حرب النفايات بين قريطم والمختارة تحرق بيروت ابراهيم ناصرالدين
«تشخيص» سلام الخاطىء «للمرض» سيفسد العلاج ….
لا شك بان رئيس الحكومة تمام سلام «شيخ الاوادم»، ولا شك انه كان ومايزال خارج منظومة «الفساد» القائمة في البلاد، ولم يتفاجأ احد بان تكون خلاصة مؤتمره الصحافي مزيج من «القرف والعجز» بعد ان تعرض الرجل الى «طعنات الغدر» من الحلفاء والاصدقاء قبل «الخصوم»، والجميع يعرف ان الاستقالة لن تقدم او تؤخر، وانتقال الحكومة الى تصريف الاعمال سيزيد «الطين بلة» وسيعمق الازمة ويزيد الشلل ويدخل البلاد في المجهول، لكن كان المطلوب من سلام الذي يهدد دوما بنفاد صبره، ان يصارح اللبنانيين بالقول ان الازمة الحقيقية والجدية التي كانت ستحرق البلد انطلاقا من ساحة رياض الصلح منشأها شركاء الامس على السمسرات، و«خصوم» اليوم على «الزبالة»، كان عليه ان يقول ان تبادل «الرسائل» الساخنة بين الحزب التقدمي الاشتراكي وتيار المستقبل هي السبب المباشر في الاضطراب السياسي والبيئي وليس تمسك الفريق الاخر بالتعطيل في مجلس الوزراء….
هذه الخلاصة لاوساط بارزة في 8آذار، تشير الى ان رئيس الحكومة نجح في «تشخيص» المرض دون ان يقدم الاسباب الحقيقية لهذا «الفيروس»، ما سيؤدي حكما الى اعطاء دواء خاطىء سيفسد العلاج، «المشكلة» الاساسية تكمن في عدم تجاوب تيار المستقبل مع دعوات فتح حوار جدي مع التيار الوطني الحر، فازمة رئيس الحكومة مع فريقه السياسي وليس مع الاخرين، المطلوب فتح «كوة» في الجدار تسمح للتيار الوطني الحر بالتراجع «خطوة» الى الوراء، التعطيل سببه التعنت والتمسك «بكسر» الجنرال ميشال عون، سلام يدرك ذلك ولكنه غير قادر على التأثير في قرارات «التيار الازرق»، يعنيه عدم وقوع الشلل الحكومي وادارة حكومة منتجة لكن ثمة اصرار على عدم ملاقاة حزب الله في «منتصف الطريق» لايجاد مخرج لائق للجميع؟ مع العلم ان رئيس الحكومة يدرك جدية الحزب «ومصلحته» بالتعاون لانجاح الحكومة ورئيسها بما يؤمن الاستقرار في البلاد، وسلام يقر في مجالسه الخاصة بمناقبية والتزام وزيري الحزب، لكن المشكلة ان رئيس الحكومة لا «يمون» على السياسات الكبرى «للتيار الازرق» في ظل غرق رئيس الحكومة الاسبق سعد الحريري في ازمته المالية، والادارة غير «الحكيمة» للرئيس فؤاد السنيورة الذي يواصل ممارسة عمله كرئيس لحكومة «ظل» تعويضا عن قناعة شخصية لديه بانه الاحق والاولى برئاسة الحكومة، وليس اي شخص آخر تم «نفض الغبار» عنه ليدخل السراي الحكومي في «غفلة» من الزمن….
وفي هذا السياق، فان رمي «كرة التعطيل» في حضن الفريق الآخر قد تزيد الامور تعقيدا وتدخل البلاد في «النفق المظلم»، وهذا امر محتوم اذا لم تنجح الاتصالات السياسية خلال الساعات القليلة المقبلة في تأمين المخارج المعقولة والمقبولة لجلسة مجلس الوزراء المزمع عقدها هذا الاسبوع، واذا كانت معالم الازمة وشروط حلها واضحة مع التيار الوطني الحر، فان «الكباش» الاكثر خطورة في مكان آخر، وقد «طلعت رائحته» بترجمة عملية على الارض وسط بيروت وفي البيانات الاعلامية بين وزير الداخلية «والبيك»، وهو خلاف على «البزنيس» بين «المختارة» «وقريطم» ترجم مواجهات ميدانية «وتراشق» سياسي يفتقر الى «روح» المسؤولية الوطنية» التي ينادي بها سلام..
