كيف أطلق شادي المولوي سراح العسكري المخطوف؟ لينا فخر الدين
انتهت معارك طرابلس منذ أقلّ من سنة، وتمكّن الجيش من تسجيل إنجاز أمني بالدخول إلى الشوارع الداخليّة لباب التبانة، حيث كانت تتمركز المجموعات الإرهابيّة، وأبرزها تلك التي كانت تابعة لشادي المولوي وأسامة منصور.
هرب شادي المولوي وما زال، وقتل أسامة منصور بعد أشهر من الفرار. ولكن التحقيقات مع عدد من الموقوفين في القضيّة، ما زالت تكشف الكثير ممّا دار داخل «مسجد حربا» و «مسجد عبد الله بن مسعود».
بالأمس، كانت المحكمة العسكريّة على موعد مع أحد المقرّبين من المولوي، التاجر هيثم ح. الذي عمل عنده المولوي لسنوات طويلة كموزّع محارم للمحال التجاريّة قبل أن يعتقله الأمن العام في العام 2012. وبعد أن خرج المولوي بقيت للتاجر في ذمّة المولوي حوالي الـ7800 دولار أميركي، ليتمنّع عن إرجاعها بحجّة أنّه غير قادر بعد أن تصرّفت زوجته بالمبلغ.
«صار شادي المولوي زعيماً.. فزعماء طرابلس نصبوه»، كما قال هيثم الذي بقي يتردّد إلى مقرّ إقامته لاسترجاع أمواله. مرّة يتذرّع بعدم امتلاكه المال ومرات يستقبله أحدهم لإبلاغه أنّ المولوي غير موجود، وذلك إلى أن وعده الأخير أنّه سيردّ له الدين «فور أن يعطيه الرئيس نجيب ميقاتي».
ولأنه تبين أن وعد مولوي غير صحيح وأن ميقاتي لم يعطه مالاً، ملّ هيثم وما عاد يتردّد على المولوي، حتى اتصل به بعد سنّة وشهرين (أي قبل وقوع أحداث طرابلس بحوالي الثلاثة أشهر)، ليبلغه أنّه سيجري مناقصة لـ1500 حصّة غذائيّة ليوزّعها على نازحين سوريين، مشيراً إلى أنّ المال ليس له ليرجع له الدين وإنّما هو «أمانة لديّ، ولكن باستطاعتك الاستفادة منه».
وقبل أن يخرج المولوي من المحلّ، قال لهيثم «إذا أعطيتني سعراً أفضل من أسعار التجار الآخرين، فإنّ المناقصة سترسو عليك»، وأعطاه هاتفاً خلوياً بداخله شريحة، طالباً منه تصليح الهاتف وإبقاءه بحوزته للاتصال به «لأنني أعلم أن كلّ من يتصل بي سيصبح مطلوباً، وأنا لا أريد خربان بيتك».
هكذا، عاد التواصل بين الرجلين إلى طبيعته، حتى أن المولوي اتصل به أكثر من مرة لسؤاله عن بعض الأمور التي تحدث في المنطقة، بالإضافة إلى سؤاله عن أحد الأمنيين الذي كان يجلس في محله، على اعتبار أنّ هذا الأمني «هو من داهم منزلي وشتم زوجتي». أنكر هيثم أن يكون قد راقب عدداً من الأشخاص لصالح المولوي أو أعطى تفاصيل عن الشخصيّة الأمنيّة كما أفاد سابقاً.
وبعد أسابيع قليلة كان فيها التاجر أجرى حساباته بشأن المناقصة، ذهب إلى المولوي ليعلمه أنّه يريد 42 ألف دولار أميركي مقابل الـ1500 حصة غذائية، فوافق المولوي ولكنّه طلب المزيد من الوقت لتأمين المبلغ.
وفي 25 تشرين الأوّل، قابل المولوي في أحد المقاهي، وسأله عن سبب إصابته برجله، فردّ بأنه وقع عن الدرج. وبخصوص المناقصة، أشار المولوي إلى أنّه سيعطيه المال يوم الإثنين، طالباً أن لا يخبر أحداً كي «لا يطمعوا بي».
