صراع صامت بين واشنطن وأنقرة حميدي العبدالله
طالب وزير الدفاع الأميركي الحكومة التركية بضبط حدودها مع سورية ومحاربة تنظيم «داعش»، مؤكداً أنه ما زال بإمكان التنظيم إدخال إرهابيين إلى سورية عبر الأراضي التركية. وأضاف أنّ بلاده أبلغت المسؤولين الأتراك بأنّ عليهم مراقبة حدودهم والمشاركة بطائراتهم في تنسيق الغارات على التنظيم المتطرف.
تصريح وزير الدفاع الأميركي يحمل اتهامين واضحين للحكومة التركية، الأول عدم قيامها بإحباط ومنع تسلل الإرهابيين إلى سورية، والثاني تقاعسها في الإسهام بحرب نشطة ضدّ «داعش» إنْ لم يكن تواطؤها مع هذا التنظيم الإرهابي.
تأتي هذه التصريحات بعد مرور أيام قليلة على إعلان الولايات المتحدة سحب صواريخ الباتريوت التي نشرت في تركيا في بداية الأزمة في سورية. فسّر البعض سحب الباتريوت بأنه نتيجة للاتفاق النووي الإيراني وليس خطوة موجهة ضدّ تركيا. لكن من المعروف أنّ واحداً من أسباب نشر الباتريوت في تركيا هو لتطمين الكيان الصهيوني، عبر اعتراض أيّ صواريخ إيرانية يمكنها أن تستهدف الكيان، ويمكن القول إنّ الإعلان عن سحب الباتريوت هو رسالة تحذير موجهة من واشنطن لأنقرة وتل أبيب لخروجهما واجتهادهما أحياناً خارج نطاق ثوابت الاستراتيجية الأميركية في المنطقة، وإذا كان تحذير الكيان الصهيوني على خلفية معارضة الكيان للاتفاق النووي والسعي لعرقلة التصديق عليه في الكونغرس، فإنّ التحذير لتركيا يأتي رداً على تقاعسها عن ضبط حدودها وعدم المشاركة في قتال «داعش»، إضافةً إلى سعيها المستمرّ لتوريط الولايات المتحدة في الصراع المسلح في سورية عبر ما يسمّى بالمنطقة الآمنة.
في هذا الإطار، يمكن الاستنتاج بأنّ تصريحات وزير الدفاع الأميركي حول تقاعس أنقرة في ضبط الحدود، وعدم الإسهام الجدي في محاربة «داعش»، وسحب صواريخ الباتريوت، كلّ ذلك شكل من أشكال الصراع الخفي الدائر بين الاستراتيجيتين، الاستراتيجية الأميركية والاستراتيجية التركية، ولا يمكن تفسير تحسّن العلاقات التركية الإسرائيلية المفاجئ إلا في هذا السياق، ذلك أنّ أنقرة مثلها مثل بعض عواصم المنطقة تسعى للاستقواء بتل أبيب ضدّ إدارة الرئيس أوباما التي رفضت الانجرار وراء هذه العواصم لتوريط الولايات المتحدة في نزاعات مسلحة إضافية بشكل مباشر، ولا سيما في سورية واليمن.
(البناء)