مقاربة السيد خامنئي للاتفاق النووي والسياسات الاميركية عبد الهادي محفوظ
طهران
يربط الامام السيد علي خامنئي بين بداية تفجّر ’’الربيع العربي‘‘ وبين نظرية الصحوة الاسلامية التي تعني حسب ما يذهب اليه الاعتراض على الظلم والفساد والتبعية وتعني رفض التبعية الى الغرب والتأكيد على الهوية الاسلامية ووحدة المسلمين.
’’الصحوة الاسلامية‘‘ هي نقيض ما نشهده من انقسام اسلامي سني – شيعي. وقيام تنظيمات تكفيرية لا تعترف بالآخر المسلم او الذي ينتمي الى دين آخر. الامام يفسّـر ولادة هذه التنظيمات بامرين. الاول اسهام الغرب بتغذية الانقسامات الطوائفية. والثاني استغلال العقول الساذجة التي لا تدرك انها تدار في سياق سياسات استخبارية هدفها حرف الانتباه وعدم تحكيم العقل وتشويه مقاصد الاصلاح والتغيير وتفجير الفتن الاهلية. ويرى الامام الى السياسات الاميركية بحذر شديد. فهي سياسات اعتمدت على التجربة البريطانية في الشرق الاوسط التي عنوانها ’’فرِّق تسد‘‘. و حذر الامام الخامنئي يجعله يرسم الحدود بحيث لا تحصل الاختراقات الاميركية في مرحلة ما بعد الاتفاق النووي للاقتصاد والسياسة الايرانية. فهو يتكلم علنا عن هذا الاتفاق. هناك من يعترض عليه في كل من واشنطن وطهران على السواء. وبالتالي الامور مفتوحة على كل الاحتمالات. لكن في كل الاحوال الاعتراض الاميركي على الاتفاق لا يلغي ان مجلس الامن وافق عليه واوروبا تتصرف على قاعدة انه اصبح ’’نهائيا‘‘ ودولها تتسابق على ترتيب ’’علاقات سياسية واقتصادية ومالية‘‘ مع طهران. وبهذا المعنى فان حذر الامام الخامنئي يُلزمه باحتضان المتحمسين للاتفاق او المعترضين عليه. فهاجسه هو وحدة الامة الايرانية واحداث سياسة توازن بين الاتجاهات المختلفة.
الانسجام كامل بين الامام الخامنئي ورئيس الجمهورية حسن روحاني الذي يحسبه الكثيرون على التيار الاصلاحي. صحيح ان حسن روحاني درس في الغرب لكنه سياسي متمرس ومتمكن من معرفة كيف يفكر الغربيون وما هي مقاصدهم. وهو حريص على المصالح الايرانية ولديه خبرة واسعة في العمل الامني. وهو صاحب نظرية تقول بان اي ’’ايجابية‘‘ تقدم عليها ايران تكون جوابا على ’’ايجابيات‘‘ من الغرب والخروج من لعبة استتباع الآخر. فروحاني حريص على استقلالية الارادة الايرانية ومفهوم الوحدة ويخطئ من يظن انه يمكن ان يرتضي ان تصبح ايران اسيرة المحاور المتجابهة.
’’الاتفاق النووي‘‘ عليه خلاف ايراني فكري وسياسي وايديولوجي. ولكن لا احد في المحورين الاصلاحي والتقليدي يخوِّن الآخر. ولذلك فان السلطة في ايران وبتوجيه من الامام الخامنئي تنتظر لتقول كلمتها النهائية في البرلمان (مجلس الشورى) الى ما بعد معرفة ما سينتهي اليه القرار الاميركي في الكونغرس علما بان هناك تطمينات اميركية للايرانيين جاءت على لسان وزير الخارجية جون كيري بان عدم الاقرار للاتفاق النووي في الكونغرس لا يلغي موافقة مجلس الامن عليه والاتحاد الاوروبي وروسيا والصين.
لا شك ان الاتفاق النووي شرَّع دوليا لامتلاك ايران القدرات النووية من دون تقديم تنازلات والى رفع الحصار الاقتصادي والمالي والعقوبات والى سباق العواصم الاوروبية على طهران للحصول على العقود الاقتصادية او للاستثمار وتأسيس الشركات. هذا ويعرف الايرانيون على اختلاف توجهاتهم ان ايران اصبحت الشريك الاقليمي الاساسي للاميركيين. وبالرغم من ذلك ثمة احتياطات ايرانية من اي تحوّل كارثي في الموقف الاميركي. ولذلك يتركز خطاب السيد علي خامنئي على ’’التصدي الحازم لمحاولات اميركا الرامية الى استغلال نتائج المفاوضات النووية والتغلغل الاقتصادي والسياسي والثقافي في ايران‘‘. ويرى خامنئي ’’ان مخطط نظام الهيمنة في المنطقة يرتكز على اساسين هما اثارة الخلاف وبسط النفوذ حيث ينبغي عبر الخطط الهجومية والدفاعية الصحيحة التصدي لهما بيقظة واستمرار‘‘.
ويستنتج السيد خامنئي بان ’’الصحوة الاسلامية‘‘ التي انطلقت من شمال افريقيا هي سبب كثافة ’’التخريب الغربي‘‘. فالغرب يعتبر وفقا لحسابات الخامنئي انه قمع الصحوة الاسلامية وهو مخطئ…
لكن كيف يمكن ’’التعايش‘‘ بين ’’الصحوة الاسلامية‘‘ وبين ظاهرات الانقسام الطوائفي والمذهبي الذي يهدد الوحدة الاسلامية وينبئ بالفتن الطوائفية والاهلية؟ لدى السيد خامنئي جواب :’’تحت يافطات الشيعة والسنة تقع الخلافات التي في اساس اثارتها البريطانيون وتلامذتهم الاميركيين. فالتنظيمات التكفيرية التي هي الاداة الاهم لاثارة الخلافات المذهبية يعترف الاميركيون انفسهم بالضلوع بها وانخداع بعض المسلمين السذج في تأسيسها.‘‘ و هكذا يرى السيد خامنئي ’’ضرورة العمل على ازالة الخلافات وان لا مشكلة لايران مع دول المنطقة وحكوماتها‘‘. و فلسفته في هذا المجال مبدأ ’’اشداء على الكفار ، رحماء بينهم‘‘.
ومع ذلك اذا كان السيد خامنئي يطمئن دول الجوار الى ان ايران لا تطمح الى هيمنة والى تغليبها لغة الحوار يبقى ان ’’عزل وتهميش التنظيمات التكفيرية يحتاج الى طروحات معتدلة‘‘. فالمشكلة ان ’’داعش‘‘ تستند الى ’’نصوص قرآنية‘‘ تفسرها على طريقتها. الامر الذي يحتاج الى مقاربة مشتركة من السنة والشيعة عبر الازهر والنجف وقم بحيث يتم تقديم صورة الاسلام الذي يعتمد الرحمة والحوار والانفتاح وقبول الآخر استنادا الى ما كان الامام السيد موسى الصدر قد استنجد في موضوع حوار الاديان عندما قال ’’تكون الاديان واحدة عندما نلتقي في الله‘‘.
ايا يكن الامر الخشية الايرانية من ان تكون واشنطن لا تلتزم ببقاء الحدود الجغرافية كما تعهدها يحتم مسؤولية خاصة على ايران كونها ’’الشريك الاقليمي‘‘ للحؤول دون تقسيم لبنان وسوريا والعراق الذي يدعو اليه منظر المحافظين الجدد ريتشارد بيرل.