وبحسب المعلومات، فان اعلان الحزب التقدمي الاشتراكي «مواربة» مشاركته في تظاهرة يوم السبت كان بمثابة «رسالة» واضحة الى «تيار المستقبل» تفيد بان جنبلاط مستعد الى الذهاب بعيدا في دفاعه عن مصالحه الاقتصادية في قطاع «النفايات»، فالنقمة على رئيس «اللقاء الديمقراطي» كبيرة في الاوساط «الزرقاء» فهو متهم اصلا «بافتعال الازمة»، مما أدى الى توريطهم مع الشارع البيروتي والشوفي والشمالي، ومع قيادات «المستقبل» في المناطق، فهو برأيهم عمد الى أقفال مطمر الناعمة بعدما «أعطى وعداً بعدم إقفال المطمر» الى رئيس الحكومة تمام سلام ووزير البيئة محمد المشنوق، وهو يدرك تماماً ما قد يترتب عن هذا الأمر، جاء قراره بعد ان رفض تيار المستقبل مشروعه لاقامة «محارق» للنفايات يديرها نجله تيمور، وذلك لحماية مصالحهم المالية في سوكلين، فقرر ان يرمي «كرة النار» في حضن «المستقبل» وبعد خروج الامور عن السيطرة، وبعد ان اصيب شخصيا «بشظايا»هذه الحملة، حاول جنبلاط إمتصاص ما حصل، فاقترح كسارات عين دارة لطمر النفايات واجرى اتصالاً بالرئيس سعد الحريري، ليؤكد فيه أن الأزمة ليست بينهما وأنه تحمل سابقاً الكثير، وعلى استعداد للتحمل في المستقبل أيضاً، لكن «الأمور وصلت الى حدها». فكانت دعوة من الحريري لجنبلاط بتصحيح الخطأ واعادة فتح مطمر الناعمة مجدداً لفترة معينة يجري خلالها اعداد الحلول الدائمة ويحول دون أن تغرق مجددا بيروت بالنفايات، لكن «البيك» شعر ان المسألة ستورطه مع بيئته «الغاضبة» اصلا عليه فتم رفض الطرح، بعدها جاء الرد عبر «هواء» تلفزيون المستقبل ولم يقتنع «البيك» ان ما قيل جاء من دون غطاء سياسي. فكان الرد على لسان وزير الصحة وائل أبو فاعور، بصيغة حادة وغير مسبوقة، بعدها وجه «البيك» رسالة الى الحريري عبر «اصدقاء» مفادها «اننا تحملنا نفايات العاصمة 17 سنة ولم نعد قادرين على التحمل في الصحة والبيئة والسياسة أيضاً لا في الناعمة ولا في عين دارة وما بينهما ولا في الجية ولا في غيرها من المناطق الجبلية، لم يعد بمقدوري ان ادفع من رصيدي السياسي لاجل احد، وعليك ان تتحمل المسؤولية وتجد الحلول المناسبة للازمة؟
وبحسب تلك الاوساط، فان «غسل» جنبلاط «ليديه» من هذا الملف ارخى بظلال كبيرة من الشكوك حول طبيعة تحركه في المرحلة اللاحقة، وثمة من في تيار المستقبل من حذر الحريري من «خبث» جنبلاط باعتبار ان التجربة معه تفيد انه لا ينام على «ضيم» خصوصا اذا كان في الامر مس بالعصب المالي والاقتصادي، ومنذ ان اعلن الحزب التقدمي الاشتراكي عن ترك الحرية لمناصريه بالمشاركة في التظاهرة امام القصر الحكومي، ادرك «المستقبل» ان «البيك» في طور نقلة نوعية في الصراع، ويحاول من خلال الضغط في الشارع تعويض خسائره على كافة الاصعدة، وكانت التقديرات الامنية تشير الى ان هذا التحرك سيتجاوز السلمية، لان ثمة من يريد ان يجعل منه تحركا صاخبا لاحراج التيار الازرق ممثلا بوزارة الداخلية وتوريطها بصدامات يمكن توظيفها لاحقا في السياسة. وهذا ما حصل، ولكن من وجهة نظر «الاشتراكي» فان القسوة غير المعهودة في التعامل مع المتظاهرين مقصودة وهي بمثابة «رسالة» مبيتة من قبل «التيار الازرق» لافهام جنبلاط ان «لعبة» الشارع لن تفيده في عملية الابتزاز وعليه ان يحسب خطواته جيدا. ومن هنا جاء اتهامه لوزير الداخلية بالكذب ودعوته الى الاستقالة، كما كان مفهوما جيدا ما قاله المشنوق ردا على «البيك» الذي اعاد تقويم الموقف وانسحب من الشارع بعد ان كبر «الحريق» واتسع وبات يهدد الدخول في صراع مفتوح على الارض مع «المستقبل» في اكثر من منطقة «مشتركة» بين مناصري الطرفين. فهل تتم لملمة الازمة ويحتكم طرفي الصراع الى «العقل»؟ ام ان «رائحة الاموال» «والنفايات» ستبقى فوق كل اعتبار وفوق اي «مصلحة وطنية»، ويحترق البلد ويذهب ضحية «حيتان المال» الذين صموا آذان اللبنانيين بشعار «حب الحياة» الذي اتضح انه مشروط بزيادة ثرواتهم، والا فاليذهب الجميع الى الجحيم….. ؟
(الديار)