أرأيتم لماذا وقفنا مع إيران ؟
غالب قنديل
تثبت الأحداث بعد ستة وثلاثين عاما بعد نظر القوى السياسية الوطنية والشخصيات التحررية العربية التي ناصرت الثورة الإيرانية من اللحظة الأولى وقد كنا يومها في لبنان قلة ضئيلة تحدت طغيان احزاب ومنظمات ومخابرات وسفارات كرست جهودها السياسية التشهيرية وشبكاتها الإجرامية لإخماد الأصوات المناصرة لتلك الثورة الشعبية التي زلزلت ركائز منظومة الهيمنة الاستعمارية في المنطقة برمتها.
اولا يومها نالنا نصيب كبير من محاولات الاغتيال والتفجير التي استهدفت مقرات وأماكن سكن وأشخاصا ورموزا تعرضوا لمحاولات الاغتيال على يد مخابرات صدام حسين والمتعاونين معها وقد تعرض للمطاردة والتنكيل جميع موزعات وموزعي جريدة صوت الشغيلة الذين كانوا يجوبون الأحياء سيرا على الأقدام ليبيعوا جريدة يومية لبنانية تحمل أخبار الثورة الإيرانية وبيانات ومقالات القوى العراقية المعارضة من شيوعيين وإسلاميين وأكراد على السواء وتعرض مقر إذاعة صوت الثورة العربية التي انفردت ببث نداءات وخطب الإمام الخميني واناشيد الثورة لمحاولة تفجير فاشلة واكتشفنا بعد التحقيق الذي قاده الرفيق الراحل المناضل العربي محمد الهباهبة خطة لاغتيال رئيس حركة امل الأستاذ نبيه بري كما ورد في محاضر اعترافات المجرم الذي أنزل المفجر اللبناني في محيط الإذاعة وظل يراقب المكان ليقدم تقريره إلى مشغليه عن تدمير الإذاعة وقتل من فيها وكان تدخل ثقيل من قيادة منظمة التحرير لاسترجاع هذا المجرم الذي وثقنا اعترافاته وحملتها شخصيا إلى المناضل الكبير الرفيق الراحل الدكتور جورج حبش الذي تضامن معنا وأعلن وقوفه إلى جانبنا ووجه إنذارا صارما لجماعات المخابرات العراقية التي قررت استهدافنا بعد فشل جميع محاولات الشراء السخية التي نظمتها اتجاهنا رسميا وبألف وسيلة وعرض موفدوها دفاتر شيكات بيضاء جاهزة للصرف لاحتوائنا ولإسكاتنا مزقها يومها المناضل زاهر الخطيب وداسها بقدميه فلم ننثن عن تأييد ومساندة ثورة شعبية كبرى ناهضت الصهيونية من يومها الأول وناصرت فلسطين قضيتنا المركزية.
ثانيا استغرقتنا نقاشات مطولة ومضنية آنذاك مع العديد من الوطنيين واليساريين لتبيان حيثيات التضامن مع ثورة شعبية إسلامية ولفضح التحريض الشوفيني الرجعي الذي أطلقه قادة المملكة السعودية وسائر القوى الرجعية العربية التابعة للغرب بالتعاون مع الحكم العراقي ضد الثورة التي قادها الإمام الخميني وكان ذلك تمهيدا لحرب إجرامية مدمرة دامت ثماني سنوات بتمويل خليجي وبدعم أميركي أطلسي شامل وألحقت اخطر الأضرار بالشعبين الإيراني والعراقي معا وكان كافيا لدينا كدليل على طابعها الرجعي ان حكومة بغداد ألغت اتفاقها مع نظام الشاه العميل الذي وقع في الجزائر قبل الثورة لتشن عدوانها على إيران الثورة بتحريض أميركي غربي خليجي.
كان المبدأ الذي أقمنا عليه الموقف بالتضامن مع إيران الثورة يوم عز النصير هو الجوهر التحرري الاستقلالي المناهض للاستعمار الذي جسدته كثورة شعبية نقية ضد نظام ديكتاتوري عميل للغرب الاستعماري وحليف للكيان الصهيوني وقد وجدنا في هذه الثورة ضربة حاسمة لمنظومة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية وزادنا يقينا بصواب خيارنا إعلان الثورة فور انتصارها بلسان قائدها الإمام الخميني عن هويتها المناهضة للصهيونية ولمنظومة الهيمنة الاستعمارية في المنطقة وهو ما جعل منها حليفا استراتيجيا لأي قوة ثورية تحررية في البلاد العربية وقد استندنا إلى المنطق العلمي باعتبار الموقف من اي حركة كبرى في تاريخ الشعوب يتقرر بجوهر ما تجسده في خياراتها الوطنية والاجتماعية وهو ما كان يجعل الثورة الإيرانية حركة تقدمية تعبر عن تطلعات شعب عظيم يتوق إلى التحرر والاستقلال والسيطرة الحرة على موارده وثرواته المنهوبة.
ثالثا لم تكن تربطنا يومها علاقات مباشرة بالقيادة السورية بل كنا على اختلاف وتمايز في بعض العناوين رغم تلاقينا الاستراتيجي في مبدأ الصراع ضد الكيان الصهيوني وقد تلاقينا أصالة مع بصيرة القائد الراحل حافظ الأسد الذي التمس الجوهري في الحدث الإيراني وهو العداء للاستعمار والصهيونية وبالتالي انطلق في مساندة طهران الثورة من وحدة الاتجاه التحرري والالتزام بالقضية المركزية فلسطين وكان هذا الموقف في خلفية مخطط الاستهداف السعودي الأردني لسورية عبر جماعات الإرهاب الأخوانية للرد على رفض القائد الأسد لاتفاقية كمب ديفيد ومناصرته للجمهورية الإسلامية الفتية.
اليوم وبينما تنجز إيران انتصارات سياسية واستراتيجية كبرى وتنتزع الاعتراف بحقوقها من براثن الاستعمار وعملائه وبينما تحتشد قاعات الاحتفال بالحضور وبينهم من تلونوا وبدلوا من غير عناء انتقاد ذاتي علني قد يفيد إنعاش الذاكرة بصفحات لا يعرفها كثيرون حول أصالة الاختيار التي جسدتها الدولة الوطنية السورية بقيادة الزعيم الراحل حافظ الأسد وحفنة من القوى والشخصيات الوطنية اللبنانية التي تعرفت على جوهر الثورة الإيرانية وانحازت إليها مبكرا عندما كان التقرب منها غرما عالي الكلفة حتى خطر القتل والاستهداف .
الجوهري بالنسبة إلينا اليوم كوطنيين وثوريين عرب هو اننا نتطلع إلى مساهمات إيرانية جليلة في دعم قلعة المقاومة والتحرر العربية سورية وقائدها المقاوم الرئيس بشار الأسد وإلى دور إيراني حيوي في التنمية وإعادة البناء على مستوى المنطقة وخصوصا في سورية ولبنان واليمن والعراق فتجربة الصمود والاكتفاء الذاتي التي خاضتها إيران هي مدرسة نتطلع إلى التعلم منها عبر توسيع نطاق الشراكة بين دول محور المقاومة وفي إعادة بناء سورية واليمن بعد الزلزال العدواني الذي استهدفهما ،فقد زادتنا التجربة يقينا بأن قوة إيران الحرة هي قوة لكل اتجاه عربي تحرري مناهض للاستعمار والصهيونية ذلك ما آمنا به طيلة هذه الأعوام من الشراكة المصيرية مع الجمهورية الإسلامية والبرهان في ما حصدته مقاومتنا العظيمة من انتصارات بفضل الاحتضان السوري الإيراني.