قضيتا الأسرى بين نصرتهم وتحريرهم- منير شفيق
لقد وصل عدد الأسرى المضربين عن الطعام 180 أسيراً. مما يفتح الموضوع على مصراعيه مجدداً. لا شك في أن القضية الأولى للأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال تتمثل في تحريرهم، باعتباره جزءاً من الأهداف الراهنة للنضال الفلسطيني، والملخصة بدحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات من الأراضي المحتلة في حزيران 1967، وإطلاق كل الأسرى. أي تحرير القدس والضفة الغربية، وتثبيت انتصارات المقاومة في قطاع غزة بالحفاظ على سلاحها وأنفاقها وكسر الحصار عنه .
إن قضية تحرير كل الأسرى ترتبط ارتباطاً عضوياً بقضية دحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات وتحرير الأراضي المحتلة في 1967، وبلا قيد أو شرط. أي بلا مفاوضات ولا صلح ولا اعتراف. وهو ما لا يسمح بالمساومة حول الكيفية التي سيقرّر فيها الوضع بعد التحرير. وهو ما يجب أن يكون في إطار تحرير كل فلسطين من النهر إلى البحر، ومن الناقورة إلى رفح.
أما القضية الثانية بالنسبة إلى الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، فتتمثل بحقوقهم وأوضاعهم داخل السجون كما بزيارات أهاليهم لهم. وذلك إلى حين تحريرهم بالكامل– القضية الأولى.
صحيح أن القضية الأولى هي الأهم، وهي على رأس هدف النضال الفلسطيني جنباً إلى جنب مع هدف دحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات، باعتباره هدفاً راهناً قابلاً للتحقيق وبلا قيد أو شرط. ولكن القضية الثانية فائقة الأهمية في الفترة الممتدة إلى حين تحقيق الهدف رقم 1 المشار إليه.
العدو الصهيوني لا يكتفي بما مارسه من تعذيب جسدي وحشي في أثناء اعتقال الأسير والتحقيق معه، ولا يكتفي بما تصدره محاكمه العسكرية من أحكام المؤبدات، ولا يقنع بوضع الأسير في السجن إلى آماد تمتد لعدة عقود من السنين فحسب، وإنما يستمر أيضاً في التنكيل بالمساجين والتنكر لحقوقهم كسجناء وانتهاك حقوق أهاليهم بزيارتهم. إلى جانب حرمانهم من الطبابة والعناية الصحية، والتفنن في إنزال العقوبات بالأفراد والجماعات. الأمر الذي عرّض الكثيرين إلى الاستشهاد بسبب التمادي في إهمال العلاج.
لقد طُبقت هذه السياسة في التعامل مع السجين الفلسطيني منذ أن تشكل الكيان الصهيوني، ثم تفاقم الوضع وأصبح سياسة ممنهجة مع اندلاع المقاومة الفلسطينية، منذ أواسط ستينيات القرن الماضي حتى يومنا هذا. ومن ثم ما كان هنالك من سبيل لرفع أجزاء من الانتهاكات لحقوق السجين الأساسية، والتي تقرّ بها كل مواثيق حقوق الإنسان عموماً، وحقوق الأسرى والسجناء خصوصاً، إلاّ من خلال ألوان النضال التي راح يشنها الأسرى في سجون العدو، للتخفيف من تلك الانتهاكات أو لتحسين الأوضاع في السجون.
لقد اتخذت النضالات التي شنها الأسرى الفلسطينيون من خلال الإضرابات والاحتجاجات والصدامات الطريق الوحيد لتحقيق بعض مطالبهم. ومع ذلك كان العدو ينتهز أول فرصة، أو مناسبة، ليعود فينقضّ على تلك الحقوق التي كلف الوصول إليها عذابات وأحياناً شهداء.
على أن نقصاً كبيراً كانت تعانيه تلك النضالات، كما تثبيت ما استحصل من حقوق تمثل في الانحياز الأعمى من جانب الدول الغربية وأجهزتها الإعلامية ومنظماتها الحقوقية في مصلحة الكيان الصهيوني، وما يرتكبه من جرائم بحقوق الأسرى والشعب الفلسطيني بعامة.
