أزمة تركيا محمد نورالدين
دخل المواطن التركي في دوامة العملية الانتخابية من جديد. فشل أو إفشال تشكيل حكومة ائتلافية بين حزب العدالة والتنمية الحاكم وبين أحد أحزاب المعارضة جعل لا خيار سوى الذهاب إلى انتخابات جديدة.
طرفان مسؤولان عن فشل المحاولات لتشكيل حكومة جديدة. الأول هو أحزاب المعارضة التي لم تتفق على التحالف فيما بينها. ويتحمل هنا حزب الحركة القومية المسؤولية الوحيدة، إذ إنه رفض الدخول في حكومة مع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، بل إنه تسبب في وصول مرشح حزب العدالة والتنمية لرئاسة البرلمان بسبب رفضه تأييد مرشح حزب الشعب الجمهوري أكمل الدين إحسان أوغلو لأن الحزب الكردي أعلن أنه سيؤيده.
المسؤول الثاني والأكبر هو حزب العدالة والتنمية. بعد انقسام المعارضة بات تشكيل حكومة يشارك فيها بل يترأسها حزب العدالة والتنمية كونه الحزب الأكبر، أمراً حتمياً. وكان بإمكان مثل هذه الحكومة أن تكون قوية وذات قاعدة شعبية عريضة سواء مع حزب الشعب الجمهوري العلماني أو مع حزب الحركة القومية اليميني . لكن تبين من المفاوضات التي جرت أن حزب العدالة والتنمية لم يكن جاداً في تشكيل حكومة ائتلافية وأن كل ما كان يقترحه هو حكومة انتخابات نيابية مبكرة في الخريف المقبل.
سبب عدم رغبة حزب العدالة والتنمية بتشكيل حكومة جديدة هي الضغوط التي مارسها رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان وتجاوب معها رئيس الحزب المكلف تشكيل الحكومة أحمد داود أوغلو. وسبب الرفض هو أن تكييف النظام السياسي مع نتائج الانتخابات النيابية التي أفقدت العدالة والتنمية الأغلبية المطلقة، لا يلتقي مع مصالح أردوغان ولا سياسات أحمد داود أوغلو الداخلية والخارجية. ذلك أن أي حكومة ائتلافية جديدة تعني كسر احتكار اتخاذ القرار من جانب فريق واحد، وهو ما يفضي تلقائياً إلى تغيير في السياسات المتبعة.
المشكلة الأساسية هي في الذهنية التي تتحكم في قيادات حزب العدالة والتنمية ولا سيما رئيسه الفعلي أردوغان. إذ تعوّد أردوغان على الحكم منفرداً على امتداد 13 عاماً من دون حسيب أو رقيب. وقام ولا سيما منذ أربع سنوات بتصفية كل خصومه ومنافسيه داخل الحالة الإسلامية نفسها. فتخلص أولاً من شريكه فتح الله غولين ومن ثم رفيقه الأقرب عبدالله غول فاتحاً الطريق أمام قيام نظام حكم الحزب الواحد والشخص الواحد.
لقد قضت نتائج انتخابات السابع من يونيو/حزيران الماضي على أحلام أردوغان بتغيير النظام البرلماني وإقامة نظام رئاسي مطلق الصلاحيات. فما كان منه سوى أن أعلن أن النظام تغير ويجب إعداد دستور جديد يضع الأطر الحقوقية لهذا التغيير والواقع بحكم القوة.
في ظل هذه المناخات قرر أردوغان ركوب انتخابات نيابية مبكرة على أمل أن تلغي نتائج انتخابات يونيو/حزيران الماضي.
المفارقة أن أردوغان لا يعترف بالانتخابات الماضية من خلال إطلاق مصطلح «إعادة الانتخابات» أي كما لو أن الانتخابات لم تجر ويراد تكرارها. فيما هي انتخابات جديدة مبكرة وليست انتخابات إعادة.
نتائج الانتخابات المقبلة ستكون على حد السيف. إذ إن حزب العدالة والتنمية يأمل أن يستطيع تعويض 18 نائباً خسرهم ليبلغ الأغلبية المطلقة. وهذا يتطلب أن ترتفع نقاطه من 41 في المئة إلى 44 في المئة. استطلاعات الرأي الحالية تعطي الحزب بعض التقدم وتعطي حزب الشعب الجمهوري المعارض أيضاً بعض التقدم مع تراجع لدى الحزبين القوميين التركي والكردي. قد تكون هذه النسبة، وفقاً للاستطلاعات، كافية لعودة حزب العدالة والتنمية منفرداً إلى السلطة. لكن من الآن وإلى موعد الانتخابات لا أحد يمكن أن يتوقع ما الذي سيحدث. هذا أولاً. ثانياً وكما كانت نتائج الانتخابات الماضية مفاجئة لحزب العدالة والتنمية فليس من ضمانة لعدم حصول مفاجآت ربما أكبر. ولكن ماذا سيفعل أردوغان لو أن النتائج الجديدة لم تتغير عن النتائج السابقة وفشل حزب العدالة والتنمية من جديد في بلوغ الأغلبية المطلقة؟ هل سيعيد الانتخابات من جديد للمرة الثالثة؟
لكن المشكلة أعمق من ذلك وهي أن حزب العدالة والتنمية لم يعد بإمكانه أن يحكم تركيا بمفرده وبالذهنية نفسها حتى لو نجح في إحراز الأغلبية المطلقة. فهذا الحكم هو ولاّدة أزمات بدأت تتفاقم وأدخلت تركيا في أتون جحيم أمني وتوتر سياسي وتراجع اقتصادي خطر.
(الخليج)