لا تيأسوا يا شباب
غالب قنديل
من محفزات الأمل المحاصر ما لمسناه من الجرأة والجسارة التي تسلح بها حفنة من شبابنا في تحدي عفن السلطة السياسية القائمة وعقمها وعجزها عن التعامل مع أبسط المشكلات والقضايا التي تطال حياة الناس وهي التي يتحرك أطرافها بحساب أرباحهم في صفقات تطبق على خناق الشأن العام بقضاياه الكبيرة والصغيرة وحيث تعقد جهارا الشراكات بين المجموعات الرأسمالية الأجنبية والمحلية وتنسج الائتلافات السياسية لتقاسم الملايين الموعودة من خزينة الدولة ومن الحساب البلدي المستقل المرصود نظريا للتنمية في منهبة محورها النفايات اللبنانية او الأصح نفايات اللبنانيين القاعدين فاغرين أفواههم مغلقين أنوفهم وغالبا مغمضين عيونهم مرددين أغنية الراحل فلمون وهبي :” حادت عن ضهري بسيطة” والقصد هنا بكلمة “حادت ” هوعدد السنتميترات الفاصلة مكان قعود اللبناني المعني عن مزابل نفاياته وسواه من الأهل والجيران وأبناء الطائفة والمحلة الحاضرين في تشكل عصبيات الاجتماع اللبناني التناحري.
لا تهمنا هوية الشباب محركي حملة “طلعت ريحتكم” ولن نسأل عن تفاصيل انتماءاتهم السياسية الحالية او السابقة ولا عن طوائفهم ومناطقهم ونعرف عبر وسائل الإعلام بعض الأسماء التي نالها القمع والضرب والترهيب لدفاعها عن حق الحياة الكريمة لشعبها وهي لذلك تستحق الاحترام والتكريم بدلا من عواجيز الجوائز والأوسمة الذين تضج القاعات المخملية بمديحهم على إنجازات خلبية واهية أو مصطنعة.
الحملة المكرسة لفضح خراب السلطة السياسية ومقاومتها تحركها حفنة من الشباب البعيدين عن الاحتراف السياسي وعن أي ادعاء فكري او ثقافي او معرفي وقد استعانوا بخبراء بيئيين لاستيلاد نظرة جديدة إلى ملف النفايات العالق منذ اتفاق الطائف في قبضة الطغمة اللصوصية اللبنانية الحاكمة التي يستميت اللبنانيون لانتخاب رموزها وتجديد سلطتها كل أربع سنوات ويصادقون بصمتهم على تمديد ولاية مجلسها النيابي وإلغاء الانتخابات بتأجيلها لسنوات لحماية الحلف الحريري الحاكم من صناديق الاقتراع والبصمة الحريرية حاضرة في قضية النفايات فهي القوة المهيمنة التي حملت وصفات الخصخصة إلى لبنان بتوصيات رسمية وباللغة الإنكليزية عليها ختم صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ووكالات التنمية الأميركية والأوروبية فكان كل هذا الخراب الذي ضخ مالا وثروات طائلة في جيوب من تقاسموا السلطة ومغانمها لما عاملوا اللبنانيين على أنهم أغنامها الخانعة المسوقة بالعصا الطائفية الفاجرة فتاجروا بزبالتهم دون تمييز.
ما سمعناه في التحركات يقول لنا إن هؤلاء الشباب مناهضون للطائفية ومقاومون لنظام التوحش الرأسمالي يتحدون التدجين الوطني الشامل الذي فرضته الطغمة الحاكمة ويكسرون حاجز اليأس السياسي والنقابي الذي خيم على اللبنانيين وبغض النظر عن آرائهم الخاصة ومواقفهم من أي قضية اخرى فهم يعبرون عن صحوة وجدان عام في شعب تم تدجينه لإخضاعه وتمزيقه لإضعافه وتشتيت قوته.
المطلوب ألا يتركوا وحيدين في الساحات والشوارع وواجب الكهول والشيوخ من المنادين بالتغيير أن يناصروا هذه الحركة الفتية التي تبعث الأمل بولادة جديدة رغم الجدار المسدود المهم ألا ينجح الحاكمون في تيئيس هؤلاء الشباب ودفعهم إلى اللحاق بمواكب المهاجرين وان يحتفظوا بجذوة الثورة والرفض وبأمل الإنجاز الممكن .