العراق يدخل نفقاً مظلماً: «الحشد» في مواجهة التقسيم إيلي شلهوب
نحو 20 يوماً من الاحتجاجات، ورزمتا إصلاحات أعلنهما رئيس الحكومة حيدر العبادي، وتقرير عن سقوط الموصل طاول أسماءً كبيرة يتقدمها نائب رئيس الجمهورية السابق نوري المالكي، والوضع في العراق لا يزال متأزماً، بل يمضي من سيئ إلى أسوأ، في ظل اشتباك متعدد الأوجه، تختلط فيه الأبعاد الإقليمية بالداخلية، يتهدد البلاد بالتقسيم
كثيرة هي المخاوف التي تنتاب القوى العراقية، خاصة التقليدية منها، يتركز معظمها على الحفاظ على مكتسبات تنعمت بها على مدى أكثر من عقد من عملية سياسية أثرت الحكام وأفقرت البلاد، في مواجهة شارع غاضب لم تنجح اصلاحات رئيس الوزراء حيدر العبادي في وضع حد للاحتجاجات المندلعة فيه، وذلك في ظل بروز قوى جديدة، اكتسبت شرعيتها من ساحات القتال، باتت مقتنعة بأن المعركة المقبلة التي ستضطر إلى خوضها في ميادين القتال والسياسة، هي وقف مخطط تقسيم العراق.
مصادر معنية في «التحالف الوطني» تؤكد أن «الوضع مرتبك. لا أحد يعرف من يخطط لماذا وما سيحصل في قادم الأيام». وأضافت أن «العبادي يحصد التأييد حالياً بسبب الإصلاحات التي يجريها، وهو عازم على المضي قدماً فيها بدعم من المرجعية. لكنه في نهاية المطاف سيصطدم بالحقيقة: الواقع لن يتغير، لن يستطيع حل أزمة الكهرباء التي شكلت شرارة الاحتجاجات، ولا أي من الأزمات الخدماتية التي يعاني منها المواطن العراقي». وتابعت: «عندها هل يبقى الشارع على حاله في تأييد العبادي؟ ماذا ستفعل الكتل المتضررة من إصلاحاته التي يعتقد البعض أنها تستهدف جهات سياسية دون غيرها، علماً بأنها تمتلك مفاتيح البرلمان التي لا يمكن هذه الإصلاحات أن تأخذ طريقها إلى التنفيذ دون مصادقته؟ ماذا سيكون عليه موقف الجهات المناوئة له سياسياً؟ هل يتحول عبئاً على المرجعية التي تجد نفسها مضطرة إلى رفع الغطاء عنه؟ كلها أسئلة مطروحة على بساط البحث».
لعل السؤال الأكثر تداولاً خلال الأيام القليلة الماضية كان دور رئيس حزب الدعوة نوري المالكي في ما يجري، في ظل الخلافات المعلنة داخل الحزب الذي يتولى العبادي رئاسة مكتبه السياسي. وأيضاً في ضوء إدراج اسم المالكي كأحد المتهمين في تقرير اللجنة البرلمانية حول سقوط الموصل.
أوساط المالكي تقول إنه «في اجتماع كتلة دولة القانون الأسبوع الماضي، كان موقف المالكي واضحاً ومعلناً. قالها مباشرة للعبادي، رغم الخلافات الكثير والكبيرة بينهما: سر ونحن سنسير خلفك. أي سقوط لحكومتك هو سقوط للعملية السياسية برمتها، لذلك نحن مضطرون إلى أن ندعمك ونساندك. لا يوجد أمامنا خيار آخر». وتشير «في هذا الاجتماع، حصل إشكال بين قاسم الأعرجي (ممثل الأمين العام لمنظمة بدر هادي العامري) والعبادي حول أمور عسكرية متعلقة بالحشد، تدخل المالكي وحلها». ومع ذلك تؤكد هذه الأوساط أن المالكي «مع التركيز على الهدف الأساس هو مع تقليص عدد الوزارات على سبيل المثال. ولكنه كان مع تغيير حكومي كامل. استقالة وتعيين حكومة بديلة». وتختم بالتأكيد أن «العملية السياسية في العراق خطأ من أساسها. حكم بالتوافق والمحاصصة لا يمكن أن ينتج أكثر مما فعل. ما يجري نتيجة طبيعية لبناء فاسد». وأضافت: «لا حل إلا باعتماد نظرية المالكي في حكم الأغلبية. لن يسوى الوضع إلا على هذا الأساس».
لكن بعد تقرير الموصل وزيارة العبادي لطهران، من غير الواضح ما ستكون عليه العلاقة بين الطرفين وتأثيرها على حزب «الدعوة» الذي تتزايد التقديرات في شأن إمكانية انشقاقه رسمياً الى جناحين، الأول بقيادة المالكي والثاني بقيادة العبادي. خاصة أن قرار العبادي القاضي بإلغاء منصب نائب رئيس الجمهورية قد أخرج المالكي من دائرة العمل الرسمي، وأفقده الكثير من المميزات التي كان يمنحها له الموقع.