وبعد أن خرج هيثم من المقهى، سمع الكثير من إطلاق النار ورأى ملالات الجيش، فارتأى ألا يخرج من التبانة خوفاً على حياته، بل بقي في سيارته التي ركنها في أحد المواقف حتى الساعة السادسة صباحاً، حينما توجّه إلى «مسجد حربا» ليجد مخرجاً من التبانة. وهناك، قال له المولوي أنّه لا يستطيع الخروج في الوقت الحالي، طالباً منه المكوث في القاعة وارتداء بنطال رمادي كالذي يرتديه الشبان التابعون له.
وفي قاعة المسجد، لاحظ هيثم أن الشبان الموجودين في المسجد مختلفون مع بعضهم البعض، خصوصاً بعد أن تمّ إدخال المولوي محملاً وهو ينزف من رجله. ثمّ تلقى الشيخ كمال البستاني اتصالاً من رئيس فرع استخبارات الجيش في الشمال العميد عامر الحسن الذي أكّد له أن «المعركة لن تتوقّف قبل تسليمنا العسكري المحتجز لديكم».
وبعد التشاور في ما بينهم، قبل المولوي بذلك غير أنّ أسامة منصور لم يكن يردّ على هاتفه، فطلب من عدد من الشبان الذهاب للإتيان بالعسكري، ولكنّهم رفضوا ذلك، فيما تتطوّع هيثم، بحسب إفادته، للذهاب بنفسه «كي أؤمن خروجاً آمناً لنفسي من التبانة على اعتبار أنني لست من المنطقة».
وهنا تتناقض إفادة هيثم عمّا إذا كان المولوي قد أعطاه بندقيته وجعبته أم أنه ذهب أعزل، كما قال أمس خلال استجوابه من قبل رئيس «العسكريّة» العميد الركن خليل ابراهيم وبحضور وكيلته المحامية عليا شلحة. ويروي هيثم أنّه ذهب برفقة أحد الشبان التابعين للمولوي ويدعى فارس ومعهم سائق سيارة الإسعاف إلى أسامة منصور، وقال له: «بسلّم عليك شادي وبعتني لعندك، خليني جيب الغرض من هونيك».
وبعد موافقة منصور، انتقل هيثم إلى «بناية شيباني»، حيث رأى شبانا تابعين لابراهيم بركات (أحد مسؤولي داعش في الشمال)، طالباً منهم إحضار «الغرض». وبعد دقائق كان الجندي طانيوس نعمة يقف أمام هيثم مكبّل اليدين، فيما رفض خاطفوه فكّ أصفاده، متوجهين إلى هيثم بالقول: «أضعنا المفتاح فدبّر نفسك».
وعلى الفور، طلب هيثم من نعمة أن يركض بسرعة إلى الإسعاف، فكان له ما أراد قبيل تسليمه إلى مخابرات الجيش.
وعند هذا الحدّ أرجأ العميد ابراهيم الجلسة إلى 16 تشرين الأوّل المقبل، للاستماع إلى إفادة العسكري نعمة.
«لم أعد أريد الحشيشة»
وفي «العسكريّة» أيضاً، لم يكن محمّد المقداد بحاجة إلى أن يعرّف عن نفسه. فلقد عرفته هيئة المحكمة والمحامون سريعاً. هو صاحب أغنية شهيرة تقول: «سنحارب الطغاة بصاروخ حشيشة، قرارنا أمل والمجلس الشيعي.. لبيك يا حشيشة». فيديو محمّد المقداد وهو يغني في سجن زحلة، الذي انتشر على يوتيوب «أشهر من نار على علم»، حتى أنّه حصد أكثر من 52 ألف مشاهد!
وقف المقداد أمام هيئة المحكمة يردّد مطلع أغنيته ويضحك، ليعود ويضيف: «جسمي بات نظيفاً ولم أعد أردّد لبيك يا حشيشة.. التوبة».
