مقالات مختارة

الثورات الملونة: ما لها وما عليها د. ليلى نقولا الرحباني

 

بدأت هذه تنتشر بشكل كبير بعد الثورة التي حصلت في صربيا وأطاحت بالرئيس الصربي ميلوسوفيتش عام 2000، لكن الموجة الأهم هي تلك التي شهدتها الاعوام الممتدة من 2003 الى 2005، حيث حدثت ثورات عدة بشرت بانبلاج فجر جديد من الديمقراطية وحقوق الانسان، فبدأ المد الثوري من جورجيا في تشرين الثاني 2003 في ثورة استخدم فيها سلاح وحيد هو الورود الحمراء، ولهذا أطلق عليها اسم “ثورة الورود”، وكان من نتائجها أزاحة إدوارد شيفاردنادزه الموالي لموسكو من الحكم وتنصيب ميخائيل ساكاشفيلي حليف الولايات المتحدة الاميركية مكانه .

ثم ما لبث أن امتد النبض الثوري الى أوكرانيا فقامت «الثورة البرتقالية» في خريف 2004 وأدت الى اطاحة فيكتور يانوكوفيتش المحسوب على موسكو وبدء عهد جديد حليف للغرب مع فيكتور يوشنكو. وتزامنت الحركات الاحتجاجية في لبنان وقيرغزستان في آذار 2005، ففي قيرغستان قامت “ثورة الزنبق tulip” التي اطاحت بالحكم الموالي لروسيا، وجاءت بالرئيس باكييف المدعوم غربيًا الى السلطة ، أما في لبنان فقد اطلق الرئيس جورج بوش على التظاهرات التي قامت ضد الوجود العسكري السوري في لبنان على اثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري اسم «ثورة الأرز».

لكن لم يكد يمر سنوات قليلة جدًا، حتى شحبت الالوان عن تلك الثورات وتحولت من “ملونة” الى “رمادية وسوداء”، فقد ظهر ان من اتت به تلك الثورات الى الحكم لم يكن اقل فسادًا من أسلافه، وان آمال التغيير والعيش الكريم التي دفعت الشباب للثورة، كانت مجرد أحلام، فقد استغل الوصوليون تلك الثورات وركب الانتهازيون موجة التغيير، فسرقوا صيحات الثوار وأحلامهم وأمانيهم.

وهكذا، عاد الوضع في تلك البلدان جميعها الى ما كانت عليه قبل الثورات، ففي معظم دول البلقان أعاد الشعب الحكام الموالين لموسكو من خلال الانتخابات، بعدما ضاقت بهم الحال بفساد وسوء ادارة الحكم الجديد، ثم شهدت اوكرانيا ثورة ثانية، أدّت الى هرب الرئيس الموالي لروسيا التي أتت به الانتخابات، وتدخل الروس فتمّ اقتطاع القرم، ودارت حرب أهلية في الشرق الاوكراني بين الاوكرانيين من أصل روسي وبين الحكومة الاوكرانية الجديدة المدعومة من الغرب.

ما هي هذه الثورات؟

أوّلاً: في التّعريف

الثورة الملوّنة مصطلح يُطلق على أعمال التّحرّكات والتظاهرات الشبابيّة المطلبيّة المنظّمة التي يحمل فيها المتظاهرون أعلامًا وشارات ذات لون مميّز تُعرف به، على أن لا تُستعمل فيها الأسلحة، فالذي يميّزها عن غيرها من الثورات هو أنّها سلميّة.                                                                                                                              

ثانًيا: في الخصائص

أهم من كَتَبَ – أو بالاحرى علّم- كيفية صياغة هذه الثورات كان الأميركي جين شارب، في كتبه حول اللاعنف، وخاصة في كتابه من الديكتاتورية الى الديمقراطية، الذي يعدّ المرجع لجميع الثورات السلمية في العالم، والذي ابتدع فيه وفي غيره من الكتب 198 وسيلة على الثوار استخدامها في ثورتهم اللاعنفية.

