لا نقطة تحوّل بعد عامر نعيم الياس
تمَّ تسليم، أو بالأحرى تعهيد روسيا الملف السوري، في الوقت الحالي بطلب ورغبة من إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما. جملةٌ مفتاحية تلخّص مجمل الحراك الدبلوماسي الجاري على الساحة السورية والذي تتولاه موسكو في الوقت الحالي. وهو ما تتقاطع عنده غالبية التقارير الخاصة في الشأن التفاوضي السوري.
إذاً، الرغبة تشير إلى ضرورة القول إعلامياً والتوجّه إلى الرأي العام بخطاب مضمونه تولي روسيا إدارة مرحلة التأسيس للتفاوض حول سورية، وانسحاب الإدارة الأميركية من هذا الجهد لفسح المجال أمام الروس للتفاوض مع حلفاء واشنطن في المنطقة بعد يأسٍ ربما أو غضبٍ أميركي من عدم انضباط الحلفاء بشكل كامل في استراتيجية أوباما في سورية، فهل هذه هي الحقيقة؟ وهل فعلاً تدعم واشنطن جهود موسكو، أم أن الموضوع لا يتعدى كونه لعباً على الوقت واستنفاداً لقدرات موسكو التفاوضية تمهيداً للدخول في لعبة تحميل الفشل لهذا الطرف أو ذاك قبل التحضير مجدداً لمبادرة ربما تقودها واشنطن أو أحد حلفائها الغربيين؟
شكّلت تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في موسكو خلال المؤتمر الصحافي الذي جمعه قبل أسابيع ونظيره الروسي سيرغي لافروف، أساساً لفهم الموقف السعودي من الأزمة السورية، وصوّر البعض ما جرى على أنه خلاف بين موسكو والرياض وتعقيدٌ للجهود الروسية للسلام حول سورية، وتم سحب ذلك الخلاف بشكل موجّه على العلاقات الأميركية السعودية حول سورية، مع أن الأمر مجانبٌ للحقيقة، فما نطق به عادل الجبير هو بيان مكتوب ومنقول عن بيانات البيت الأبيض حول سورية، والوزير السعودي راعى خلال الدقائق الأولى من المؤتمر الصحافي توضيح موقف بلاده من الدولة السورية عبر قراءة متأنية من روقة كانت موضوعة أمامه كي لا يخرج عن سياق الموقف الرسمي الأميركي من سورية، ولم يهاجم، كما جرت العادة إبان فترة الوزير الأسبق سعود الفيصل، السياسة الأميركية في سورية وعدم تطوير الإدارة الأميركية استراتيجيتها تجاه دمشق، وبالتالي لماذا يتم الحديث عن خلاف بين الرياض وواشنطن حول سورية ولجوء الأخيرة إلى موسكو لكي تجرّب إحداث خرق في جدار التشدد السعودي حول سورية وتحديداً في ملفي الحرب على الإرهاب، ومصير الرئيس السوري بشار الأسد. هل يعقل أن واشنطن لا تستطيع أن تحدث هذا الخرق في الموقف السعودي؟ كيف يمكن لدولةٍ ترعى انتقال السلطة من جيل إلى جيل داخل السلالة الحاكمة في المملكة، أن تفشل في التأثير على الموقف السعودي من سورية؟ هل نحن غافلون عن تاريخ العلاقات السعودية ـ الأميركية؟
يمكن وصف الجهود الروسية لإحداث خرق في الموقف السعودي كما يصوّر للإعلام بأنها جهود «مضحكة» لا أكثر ولا أقل، فمن يستطيع تسيير السعودية موجود وفي أوج قوّته، لكن الواضح أن كافة القوى على الأرض لم تبلغ نقطة التحوّل بعد التي تؤهلها لوضع مسار المراجعة في سورية قيد التنفيذ الفعلي، بدايةً من واشنطن مروراً بتركيا والكيان الصهيوني وليس انتهاءً بالسعودية. أما الجهد الروسي والرغبة الأميركية به فيتمثلان بأمرٌ تدركه موسكو قبل غيرها، فالتفاوض والترويج للحل السياسي للأزمة السورية في مكان، بينما العين تبقى مراقبةً مسار العمليات في الميدان السوري وما يستوجبه ذلك من دعمٍ على الأرض لتثبيت خطوط تماسٍ استراتيجية تعد خطاً أحمر في عملية تفاوض تنتظر تسليم الأطراف كافة بالحاجة الملحّة إليها.
(البناء)