وبالطبع لم يكن هنالك الاهتمام الكافي من جانب م.ت.ف في نصرة تلك النضالات، من خلال نضالات شعبية واسعة على نطاق عالمي، كما من خلال حملات إعلامية وتجنيد منظمات غير حكومية ورأي عام، بصورة منظمة ومتابعة لقضية الأسرى. وقد استمر هذا النقص بل استفحل في السنوات العشر الأخيرة، ولا سيما في هذه المرحلة بالذات.
طبعاً كان نضال الأسرى داخل السجون والمعتقلات ونصرته عربياً وإسلامياً وعالمياً أشدّ صعوبة في المراحل السابقة، حتى منتصف العشرية الأولى من القرن الواحد والعشرين. وذلك بسبب ما كان يسود من موازين قوى في مصلحة الكيان الصهيوني، وعلى مستويات متعدّدة بما في ذلك على المستويين الإعلامي والرأي العام العالمي. مما جعل العدو أشدّ عناداً وغطرسة.
هذا الأمر اختلف الآن، فمن جهة لم تعد للغرب تلك السطوة التي تمتع بها في السيطرة على النظام العالمي، كما على الإعلام والرأي العام والمنظمات الحقوقية المختلفة. أما من جهة أخرى فقد أخذ الكيان الصهيوني يفقد الكثير من تعاطف الرأي العام الغربي معه، كما أخذ يعاني عزلة دولية متفاقمة، وبعضها تناقضات سياسية مع حلفائه التقليديين. هذا ويجب أن يدخل في الحساب الآن ما نزل بجيشه من هزائم عسكرية في حرب 2006 في لبنان، وحروب 2008-2009 و2012 و2014 في قطاع غزة. مما جعله أضعف أمام الضغوط.
ولعل النجاحات التي حققتها في السنوات الأخيرة، إضرابات الأمعاء الخاوية، وآخرها إضراب خضر عدنان المنتصر، وحتى على مستوى فرض الإطلاق من الأسر لتعطي دليلاً على ما يقوم الآن، من موازين قوى في غير مصلحة الكيان الصهيوني. الأمر الذي يوجب أن توضع خطة متماسكة متكاملة بين الداخل (داخل السجون) والخارج، من أجل تحقيق المطالب المشروعة المحقة للأسرى في وجه ما يعانون من انتهاكات وأوضاع قاسية داخل السجون، كما من أجل وضع حد لقانون الاعتقالات الإدارية والتمديد المتواصل للاعتقال ستة أشهر.
فالمطلوب أن ينظم إضراب شامل للأسرى، وتحدّد فيه مطالبهم الأساسية المشروعة في ما يتعلق بأوضاع سجنهم واعتقالهم، ثم إسناده بحملة شعبية فلسطينية في القدس والضفة ومناطق الـ48 وقطاع غزة وكل مناطق اللجوء. ثم تعزيزه بحملة إعلامية واسعة عربياً وإسلامياً وعالمياً، وتحريك عدّة منظمات شعبية وشخصيات عالمية ورأي عام غربي من أجل تلبية تلك المطالب. وذلك مع ما يتضمنه من أهمية في فضح للسياسات الصهيونية داخل السجون وضد الاعتقالات الإدارية، الأمر الذي يؤدي إلى نجاح شبه مؤكد لإضراب الأسرى، كما وضع قانون الاعتقال الإداري في قفص الاتهام والقضاء الصهيوني مَرمى لفضيحة مدويّة.
صحيح أن هذه الخطة تتطلب موافقة قيادة م.ت.ف عليها. وهو أمر صعب مع ما تعانيه من شلل بسبب مصادرة محمود عباس لتوصياتها، كما حدث بمصادرته لقرار وقف التنسيق الأمني أو حصر اجتماعاتها بطلبه لها عند الحاجة. ولكن هذا لا يمنع من أن يؤخذ قرار من قبل حماس والجهاد والجبهة الشعبية والحراكات الشبابية ومن فتح إن أمكن، كما من قبل الفصائل الأخرى، في تنظيم الإضراب الشامل والقيام بحملة نصرة له فلسطينية وعربية وإسلامية وعالمية. فمعادلات موازين القوى وأزمة الكيان الصهيوني وعزلته وقوّة ما يُمكن أن يسّخر من إعلام سيؤدي إلى النجاح المطلوب.
طبعاً يجب أن تُعامَل هذه المعركة باعتبارها معركة جانبية، لأن الأصل هو عدم الاعتراف بشرعية الكيان الصهيوني، وبالعمل على هدف تحرير كل الأسرى مع دحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات وتحرير القدس.