أهم الخطوات في صناعة الثورة بالنسبة لجين شارب:

صياغة استراتيجية لتحقيق الحرية، ورؤية للمجتمع كما تريدونه.

تخطي الخوف عبر أعمال محددة وصغيرة من المقاومة.

استخدام الألوان والرموز لإظهار وحدة المعارضة.

التعلّم من الأمثال التاريخية التي نجحت في المقاومة اللاعنفية.

استخدام أسلحة لاعنفية.

تحديد أسس الدعم للديكتاتور، وصياغة استراتيجية لتقويض كل منها.

استخدام القمع او العنف الذي يستخدمه الديكتاتور للتجييش ضده ولانضمام الناس الى الحركة اللاعنفية.

التواصل مع القوى الأمنية لإغرائها بمكاسب للانقلاب على النظام الديكتاتوري، أو على الأقل تحييدها في النزاع القائم.

عزل أو إزالة أي رموز عنفية من المجموعة، وعدم السماح لأشخاص العنفيين أو الذين لديهم سجل عنفي بالانخراط في الحركة.

من بين أشهر الذين كتبوا في موضوع ” الثورات الملوّنة ” منظّر ومدرب الشباب على هذه الثورات عبر مركز دراسات وتدريب أسسه لهذا الغرض، سفير الولايات المتّحدة الأميركيّة في روسيا مايكل ماكفويلMcfaul ، ( غادر منصبه عام 2014) ونستعرض مما كتبه حول خصائص الثورات الملوّنة :

تتمّ في نظام إستبداديّ في الأساس، لكنّه يقبل بالتّعددية ووجود أحزاب صوريّة متنوّعة من خلال نظام إنتخابات، أي أنّه من أجل تجميل صورته أمام العالم حتى لا يبدو كنظام مستبدّ، فإنّه يسمح بأحزاب تشارك في الإنتخابات من إتجاهات سياسيّة مختلفة دون أن يكون لها أي مشاركة حقيقيّة في القرار السّياسيّ.

تنتج عن رفضٍ عامٍّ من الشعب للقائمين على النّظام السياسيّ ولسياستهم, يستتبعه شعورهم بالحاجة إلى تغيير هذه الوجوه وهذه السّياسات.

تندلع بتحرّكات من قوى المعارضة بعد أن تتناسى خلافاتها وتتّحد تحت مظلّة واحدة محاولة الإئتلاف ساعيةً وراء إيجاد دورٍ فعّالٍ لها نظرًا لغيابها الملحوظ عن المشهد السّياسيّ.

تقوم كردّة فعلٍ على الفساد المستشري في مؤسسات الدّولة متوازية مع تحرّك المجتمع المدنيّ والوسائل الإعلاميّة بغية إيجاد براهين على التزوير في الإنتخابات وفضح الأخطاء الحاصلة إبّان صنع القرارات السّياسيّة.

تتميّز بكونها إحتجاجات واسعة في الشوارع والميادين غالبًا ما تكون مليونيّة، تتّسم بالتّنظيم الشديد والغضب إلّا أنّها في الآن عينه تستخدم الطـّرق السلميّة للتعبير عن آرائها.

–   ترفض أثناءها قوّات الأمن والجيش إطلاق النّار على المتظاهرين بدافع ذاتيّ أو مصلحيّ، تنأى بنفسها فلا تقف مع طرفٍ على حساب آخر بل تنتظر من ينتصر.

سياسة الأمصال المضادّة وطرق مواجهة الثورات

لقد اتّفقت الأنظمة الحاكمة في بلاد آسيا الوسطى وأوروبا الشرقيّة على تسمية المعارضة بـ ” ڤيروس “، لذا كان من المؤكّد أنها ستستحدث ما أسموه ” الأمصال المضادّة ” لهذا الڤيروس. تجمع حكومات هذه البلاد وحكومة روسيا على كون البيئة الحاضنة والمثالية لترعرع الفيروس ترتكز أساسًا على استقواء المعارضة الدّاخلية بدعمٍ أورو– أميركيّ في الوجهين: المادّي والإعلاميّ.

