قراءة نقدية لنموذج اوباما في ادارة “مجلس الأمن القومي” د.منذر سليمان
اتسعت دائرة الاتهامات للرئيس اوباما وادائه في الآونة الاخيرة لتشمل هيكل وطاقم مجلس الأمن القومي، الذي يأتمر بإمرته مباشرة، بغية التشكيك بصدقية ونجاعة سياساته المعلنة التي تخضع لنقاشات واسعة وشاملة داخل هيئة المجلس القيادية، لا سيما وانه استبدل مدير المجلس الأول، الجنرال جيمس جونز، بانتقائه احد افضل المؤيدين له، توم دونيلون، بعد سنتين من تبوئه المنصب “على خلفية صدامات طاحنة مع دائرة المستشارين المصغرة” حول الرئيس اوباما .
النخب اليمينية عبرت عن استيائها من سياسات البيت الابيض عبر صحيفة “وول ستريت جورنال،” 5 حزيران 2014، بالزعم ان الرئيس اوباما هو “اول رئيس يتجاهل مداولات المجلس تماما، بل يعامل مؤسسته بازدراء والتي صممت لاعانة القائد الاعلى اتخاذ القرارات السياسية الضرورية والانصات للحقائق المجردة .. بمعزل عن الاعتبارات السياسية الداخلية.”
النخب السياسية الحاكمة اعتبرت، عن حق، ان السياسة في عهد الرئيس السابق جورج بوش الابن جسدت “مخاطر المغالاة في ردود الفعل؛” وتخشى حذر الرئيس اوباما وابتعاده عن اسلوب سلفه المتهور بأن يؤدي الى “اتخاذ قرارات في الزمن الضائع،” وفق ما نشرته اسبوعية “ذي اتلانتيك،” 12 نوفمبر 2014. واعتبر المؤرخ المختص بشؤون الأمن القومي، ديفيد روثكوف، ان “تفكيك اخطاء السياسات في الماضي القريب لا يشكل استراتيجية بحد ذاته.”
مؤسسة مجلس الأمن القومي، مسؤولة أمام الرئيس ومكلفة بصياغة وبلورة السياسات الخارجية، مما يضعها في تنافس مع الاخصائيين في وزارتي الخارجية والدفاع، في كثير من الاحيان.
استحدث المجلس كمؤسسة مع بدء الحرب الباردة، في عهد الرئيس ترومان، عام 1947، بغية “الاستجابة للتحديات الدولية الجديدة التي اضحت تواجهها الولايات المتحدة.” ترافقت ولادة المجلس مع سلسلة قرارات رئاسية افضت ايضا لانشاء “وزارة الدفاع (بدلا من الحرب)، وكالة الاستخبارات المركزية، هيئة الاركان المشتركة، سلاح الجو” بحلة حديثة.
بين الخطأ والتجربة، دأب مجلس الأمن القومي على اعتماد سلسلة توجهات واستراتيجيات تُوائم الرئيس، اي رئيس، بدءأ من اسلوب “تنافس الفوضى” ابان الحرب الباردة والارتقاء الى مرحلة “فن الادارة.” واوضح ترومان في مذكراته ما كان ينوي انجازه بتلك المؤسسة قائلا “اردت الاعتماد على هيكلية رفيعة المستوى تأخذ طابع الدائمة في الاجهزة الحكومية تختص بتقديم الاستشارة للرئيس فيما يخص قرارات سياسية مصيرية بشأن الأمن القومي للبلاد.”
مداولات وسجلات ووثائق مجلس الأمن القومي بقيت حبيسة ادراج السرية، منذ عهد الرئيس ريتشارد نيكسون والى اليوم، وما هو متاح امامنا اتى حصيلة اجتهاد شخصيات اكاديمية مرموقة واعلاميين متخصصين بشؤون الأمن القومي، لا سيما “ايفو دالدر” و “اي. ام. دستلر،” اللذين نشرا دراسة هامة حول المجلس باشراف معهد بروكينغز (عام 2009).
كونداليسا وسيطة غير نزيهة
طبيعة العلاقة الناظمة بين الرئيس ومؤسسة المجلس، وكذلك مع مستشاري الرئيس المتعددين تبقى الشغل الرئيس لمتتبعي السياسات الاميركية، الداخلية والخارجية، وقولبتها في سياق الاسلوب المركزي في الحكم مقابل الغير مركزي، وما يولدانه من تباين وتصادم الاراء في اغلب الاحيان، والمشاحنات بين المستشارين وتداعيات كل ذلك على مشهد اتخاذ القرار الرئاسي.
للدلالة على التوترات والتوجهات السياسية داخل المجلس، اوردت “وول ستريت جورنال،” ايلول 2013، تقريرا مفاده ان “البيت الابيض شهد صراعاً داخلياً حول مسألة التدخل العسكري في سورية .. مما استدعى الرئيس جمع افضل مؤيديه للبحث وتقديم المشورة.”
مستشارة الأمن القومي السابق، كونداليسا رايس، اعتبرها طاقم موظفي المجلس حينئذ “بالوسيط غير النزيه” كاداة ايصال اجماع وجهات النظر للرئيس، فضلا عن ثغرات اساسية في سجل خبرتها في مجال السياسة الخارجية، كما انها “صدامية دون مبرر” مع محاوريها.
