دبلوماسيّة «حماس»: عن أيّ انقسام يتحدّث البعض؟ عامر نعيم الياس
غزّة تتّجه نحو اتفاق شامل مع «إسرائيل» يشمل رفع الحصار وفتح المعابر والتهدئة. كلامٌ لياسين اقطاي مستشار الرئيس التركي. وبحسب تعبيره، فإن «حصار غزّة أصبح قضية تركية»، ورفع الحصار عن القطاع أحد شروط إعادة تطبيع العلاقات مع «تل أبيب». مؤكداً تعهّد بلاده ببناء مطار غزّة ومينائها عند بدء تطبيق التهدئة، ومقابل كل ذلك توافق «حماس» على وقف إطلاق نار قد يصل إلى عشر سنوات. الرئاسة الفلسطينية أكدت حدوث اجتماعات بين مسؤولين صهاينة وإخوان من «حماس» في دولةٍ أفريقية لم تذكر اسمها. فيما مكتب رئيس وزراء العدوّ بنيامين نتنياهو، وكما جرت العادة مع حركة فتح خلال المفاوضات السرية معها والتي بدأت مع الاجتياح «الإسرائيلي» لبيروت، ينفي وجود أيّ لقاء مع حركة حماس التي تعتبرها «تل أبيب» «منظمةً إرهابية».
في حزيران الماضي، التقى خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس مبعوث عملية السلام المنتهية ولايته طوني بلير. وفي تموز الماضي التقى ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز بالتزامن مع قرار الحرب على اليمن ومحاولة تشكيل جبهة رفض في المنطقة «سنّية» لما يسمى في أدبيات المحور الأميركي في المنطقة «العدوّ الإيراني». طبعاً واشنطن وإن وقّعت الاتفاق مع إيران، إلّا أن نزع الشيطنة نهائياً عن طهران وإعادة تصويب مسارات العداء في المنطقة حالياً ليسا من مصلحتها. وفي الثالث من آب الجاري، التقى مشعل أيضاً وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وبعدها وفي الثاني عشر من آب التقى الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان وسط تسريبات إعلامية عن تقارب فعليّ بين الحركة الإخوانية الفلسطينية والكيان الصهيوني. وقد انقسم المراقبون حول دبلوماسية «حماس» وموقف الحركة منها وسط أنباء تشير إلى احتمال زيارة محمود الزهّار ـ القياديّ البارز في الحركة ـ إلى طهران، وهو ما دفع البعض إلى القول بوجود انقسام داخل الحركة من الحراك الدبلوماسي الأخير لمشعل، فهل يوجد هذا الأمر فعلاً؟ هل هناك انقسام بين الجناحين العسكري والسياسي في الحركة، وفي داخل الجناح السياسي؟ هل اللقاءات التي أجراها مشعل لا يجمعها مشترك؟
إن الحديث عن عدم وجود مشترك بين الزيارات السابقة في ضوء التسريبات الإعلامية وفي ضوء النشاط الدبلوماسي اللافت لرئيس المكتب السياسي للحركة وفي توقيت حساس كالذي تمر به المنطقة، لا يحمل أيّ معنى سوى الرهان مجدداً على قدرة الحركة على تجاوز ما تمر به، وإبقاء خيار الإسلام السياسي العربي على طاولة أوراق القوة التي يجدر الإمساك بها تحت أيّ ظرف من الظروف، فالحركة التي يحاول البعض القول إنها منقسمة على نفسها من غير الممكن أن تأخذ مساراً كالمسار الذي تسلكه الآن لولا موافقة كافة أقطابها، فما الجديد في الحديث عن هدنة تمتد لعشر سنوات مع الكيان الصهيوني مقابل رفع الحصار عن غزّة؟ ألم تطرح الحركة هذا الخيار إبان ارتمائها في أحضان محور المقاومة في المنطقة؟ أليس مخطط «حماس»القديم ـ الجديد هو الحصول على الاعتراف الدولي والدخول في اللعبة الدولية حول فلسطين المحتلة باعتبارها طرفاً مستقلاً لا علاقة له بأيّ فصيل فلسطيني آخر، أو على الأقل احتكار القرار الفلسطيني كما فعلت حركة فتح منذ تسعينات القرن الماضي؟ هذا ما يفسّر في بعض منه تمرير الرئاسة الفلسطينية رسائل حول وجود مؤامرة بين «حماس» والصهاينة لخلع الرئيس محمود عباس من رئاسة السلطة.
يرى البعض أنه مقابل حصول الحركة على الاعتراف الدولي الكامل لا بدّ لها من الاعتراف بالكيان الصهيوني ونبذ الإرهاب والالتزام بالاتفاقات السابقة الموقّعة مع الكيان الصهيوني، لكنهم يتناسون بشكل مقصود أن ما يجري اليوم يهدف، ليس إلى الحصول على الاعتراف الكامل، بقدر استكمال مقومات وأسس تخندق الحركة في المحور المضاد لمحور المقاومة في المنطقة، وتحضير الأرضية القانونية والإعلامية للاعتراف بالحركة الإخوانية على المدى الطويل، فضلاً عن نزع ملف القضية الفلسطينية من أيدي الدول العربية الإقليمية وإلحاقها بأنقرة التي يحكمها الإخوان اليوم. أما الثمن الذي تدفعه وستدفعه الحركة من دون المرور بعقدة الاعتراف المباشر بالكيان الصهيوني، فيتمثل بالدخول في قلب تحالفات الربيع الأميركي في المنطقة وتوفير الغطاء للسياسات السعودية التركية والمخططات الخاصة بإعادة تقسيم المنطقة عموماً وسورية الطبيعية على وجه الخصوص، في ضوء ضعفٍ ملحوظ لنشاط السلطة الفلسطينية الدبلوماسي التي استنفدت قدرتها على التنازل المجاني. وجاء دور «حماس» التي تملك في جعبتها الكثير من الأوراق لتتنازل عنها.
(البناء)