تحضير الأمصال الفعّالة المضادّة للمعارضة وأهمّها:

‌أ-     إخضاع المنشآت الحيوية والمباني التابعة للدّولة كمباني الوزارات للحماية؛ وإقامة تدريبات شأنها تأهيل القوات العسكرية وتدريبها على الوسائل اللازمة لمواجهة احتلال المتظاهرين لوسائل المواصلات الحيوية في البلاد عمومًا وفي المدن الرّئيسيّة خصوصًا.

‌ب-تشكيل تنظيمات شبابية مضادّة للتنظيمات الشبابية الثائرة عليها. لقد ثبت بعد الثورة البرتقالية في أوكرانيا والثورة الوردية في جورجيا أن الآلاف من فئات الفتيان والفتيات الذين تجمّعوا تحت شعارٍ واحد، علمٍ واحد وموسيقى واحدة هم من لعب الدّور الأكبر في محاولات إنجاح الحركات المعارضة.

ج- بشكلٍ موازٍ تخصّص الحكومات –في الدول المهدّدة بقيام هذه الثورات– ميزانيّات لتمويل تظاهرات مضادّة، فيقابَل كل اعتصامٍ باعتصام مضادّ ويكون لكلّ شيء ثمن في هذا الإطار. فقد تزايد اقتناع هذه السلطات الحكومية في روسيا، آسيا الوسطى وأوروبا الشرقيّة أن المشاركين في الثورتين الأوكرانية والجورجية تلقّوا دعمًا مادّيًّا، يتفاوت بين قبض الاموال مباشرةً قبل التظاهر الى توفير وجبات الطّعام والشّراب كما والأعلام، كذلك الشارات الملوّنة وخيام المبيت خلال التظاهر؛ على ضوء كلّ ذلك اعتمدت الحكومات سياسة تخصّص فيها سيولةً لـ ” تمويلٍ مضادّ “.

د- عسكرة شخصيّات عامّة كالمفكّرين، الفنّانين، ورجال الدّين في معسكرٍ “مع” أو “ضد” لما لهؤلاء من تأثير كبير على جموع الشّعوب. أصبح المفكّرون أولئك معروفين، من السّهل تمييزهم عن غيرهم، فبالنهاية هم أصحاب الحظوظ الوفرة بتولّي المناصب.

ه- رصد دقيق لنشاط قوى المعارضة الداخلية على كافّة مستويات الوحدات الإدارية، أي المحافظات، الولايات، المقاطعات والجمهوريّات.

و- تقوم الحكومات بتسريب متعمد للتّحضيرات الحكومية المواجهة، والإيهام بأنّ التسريب حصل بطريق الخطأ، ولكنه في الحقيقة يكون مقصودًا كجزء من عملية الردع لمن يفكّر في المشاركة بالثورة.

ز- عدم مواجهة ” الثورات الملونة ” بالسلاح، ولا الغازات المسيّلة للدموع، فتبدو للعالم المترقّب والصحافة الشاخصة على أنّها أنظمة ديكتاتورية؛ بل ستواجه الثورة بأخرى مضادّة وعشرات الآلاف من الشباب الذي سيشتبكون بالأيدي والعصيّ.

هذا أدّى الى تغيير استراتيجيات الثورات الملونة وداعميها، وهو ما حصل في كل من فنزويلا ومصر واوكرانيا، حيث يقوم بعض القناصة أو أفراد يلبسون لباسًا عسكريًا حكوميًا بالاعتداء على المتظاهرين السلميين لتحريض الرأي العام ضد النظام، ولكسب التعاطف الذي لم يحصل لأن الحاكم لم ينجر للعنف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى