كناقش الشوكة بالشوكة ! ثريا عاصي
يحضرني في سياق مقاربة تظاهر حكومات الغرب الأميركي ـ الأوروبي، وأعوانها الإقليميين، وتحديداً آل سعود والعثمانيين الجدد، بكراهية «الإرهاب»، قول للإمام علي بن أبي طالب «كناقشِ الشّوكةِ بالشّوكةِ وهو يعلمُ أنّ ضلعَها معها». ( مثلٌ يُضرب في رجل يستعين على خصمه بمن هو من قرابته أو أهل مشربه). أعتقد أنّ هذا المثل يعبِّر أفضل تعبير عن حكايتنا مع الاستعمار ومع الإرهاب. الجزائريون اتُّهِموا بالإرهاب أثناء حرب التحرير. الفلسطينيون أيضاً؛ عندما يقاومون، هم إرهابيون في نظر المستعمرين الإسرائيليين!
بالرجوع إلى موضوع سوريا؛ إنّ سوريا تقاوم، إذن هي إرهابية بحسب زعم الإمبريالية الإميركية ـ الأوروبية! أمّا التذرّع بأنّ «داعش» إرهابية، فإنّه في الواقع اعتراف ضمني بأنّ هذه الأخيرة فشلت في المهمة الإرهابية التي توكّلت بها من جانب الإمبريالية الأميركية ـ الأوروبية. بكلامٍ آخر: فشل القطريون، والفريق الذي أعدّوه من علماء دين وإعلاميين وصعاليك ادّعوا امتلاك البصيرة في مجالات الفلسفة وعلم الاجتماع؛ فضلاً عن توقيت ثورات الأميّين والمراحل التي تمر بها! فشل آل سعود أيضاً الذين تنطبق عليهم الآية الكريمة «يَحسبُ أنّ مالَهُ أَخـْلدَهُ». كذلك فشل العثمانيون الجدد؛ رغم قرع طبول الحرب، ورغم التحشيد العسكري الجنوني، من أجل الدفاع عن مزار سليمان شاه في الأراضي السورية! عملاً باتفاقية أنقرة بتاريخ 1921 بين الحكومة التركية من جهة، وبين المستعمرين الفرنسيين من جهة ثانية.
استناداً إليه، يحقّ لنا أن نأخذ بالحسبان فرضية مفادها أنّه ليس مستبعداً أن تكون الإمبريالية الأميركية ـ الاوروبية في طور تعديل خططها . هذا يعني استبدال الإرهاب، بإرهاب آخر يختلف ربما شكلاً ولوناً وخطاباً عن الأول! ينجم عنه أنّه يتوجّب قياس المبادرات والمشاورات التي يتم تداولها، بحسب وسائل الإعلام، وما تتفتّق عنه أذهان المحللين، بمعيار نسبة مشاركة الامبريالية الاميركية ـ الأوروبية فيها الذين أعادوا العراقيين إلى عصر الحجر، والذين أحرقوا الليبيين سنة 2011، في آتون حرب لا تختلف جوهرياً عن الحرب التي دبّرتها الحكومة الفرنسية في سنة 1967 في بيافرا، في نيجيريا، خدمة للشركة النفطية «توتال»، هم أنفسهم الذين يسعون إلى محو الوجود الفلسطيني، هؤلاء لا يريدون، بالقطع، الخير والأمان للسوريين !
إنّ مصير السوريين يجب أن يقرّره السوريون وحدهم، وإلا لحقت سوريا بالعراق وفلسطين وليبيا، وكأن الشهداء الذين يخضّبون تراب سوريا بدمائهم آخر السوريين! لا أظن في هذا السياق أنّ خلاص سوريا من مأزقها يحتاج إلى «معجزة». إنّ ما تحتاج له سوريا؛ هو ثورة، لا سعودية ولا تركية ولا أميركية ولا فرنسية، ثورة حقيقية سورية، تبدأ بخروج النازحين من المخيمات والعودة إلى أرض الوطن . إنّ المخيمات التي أُقيمت في لبنان وتركيا والأردن، هي المصيدة التي وقع فيها السوريون وتحوّلوا إلى رهائن لدى الميليشيات، وإلى مادة بشرية يستغلها تجار الهجرة وتجار الرقيق!
في السياق نفسه؛ يُخطئ، من وجهة نظري، من يظن أنّه بالإمكان الفصل بين الأوضاع في سوريا من جهة، وبين الأوضاع في لبنان من جهة ثانية . تأسيساً عليه، فبقدر ما تحتوي المبادرات التي أشرنا إليها أعلاه، من فقرات أميركية ـ أوروبية، يكون خطر انتقال نار الحرب إلى لبنان. إذ لا يُعقل أن يرضى المستعمرون الإسرائيليون بأن تتواجد في لبنان قوة عسكرية تتمثل بالمقاومة، تمتلك تجربة ميدانية . هذه بحسب رأيي من البديهات. لا ننسى في السياق نفسه، أنّ ما يتهدّد المشروع الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي في بنيته، وفي الصميم، هو اللاجىء الفلسطيني في المخيم، الذي يعي أنّه لاجئ ويتمسّك بحقه في العودة.
إستناداً إليه، فإنّ للمستعمرين الإسرائيليين، واستطراداً للإمبريالية الأميركية ـ الاوروبية، هدفين كبيرين، أساسيَّين في لبنان: المقاومة واللاجئيين. أخشى ما يُخشى أن يحقّق المستعمرون بواسطة المفاوضات والمبادرات والمساومات ما لم يتمكنوا من تحقيقه بعد، بواسطة حروب المرتزقة وأموال النفط واستغلال الدين !
(الديار)