زهران علوش بين آب 2013 وآب 2015 عامر نعيم الياس
حملةٌ إعلامية منسّقة ومكثّفة استهدفت الدولة السورية والجيش السوري بسبب ما جرى في مدينة دوما في السادس عشر من الشهر الجاري. صور متلاحقة وتقارير خاصة سبقت تقارير الوكالات الدولية عن أعداد القتلى في دوما التي تراوحت بين الـ86 والـ112، وفق درجة عداء الصحيفة وكاتب التقرير لسورية ودولتها. الأمور لم تقف عند هذا الحدّ، إنّما تعدّتها إلى الافتتاحيات التي حاولت قاصدةً الربط بين ما جرى في الغوطة عام 2013 والفبركات الإعلامية الخاصة بملف استخدام السلاح الكيماوي السوري على السكان المدنيين، وبين ما جرى في دوما، مع أنّ الصحف ذاتها، تجاهلت ما جرى في العاصمة دمشق قبل يومٍ مما جرى في دوما، والذي تحوّل إلى جنازةٍ دولية شبعت لطماً وعويلاً على المدنيين الذين لا وجود لهم سوى في دوما والغوطة الشرقية والمناطق التي تقع تحت سيطرة المجموعات المسلحة.
صحيفة «لوموند» الفرنسية رأت في افتتاحيتها، بتاريخ السابع عشر من الشهر الجاري، أن مدينة دوما ومنذ آذار 2011 كانت «معقلاً من معاقل التظاهر السلمي ضدّ النظام السوري»، وأن ما سمّته «القمع» ساعد في تجذّر «التمرد المسلّح واتجاهه بشكل متزايد نحو الأصولية». واستمرت الصحيفة بوقاحة لا متناهية في الحديث عن هدف الغارات على دوما، فهي ليست «لقمع التمرد»، إنما «لترهيب السكان المدنيين». فإذا كان الاستنتاج صحيحاً، لماذا لم تتكلم الصحيفة بالطريقة ذاتها عن مدنيي العاصمة الثانية للبلاد حلب؟ ولماذا تجاهلت الصواريخ الستين التي انهمرت على الأحياء السكنية في العاصمة دمشق في اليوم الذي سبق ما جرى في مدينة دوما؟
بكافة الأحوال، جيّرت الصحافة الغربية الغارة التي ضخّمتها، وتجاهلت كل المذابح التي سبقتها على أيدي المجموعات الإرهابية الإسلامية المسلّحة في سورية، لمصلحة عودة نغمة الضغط من أجل الدفع لتغيير الاستراتيجية الأميركية في سورية، وقطع الطريق أمام استكمال مسار التحوّل الدولي الأممي في الملف السوري باتجاه اعتماد مقاربة أكثر واقعية للأزمة في سورية، وسبل بلورة حلّ سياسيّ. فالربط بين هجمات الغوطة عام 2013 والتي أدّت ـ بحسب «لوموند» ـ إلى 1400 قتيل. وما جرى في دوما أتى لتكريس معادلة أن دوما هي نتيجة لما جرى في الغوطة عام 2013. هنا يحضر تقرير آخر لصحيفة «ليبيراسيون» الفرنسية ليوجّه الأحداث وفق المنحى ذاته. لكن قد يقول البعض إن شيطنة الدولة السورية والتيار الداعي إلى اعتماد التدخل المباشر في سورية، هو تيار موجود لا يجوز أن يفاجئنا في استغلاله أحداثاً كالتي جرت في دوما لفبركة المزيد من الأكاذيب. وهذا صحيح، إنما في حالة دوما تحديداً، يبدو أن الهدف الأساس من وراء هذه الحملة يتجلّى بتبييض صفحة المعفى عنه من السجون السورية زهران علوش، ابن مدينة دوما، وقائد ما يسمّى «جيش الإسلام». فالرجل مستهدَف كونه يجابه غارات «النظام» على مسقط رأسه، ولا يزال يتمدّد في ريف إدلب وفق «ليبيراسيون» الفرنسية، والتي فسّرت ما يجري مع علوش مستشهدةً بما جاء في دراسة لمعهد كارنيغي الأميركي جاء فيها: « هذا التقدّم هو ثمرة لاتفاق قطري ـ تركي ـ سعودي في الربيع المنصرم على توحيد المساعدات للثوار السوريين. حتى زهران علوش نفسه كان قد زار تركيا أواسط أيار الماضي».
الحملة على الدولة السورية بدأت في العشرين من آب عام 2013 بعد فبركة اتهام باستخدام الكيماوي واستهداف المدنيين. حينذاك كانت الضربات الأميركية على سورية بمثابة صافرة البدء باقتحام العاصمة دمشق على يد «النصرة» وزهران علوش. واليوم، وللمصادفة، أُطلقت حملة إعلامية موازية، وفي آب، قبيل خمسة أيام على ما جرى في الغوطة الشرقية من عام 2013، في توقيت يثير الشكوك حول هوية الجهة الفاعلة، وجهدٍ يبدو أنه يستهدف تلميع صورة علوش وترسيخ عامل ردعٍ جديد في وجه الدولة السورية باستثناء دوما من قائمة عملياتها. فالرهان ليس على جوبر وحدها في محيط دمشق، إنما دوما هي المعقل الرئيس الذي لا يجوز استهدافه.
(البناء)