مبدأ الاستقلال والسيادة وهو ما يعني دعم المقاومة واحتضانها وتقوية الجيش ويعني انعتاق لبنان من الهيمنة الأميركية على توجهاته الاقتصادية فالخصخصة كانت من وصفات البنك الدولي وصندوق النقد ووكالة التنمية الأميركية ومعها الطائفية السياسية هما العلة التي دمرت الخدمة العامة وفاقمت منظومة الفساد وانتشارها السرطاني.
رابعا على أي تقييم سياسي موضوعي ان يضع في اعتباره سعي الولايات المتحدة الأميركية مع تطور مسارات التفاوض الدولي والإقليمي إلى استثمار التحرك الشعبي لخدمة أجندتها السياسية في لبنان وهذه الأجندة التي يتبناها المستقبل واطراف لبنانية أخرى تتضمن الإتيان برئيس للجمهورية مرتبط بالغرب وقطع الطريق على أي تغيير جذري في المحتوى الاجتماعي الاقتصادي والهوية الوطنية للدولة اللبنانية.
هذه الأجندة تتضمن هدفا مركزيا هو النيل من المقاومة بذريعة التعميم المقصود في استعمال مصطلح فارغ وبائس كــ “الطبقة السياسية ” والغاية الأهم هي الحد من تطور التوازنات لصالح المقاومة وحلفائها السياسيين وخصوصا العماد ميشال عون وهذا هدف غربي سعودي مشترك مع المستقبل وبنسب متفاوتة مع أطراف أخرى في السلطة السياسية تخشى انتخاب عون رئيسا لاعتبارات متعددة تتصل بصيغة ما بعد الطائف ومفهوم الرئيس القوي ولكن أصلا وأساسا بسبب تحالفه العضوي والوثيق مع حزب الله.
خامسا المطلوب هو توسيع المشاركة في التحرك الشعبي والانخراط في قيادته ومساره ولكن مع التصدي لجميع التعميات المقصودة المشبوهة والتصدي لها فللخصخصة والتقاسم عنوان رئيسي هو المشروع الإعماري الحريري الذي فرض الخصخصة وأورث الديون ودمر القطاع العام ولمجابهة الفساد وصفة معروفة هي فرض التمانع في ممارسة المسؤولية بين الوظيفة العامة وأي عمل خاص وتنظيم مساءلة المسؤولين الكبار وفق آلية قانونية نزيهة وللتغيير مدخل سياسي وتشريعي هو قانون الانتخابات النسبي ومن يريد لبنان بلا مقاومة يريده مستعمرة اميركية صهيونية لا نفع منها حتى لو كانت جنة انتخابية موعودة ولن تكون !
على جميع المشاركين في التحرك من أصحاب النوايا الحسنة النظر حولهم بعين النقد والعمل لبناء توازن قوى في قيادة التحرك يكون لصالح الخط الوطني الاستقلالي التحرري وخلاصته دعم المقاومة ومحاصرة وخنق كل حالة تواصل مع سفارات وحكومات وأجندات الحلف الاستعماري الرجعي.