العبادي والأشواك
أوساط حيدر العبادي ترى أنه «المستهدف من كل ما يجري. يتعرض لضغوط من كل الأطراف، من إيران وأميركا والسعودية وتركيا وفي الوقت نفسه يصطدم بإرادة الكتل السياسية. هناك المرجعية التي لها مطالب، والشارع الذي يشتعل. ماذا يفعل؟ ماذا يمكنه أن يفعل أكثر من ذلك؟ كل طرف يريد تسوية أموره ويمضي. العبادي يسير على الأشواك». وتضيف أن «الضغط الأميركي أكبر مما يمكنه أن يتحمله. اضطر ذات مرة إلى أن يبلغ الإيرانيين مباشرة: ماذا يمكن أن تفعلوا لي. تسلمت حكومة تسيطر بالكاد على نصف العراق وخزائنها فارغة والفساد مستشرٍ فيها وتفتقد لأبسط الخدمات وفي وقت سعر النفط فيه في حال انهيار».
تتابع الأوساط نفسها أن «الأطراف كلها منزعجة من اصلاحات العبادي. السنّة يرون أنهم خسروا كل مواقعهم في السلطة التنفيذية (يتقدمهم نائب رئيس الجمهورية أسامة النجيفي ونائب رئيس الحكومة صالح المطلك). والأكراد فقدوا اثنين من مواقعهم في بغداد (نائب رئيس الوزراء روس نوري شاويس ونائب الأمين العام لمجلس الوزراء فرهاد نعمة الله حسين)، والمخاوف تحوم حول وزير المال هوشيار زيباري «الذي يبدو أن رئيس اقليم كردستان مسعود البرزاني حذر العبادي من المساس به».
«الحشد»: ابحث عن سوريا
مصادر قيادية في «الحشد الشعبي» تؤكد أن ما يجري في العراق هذه الأيام نتيجة «لضغوط من أطراف خارجية. البريطانيون يضغطون بقوة. دورهم ظاهر للعيان. كذلك الأميركيون يريدون تأجيج الوضع». وأضافت: «لقد دفعوا أثماناً كبيرة لإسقاط صدام، لم يستردوا أياً منها، هذا الأساس. أما التوقيت فمرتبط بالحدث السوري، حيث وضع هذا الحلف (الغربي) في الشمال جيد بفضل الأتراك، ووضعه في الجنوب لا بأس به بفضل الأردن. أما الوسط السوري، وخاصة منطقة دمشق، فلا تزال متماسكة بفضل العراق الذي لا يزال يغلق حدوده. يريدون تغيير هذا الوضع». وتابعت أن «الأميركيين يريدون العراق عمقاً استراتيجياً للمعارضة السورية. من وجهة نظرهم، الموقف العراقي هو الذي يعرقل الحل السوري حتى الآن».
المصادر نفسها تؤكد أن «الحشد يمثل اتجاهاً معيناً في السياسة. يمثل سياسة ووجهة نظر معارضة للهيمنة الأميركية والسعودية والتركية. نتحدث عن الحشد الفاعل لا حشد المرجعية الذي يخوض صراعاً كبيراً معه. قوى أثبتت جدارة في الميدان ونقاءً ونظافة وبات لها شعبية قوية تشكل قوة انتخابية كبيرة يمكن أن تقلب الموازين في الانتخابات المقبلة، وبالتالي تنال الحصة الأكبر في أي حكومة».
وتكشف هذه المصادر أن «معارك بيجي والرمادي كانت قاب قوسين أو أدنى من إنهائها. حصلت ضغوط من الأميركيين والحكومة. ضيّقوا على الحشد من خلال عرقلة الإمدادات والدعم الجوي الذي لا يمكن التقدم من دونه في أرض مفتوحة. حصلت خلافات واتفقوا على تأجيل الحسم لمدة شهر لأسباب لوجستية. تفاجأ الحشد بحصول الانقلاب في الشارع العراقي في هذا الشهر. أبو مهدي (المهندس نائب قائد الحشد) وهادي العامري (قائد منظمة بدر) والعصائب (أهل الحق) والكتائب (حزب الله) يعتقدون أنهم المستهدفون مما يجري في الشارع. وكأن هناك من يريد حرف الأنظار وإشغال الرأي العام العراقي وتحويل الجهود عن عملية التحرير. هل يمكن بلداً يخوض معركة تحرير أن يجري فيه تحريض على التظاهرات».
وتابعت المصادر: «جرى اتفاق الأسبوع الماضي بين فصائل الحشد بالامساك بالشارع. اتفقوا ونزلوا بأعداد ضخمة في التظاهرات. الوجود الطاغي في الشارع الآن هو للحشد الذي يصارع من أجل الإصلاحات، ولكن إصلاحات حقيقية وليس بالطريقة التي تتم فيها الأمور»، مشيرة إلى أن «رائحة مؤامرة لتقسيم العراق تفوح من كل ما يجري ونحن عازمون على الوقوف في وجهها».
وساطة العامري
تتحرك جهود لتقريب وجهات النظر ما بين الأحزاب المشكلة للتحالف الوطني وتأجيل الخلافات والعمل على توحيد المواقف. آخر هذه الجهود وساطة من قائد منظمة بدر هادي العامري للتقريب بين حزب الدعوة والمجلس الأعلى.
مصادر وثيقة الاطلاع تؤكد أن «وساطة العامري بلغت مراحل متقدمة. كتبت أوراق ووقعت تعهدات تنص على سبيل المثال على وقف الهجمات الإعلامية المتبادلة وتشكيل لجنة لمعالجة الخروقات وتسوية الخلافات في لحظتها».
(الأخبار)