وحينما سئل المقداد، المتّهم بإدخال حبوب «ترامال» وكمية من الحشيشة إلى سجن زحلة، عن كيفيّة معرفته بأخطر المطلوبين الذي يمتلك حوالي 184 مذكرة توقيف العباس جعفر الملقب بـ«عباس كاتيا»، أجاب بهدوء تام: «من الحريّة» (أي عندما كان خارج السجن).
وأكّد المقداد أن كمية الحشيشة التي أدخلها هي للاستخدام الشخصي، نافياً أي علاقة لزوجته الصادرة بحقها مذكرة توقيف غيابيّة.
في حين أكّد المتهم في القضية نفسها موسى جمال الدين أنّه لم يكن على علم بأنّ كوب العصير الذي أدخله إلى المقداد في السجن يحتوي على الحشيش.
وقد أصدرت هيئة المحكمة حكمها على المقداد وجعفر بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات وتجريدهما من حقوقهما المدنيّة وتغريمهما مليونين و500 ألف ليرة، وعلى لبنى المقداد (زوجة محمّد) بالأشغال الشاقة لمدة 10 سنوات وتجريدها من حقوقها المدنيّة وتنفيذ مذكرة إلقاء القبض الصادرة بحقها، وعلى جمال الدين بالحبس ثلاثة أشهر وتغريمه 300 ألف ليرة لبنانيّة.
محمد جوني لا يريد المحاكمة!
نادى رئيس المحكمة العسكريّة العميد الركن خليل ابراهيم أكثر من مرة محمد جوني، المدعى عليه بحيازة متفجرات لاستعمالها في الأعمال الإرهابيّة وسرقة مصارف وقتل النقيب ريان الجردي قصداً، إلى أن أتاه الجواب: «تعذّر سوقه».
حضر المدعى عليهم في القضيتين، والذين يبلغ عددهم 13 شخصاً، ما عدا رئيس الشبكة، ليكون لزاماً إرجاء الجلسة إلى موعد لاحق، بالرغم من انتهاء الاستجواب وتحضير المحامين أنفسهم للمرافعة تمهيداً لإصدار الحكم.
وهي ليست المرة الأولى التي تتأجل فيها الجلسة بسبب مرتبط بالجوني، فمرة يغيب وكيله، ومرةً يكون الجوني قد عزل محاميه ويريد توكيل آخر، ومرة يفضّل الجوني أن لا يأتي إلى المحكمة ويمنع القوى الأمنية من سوقه.
وهذا ما يدلّ بوضوح على أنّ الجوني لا يريد أن يُحاكم، وهذا بالضبط ما قاله له يوماً ابراهيم أمام المدعى عليهم الآخرين وكرره أمس عندما حصل هرج ومرج داخل قاعة المحكمة بسبب اعتراض الموقوفين من تأخير حكمهم.
ولكنّ هذه المرّة كانت غير كلّ تلك المرات، بعدما تدخّل ممثل النيابة العامة في «العسكريّة» القاضي كمال نصّار ليعلن أنّ النيابة العامة بصدد فتح تحقيق عن سبب عدم سوق جوني من سجن تبنين، مطالباً بسوقه بالقوّة.
وقد أرجأ ابراهيم الجلسة إلى 12 تشرين الأوّل وأمر بجلب جوني مهما كانت الظروف وبدون أي عذر، وسوقه مكبلاً إلى المحكمة.
وليس جوني وحيداً ممن تغيّبوا ولم يتأمن سوقهم لحضور جلساتهم في «العسكرية»، فالأمر تكرّر مع موقوفين آخرين ليتمّ إرجاء العديد من الجلسات، أمس، والتي كان أبرزها تلك المتعلقة بقيام 29 موقوفاً في سجن رومية بخطف عناصر قوى الأمن الداخلي وحجز حريتهم وتحقيرهم. فحضر المدعى عليهم المنتمون بغالبيتهم إلى ما يعرف بـ «الموقوفين الإسلاميين»، فيما لم يسق الموقوف أحمد سعيدون، ليرجئ العميد ابراهيم الجلسة إلى 9 تشرين الأوّل المقبل.
(السفير)