الرياض بين محمد بن سلمان والجبير عامر نعيم الياس
كشفت صحيفة «فورين بوليسي» الأميركية عن زيارة رئيس الأمن الوطني في سورية اللواء علي مملوك إلى السعودية وعُمان في تموز الماضي، قبيل زيارة وزير الخارجية السوري الرسمية الأولى إلى العاصمة العُمانية. وقالت الصحيفة إن جهود اللواء مملوك تأتي استكمالاً لأشهر من المفاوضات حول سبل إيجاد حل سياسي للأزمة في سورية. وكانت الصحيفة الأميركية قد كشفت عن فصل في المبادرات بين مسقط ومدينة جدة السعودية، فالنقاشات التي أدارها اللواء مملوك وسّعت مروحة المبادرات والمسارات الخاصة بالعمل على إيجاد سبل لإنهاء الحرب في سورية.
كل ما سبق جرى بعد تطورٍ هو الأبرز تمثّل بزيارة وزير الدفاع ووليّ وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، إلى موسكو، وخروج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد أسبوعين على الزيارة بمقترح عن تشكيل تحالف إقليمي لمكافحة الإرهاب في المنطقة يضم السعودية وتركيا وإيران وسورية، مقترحٌ تبيّن في النهاية أنه سعودي وفقاً لتصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي أثار غضبه نظيره السعودي عادل الجبير، والذي وضع كلام لافروف وقبله بوتين على قارعة الطريق، مكذّباً بشكل مباشر كل ما أشيع روسياً عن مبادرات خاصة بسورية، ضارباً عرض الحائط التكهنات حول حدوث تغيير في الموقف السعودي من الأزمة السورية، فما هي حقيقة الموقف السعودي من سورية، من الأقرب إلى الواقع ما تكلم به وزير الخارجية عادل الجبير أم ما نقل عن وزير الدفاع محمد بن سلمان؟
في سياق رصد التطورات الخاصة بالملف السوري يمكن الإشارة إلى سلسلة من الثوابت الجديدة التي أضحت حاضرة في المشهد الإقليمي:
ـ صعود الدبلوماسية في الملف السوري لا يمكن أن يكون صعوداً مفاجئاً أو لحظياً، فسباق المبادرات والنقاشات والاجتماعات السرية والعلنية حول سورية وبمشاركة مسؤولين سوريين يندرج في سياق التأسيس لمسار تفاوضي حول سورية.
ـ المسار التفاوضي ووفق البيان الصادر عن مجلس الأمن أصبح مطلباً دولياً وأممياً رسمياً، وهو يراعي في الحالة السورية ثابتين: الأول، بقاء عمل مؤسسات الدولة وعدم المس بها. والثاني، عدم التطرق نهائياً إلى «مصير الرئيس السوري» باعتباره تفصيلاً متروكاً للبازار السياسي التفاوضي الخاص بشكل وتعريف «المرحلة الانتقالية».
ـ اختلف الجبير عن محمد بن سلمان، إنما في إطار الالتزام بالثوابت الرسمية الأميركية والخطاب الرسمي للبيت الأبيض حول سورية، وبالتالي هذا الاختلاف يندرج في سياق لعبة تبادل الأدوار بين أجنحة الحكم في السعودية، ومحاولة تأجيل التحوّل قدر الإمكان في الملف السوري، بالتوازي مع عملية احتواء روسيا والتي يبدو أن المسؤول عنها داخل المملكة هو محمد بن سلمان.
ـ القوى الإقليمية وحتى الدولية وإن بدأت في عملية التأسيس لمسار التفاوض والعملية السياسية حول سورية، إلا أن المسار لا يزال في بداياته وكافة القوى الفاعلة، خصوصاً الإقليمية من تركيا إلى السعودية لا تزال تراهن على الأرض لتحديد توقيت العملية التفاوضية حول سورية.
لا تزال القوى الإقليمية تراهن على الميدان، وتضارب المصالح في ما بينها لا يزال في أوجّه، والعملية التفاوضية رهن بنقطة تحوّل لم تأتِ بعد.
(البناء)