إلغاء الخصخصة والتقاسم
غالب قنديل
الصورة التي ارتسمت في نتائج المناقصة المعلنة لملف النفايات توضح حقيقة ثنائية الخصخصة والتقاسم التي تحكم لبنان منذ سيطرة الحريرية سياسيا وإرساء نظام اقتصادي ومالي قام على تدمير مفهوم الخدمة العامة تولى هندسته فؤاد السنيورة منذ توليه المسؤولية في حكومات الحريري المتعاقبة بإشراف صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وعدد من وكالات التنمية الأميركية والأوروبية.
اولا من الواضح عمليا ان الخصخصة قامت على نهب المال العام من خلال رفع كلفة الخدمة العامة الجاري تدميرها كمفهوم قبل تلزيمها للشركات والمناقصة التي جرت في ملف النفايات وأعلنت نتائجها أمس ضاعفت تلك الكلفة بصورة تلائم الجهات النافذة والمستفيدة وعلى نحو مريب تفاوتت أسعار طن الزبالة الواحد بين منطقة واخرى تبعا لحجم الشركاء وللتفاهمات الحاصلة في تكوين تحالف الشركات الأجنبية والمحلية وبصورة لا تتصل بطبيعة الخدمات المتعاقد عليها .
ليس تفاوت الأسعار وتضخمها الذي أثار حفيظة رئيس المجلس النيابي هو المشكلة الأصلية فالقضية تتركز في مضمون التلزيم الذي يقوم على ضرب الخدمة العامة أي خصخصتها وسحب الأموال من صندوق البلديات لحساب الشركات الأجنبية ووكلائها وتقاسم القوى المحلية النافذة للملف بعمولات وأرباح من أصل هذا المال العام أي تكريس واقع النهب الريعي للخزينة العامة من قبل القوى السياسية الرئيسية والفاعلة في البلد كل في “مناطقه ” أي مناطق نفوذه السياسي ليكون كفيلا بتدجين الناس وتطويعهم في الرضوخ للنتائج وجدول التبعية السياسية والمحلية للشركات الفائزة يكشف هذه الحقيقة المشينة التي تفترض بجميع الأحزاب والقوى والحركات السياسية الحريصة على سمعتها ان تسحب يدها من الشركات المنسوبة إليها بالوقائع والقرائن وبالانتقال من تسجيل الاعتراض إلى تبني إلغاء المناقصة.
ثانيا إعادة الاعتبار لمفهوم الخدمة العامة تقتضي إلغاء الخصخصة والتقاسم بتكريس مسؤولية المجالس البلدية عن ملف النفايات وفقا لمعايير حضارية تناسب شروط السلامة الصحية والبيئية وتقتضي صرف المساهمات المالية الحكومية لصناديق المجالس البلدية بدلا من تجييرها لصالح الشركات الأجنبية والمحلية التي ترعاها القوى السياسية المشاركة في الحكم وفقا للوصفة الأميركية المتضمنة في مذكرة نهاية عهد الأمراء الصادرة عن الخارجية الأميركية عام 1976 .
وهنا نذكر من لا يتذكر ان ما ينطبق على النفايات ينطبق على ما لحق بخدمة البريد وبجباية الكهرباء وما سيلحق بإنتاج الكهرباء فنظام الحريرية الذي أغرق البلاد بالدين ورهن كل شيء حتى الدولة برمتها لحساب الطغمة المالية المصرفية العقارية التي هي الطبقة الفعلية الحاكمة في لبنان وتبنى منهج الخصخصة بصيغ تتكفل برشوة القوى السياسية المشاركة في الحكم لضمان ولائها وتواطئها.
على جميع الأطراف السياسية التي تقدم نفسها بخطاب شعبوي ان تثبت خروجها من هذه الشراكة بالأفعال وهذا يشمل جميع اطراف الثامن آذار وخصوصا حركة امل والتيار الوطني الحر وتيار المردة والحزب السوري القومي وينبغي لذلك الإقلاع عن لعبة تحسين الشروط فالمطلوب إلغاء الخصخصة والتقاسم وإعادة بناء الدولة وقيادة الحركة الشعبية نحو تأسيس جمهورية جديدة تنطلق من انتخابات تشريعية على أساس النسبية.
ثالثا من غير مبالغة ولا أوهام يمكن القول إن هناك شريحة لا بأس بها من الجمهور المصاب بنتائج التوحش الرأسمالي الحريري بدات تنتقل للتحرك وفقا لما بينته تجربة “طلعت ريحتكم ” وقد ظهر الليلة الماضية في رياض الصلح تجاوز هذا الجمهور للتجمع المبادر الذي علق التظاهر حتى السبت ووفق المعلومات المتداولة فقد اضطرت تلك المجموعة للتجاوب مع مبادرات جبهوية واسعة نسبيا تضم اطرافا وقوى وتجمعات عديدة تعكس في تلاوينها طيفا متنوعا وهذا امر إيجابي وجيد يسقط الكثير من التحفظات والمخاوف على تعليب التحرك وفقا للتوجهات الأميركية الباحثة عن فرص توليد مواقع نفوذ سياسية عميلة في لبنان تخلف ما شاخ من الطبقة الحاكمة وناديها السياسي او تعادله بتنويع خيارات واشنطن في لبنان وحاملو الوصفات الأميركية و”بركات” السفير الأميركي المعروفين من تجمعات المبادرين باتوا أقل قدرة على طبع أي تحرك بشعاراتهم وأسلوبهم الاستعراضي والعبثي المثير للشكوك.
بعد ما حصل من تطورات تنظيمية في قيادة المبادرة الشعبية يفترض صب الجهود على بلورة الشعارات والخطط النضالية بصورة تلاقي ملامح التحول في الانتقال الشعبي إلى المبادرة والتحرك في الشارع وهذه مهمة جميع القوى والشخصيات التغييرية في البلاد ويجب التركيز على غاية محددة هي إلغاء الخصخصة والتقاسم السياسي برد الاعتبار إلى الخدمة العامة.