حول ظواهر التطرّف والإسلام- منير شفيق
البعض، عن قصد، أو بلا قصد، راح يربط بين ظاهرة التطرف والإسلام، ما دام التطرف يستند إلى الإسلام، بل يدعي بأنه هو الإسلام، ومن ثم من يخالفه يخالف الإسلام ويخرج من الإسلام .
هذا الربط يستهدف، في نهاية المطاف، نقد الإسلام والهجوم عليه، أكثر مما يستهدف الظاهرة المعنية ومواجهتها. وإلاَ ما معنى ربط ظاهرة التطرف بالإسلام فيما الكثير يمكن أن يقال في تحليلها وقراءتها بعيداً من الإسلام؟، وإذا كان من ضرورة التوقف عند استنادها إلى الإسلام، في أثناء ذلك، فستقع هذه الضرورة في الدرجة الرابعة أو الخامسة من حيث الأهمية. بل، وفي الحق، ستدخل في إظهار ابتعادها عن الإسلام. وليس ربطها بالإسلام. وهذا ما نهجته الغالبية الساحقة من العلماء والمفكرين إن لم يكن بإجماع، ومن مختلف المذاهب والمدارس الإسلامية بلا استثناء، وعلى ساحات الأقطار الإسلامية.
ولا يشذ عن هذا الإجماع أو شبه الإجماع إلاّ قادة ظواهر التطرف والداعون لها ولفتاواها.
إذا كانت المعادلة على هذه الصورة، فبأي منطق يذهب أولئك البعض إلى الربط بين ظاهرة التطرف والإسلام؟ ويروحون يركزون على الإسلام باعتباره سبب الإشكال ومصدره. ومن ثم يصبح الموقف منه هو المدخل، أو المنطلق لمكافحة تلك الظواهر، والردّ عليها، ودحض فتاواها وأفكارها وسياساتها وممارساتها.
هذا البعض لا يكفيه كل ما أشير إليه من مواقف علماء ومفكرين إسلاميين، وبشبه إجماع، ليس في عدم الربط بين تلك الظواهر والإسلام بنصّه ومذاهبه ومدارسه فحسب، وإنما، أيضًا، لا يكفيه أن يوازن بين مئات الملايين من المسلمين، بل ألف وأربعمائة مليون مسلم من جهة، وبين من ينتسبون إلى تلك الجماعات من جهة أخرى.
فتلك الملايين بمجموعها الهائل مسلمة وتستند إلى الإسلام وتتبعه، فكيف لا يربط أولئك البعض بينها وبين الإسلام. ومن ثم يعيدون للإسلام عدم انخراطها في تلك الظواهر؟
أما إذا لم يقتنع أولئك البعض بالحقيقة المتعلقة بمواقف العلماء والمفكرين من جهة، وبالحقيقة المتعلقة بمواقف جماهير المسلمين ونخبهم بعامة من جهة ثانية، فليبذلوا بعض الجهد المعرفي في قراءة النص الإسلامي والفقه الإسلامي عبر تاريخه الطويل، قبل أن يعيدوا سبب نشأة ظواهر التطرف إلى الإسلام، بالرغم من استناد أتباعها إليه، واعتبارهم كل من يخالفهم قد خرج من الإسلام أو ارتدّ أو كفر أو يجب أن يُستتاب قبل القتل. وذلك مع استثناء الذين يُحسبون على ظاهرة التطرف، لكنهم لا يقولون بتكفير المجتمع أو تكفير كل من لا يذهب مذهبهم أو يخالفهم.
هذا البعض وهو يخطئ في تحويل معركته ضد الإسلام باعتباره المسؤول عن كل ما تفعله داعش مثلاً، لا يقدم تغطية لها فحسب، ولا يسلمها الإسلام ليكون سلاحها فحسب، وإنما أيضاً يدخل في صراع مع كل من له موقف آخر من الإسلام. ويجد من الضرورة الرد على هذا التجني الصارخ والظلم الفادح للإسلام.
وحجة أخيرة يجب أن يَرد عليها أولئك البعض. وهي أن ظواهر التطرف بما في ذلك التوحش في القتل أو الغلو في العصبية، ليست ظاهرة خاصة بمسلمين أو بمجتمعات إسلامية أو عربية. فهي ظاهرة عالمية تاريخياً وحاضراً ومستقبلاً، وقد عرفتها كل المجتمعات ولها أنوية مخبوءة أو “نائمة” في كل الدول الكبرى، التي تقدم نفسها عنواناً للتقدم أو للحضارة أو للديمقراطية أو للعلمانية أو للإلحاد، كما ظهرت عبر التاريخ ولها مؤشرات راهنة وقابلة للاستشراء مستقبلاً في كل المجتمعات المتدينة، أو مجتمعات تابعة لأديان أُشيعَ عن أتباعها بأنهم مسلمون ومتسامحون.
ويكفي، في هذا الصدد أن يذكر على عجالة، ما برز من ظاهرة تطرف بين بعض المتدينين البوذيين في مانيمار ضد المسلمين. أو منظمة كوكلاس كلان في الولايات المتحدة في مراحل سابقة، وهي مستمرة حتى الآن في حالة كمون. وما فعلته وتفعله المنظمات الصهيونية في فلسطين على مستوى أحزاب حاكمة لبست لبوس العلمانية أو اليسارية أو التدين. وغيرهم وغيرهم، ولا نشير إلى ما فعله منتسبون إلى المسيحية في الأمريكيتين ضد سكانها الأصليين طوال مئات السنين.
وخلاصة، على أولئك البعض أن يكفوا عن الربط بين تلك الظواهر والإسلام، وأن ينظروا إلى الإسلام بعين عادلة وبمعرفة دقيقة، ليكون هنا معيار حكم على من ينتسبون إليه. وليس الحكم عليه من خلال بعض من ينتسبون إليه.
يجب التخلص من هذه الآفة التي تربط بين تلك الظواهر والإسلام، والتعامل باعتبار ظاهرة التطرف ظاهرة عالمية من جهة، ثم بارتباط كل حالة من جهة أخرى بخصوصيتها وخصوصية ما يدور من حولها في زمان معين، ومكان معين، وظروف من موازين ومناخات وصراعات وانقسامات. لكي يصبح بالإمكان السير على طريق المواجهة الصحيحة والناجحة.