قرارات العبادي بين التغيير الفعلي وامتصاص غضب المتظاهرين حميدي العبدالله
بعد استمرار وتصاعد التظاهرات احتجاجاً على الفساد، وعلى اضطراب الخدمات الأساسية، ولا سيما التغذية بالتيار الكهربائي، لجأ رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي إلى اتخاذ سلسلة من القرارات وُصفت بالقرارات الإصلاحية، وكان أبرزها إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وتقليص رواتب بعض الوظائف العليا، وتشكيل هيئة قضائية لمكافحة الفساد.
تصدر هيئة مكافحة الفساد قرارات العبادي، أو ورودها بين هذه القرارات بعث برسالة مفادها أنّ ثمة رغبة فعلية في وضع حدّ للفساد الذي بلغ مستويات غير مسبوقة لا في تاريخ العراق، بل وحتى على المستوى العالمي، لا سيما أنه قبل صدور هذه القرارات صدرت دعوات من المرجع السيستاني تدعو المسؤولين للإصغاء إلى صوت المتظاهرين والنظر إلى ما يطالبون به، وجرت العادة أنه من الصعب على أيّ مسؤول تجاوز أيّ مطلب ملحّ تطرحه المرجعية الدينية التي لا تتدخل عادة إلا بعد أن تتفاقم المشاكل وتصل إلى مستوى يهدّد بتداعيات خطيرة. لكن هل حكومة حيدر العبادي، أو بالأحرى هل الطبقة السياسية المسيطرة الآن على الحكم في العراق بأجنحتها المختلفة العرقية والمذهبية مهيأة أولاً لمكافحة الفساد، وثانياً لإجراء سلسلة من الإصلاحات ترتقي بمستوى أداء الحكم إلى الحدّ الأدنى الذي يتطلع إليه العراقيون؟
لا شك أنّ إجراءات العبادي ليس من ضمنها أيّ إجراء جدّي يراهن عليه لإجراء إصلاحات فعلية، ولا سيما لجهة مكافحة الفساد.
المسؤولون الذين تمّت إقالتهم أو بالأحرى إلغاء مناصبهم، لم يتأذوا من هذا الإجراء لأنّ مناصبهم رمزية وليست فعلية، ولذلك رحّب جميعهم بهذا الإجراء ولم يعتبره أيّ شخص بأنه موجه ضدّه أو يمكن أن يمسّ بنفوذه.
لكن الأحزاب التي ينتمي إليها هؤلاء المسؤولون هي التي تسيطر على الحكومة وهي صانعة القرارات والسياسة العامة العراقية، أيّ هم أبناء الطبقة السياسية المسيطرة، والسؤال هل يمكن لهذه الطبقة المسؤولة عن كلّ الظواهر المشكو منها، بما في ذلك استشراء حالة الفساد أن تقضي على الفساد وإصلاح إدارتها لشؤون العراقيين؟ لم يسجل بالتاريخ ولا في تجارب الشعوب أنّ طبقة مسؤولة عن سوء الأوضاع في بلد ما استطاعت هي إصلاح سياساتها والارتقاء إلى مستوى ما تتطلع إليه الشعوب، ولن يكون العراق أنموذجاً يخالف القاعدة فإجراءات العبادي هي محاولة لتهدئة خواطر المتظاهرين وعدم تجاهل طلبات المرجعية، ولكنها لا ترقى إلى مستوى البرنامج الإصلاحي الذي تأمله غالبية العراقيين.
(البناء)