جدير بالذكر ان مصطلح “الوسيط النزيه،” في هذا السياق تحديدا، يشير الى نهج اداري جاء به نخبة من الاكاديميين للدلالة على المهام المنوطة بمنصب مستشار الأمن القومي، اذ يتعين عليه/ا “ليس ضمان انسياب استشارات توفر جملة خيارات في السياسة الخارجية للرئيس فحسب، بل يتوفر فيها عنصر التوازن والرزانة.” كما ان المنصب يستدعي خصال قيادية اخرى في المرشح “بعيدا عن ثمة مؤيد لسياسة معينة.” (انظر جون بيرك، “نظام مجلس الأمن القومي في عهد اوباما ..، نسخة الكترونية، 2009)
انفرجت اسارير اقطاب دعاة الحرب، في الحزبين الكبريين، لتسلم الجنرال السابق في سلاح مشاة البحرية، المارينز، جيمس جونز، اوائل عام 2009، رئاسة المجلس وتوجه المؤسسة الحاكمة للتميز عن سياسات ادارة الرئيس بوش السابقة كون جونز “شخصية مميزة ومختلفة واعدة.”
غداة تسلمه مهام منصبه سارع جونز الى القول ان “العالم الذي نعيش فيه شهد تغيرات عميقة خلال العقد الجاري لا سيما وان المؤسسات التي تم استحداثها لمعالجة عناصر ومعايير معينة اضحت عديمة الفائدة.” لم يعرف عن جونز انشاء علاقة شخصية وطيدة مع الرئيس اوباما، بل “التقى به عدد قليل من المرات قبل تعيينه.”
احدث موجات الانتقاد لاوباما جاءت على لسان صحيفة “واشنطن بوست،” 4 آب الجاري، المقربة من صناع القرار في البيت الابيض ووزارتي الخارجية والدفاع ايضا، التي تناغمت مع مطالب الخصوم السابقة بتقليص حجم الكادر الذي تضخم الى الضعف، نحو 400 موظف، منذ تسلم الرئيس اوباما مهامه الرئاسية. واوضحت الصحيفة “ربما فات الاوان لتغيير الانطباعات السائدة حول الهيكل البيروقراطي لمجلس الأمن القومي الذي اضخى تضخمه يؤدي الى تعجرف وشعور البيت الابيض بجنون العظمة الذي يصر بدوره على التحكم بادق مفاصل السياسة، وعادة على حساب اتخاذ قرارات فاعلة.”
خصوم الرئيس اوباما لديهم هاجس من العدد الكبير للموظفين، لا سيما الحزب الجمهوري الذي يطالب دوما بتقليص حجم الاجهزة الادارية الحكومية، فضلا عن تحميل حجم الجهاز مسؤولية اندلاع سلسلة من الازمات: الدولة الاسلامية، اوكرانيا، بحر الصين الجنوبي، ومصر. بالمقابل، مؤيدو الرئيس وسياساته مرتاحون لاداء مجلس الأمن القومي الذي استطاع “الابحار بجدارة وسط تلاطم ازمات دولية مزعجة.”
صدور سيل من المذكرات الشخصية لكبار العاملين السابقين مع الرئيس اوباما؛ ليون بانيتا، روبرت غيتس، هيلاري كلينتون، والي نصر، واخرين؛ سلط الاضواء على “اسلوب” الرئيس اوباما في اتخاذه للقرار و”تجاهله لمرؤوسيه” من الاخصائيين، كوزير الدفاع السابق تشاك هيغل، لصالح مستشارته للآمن القومي سوزان رايس.
لعل رواية مدير وكالة الاستخبارات المركزية الاسبق، ليون بانيتا، في مذكراته الصادرة عام 2014، من اشدها انتقادا وايضاحا لما يدور خلف جدران البيت الابيض قائلا “تنامي مركزية القرار” لدى الرئيس اوباما “ونزوعه للتحكم” بكافة الجوانب شملت تقديم بانيتا “نسخة من خطاباته لاطلاع واقرار البيت الابيض” قبل القائها، كركن اساسي من مكونات استراتيجية الرئيس اوباما. الأمر عينه ينطبق على كل من وزيرة خارجيته السابقة، هيلاري كلينتون، ووزير الدفاع السابق تشاك هيغل، اللذين كان يتعين عليهما المرور من ثقب مجلس الأمن القومي للوصول الى الرئيس. هيغل اوضح انه “ضاق ذرعا .. لدرجة الجنون” من الاسلوب الاداري للرئيس اوباما.
يلخص العارفون بخبايا صنع القرار في البيت الابيض اسلوب الرئيس اوباما الاداري بانه “يرنو الى الابتعاد عن الشكليات والطقوس الرسمية، شديد التمسك بجوهر المسائل، ويميل لاتخاذ قراراته بسرعة.”
جونز اعرب بدوره عن اختلال توازن علاقته بالرئيس نظرا لتباين اسلوب ادارتهما للبقضايا اليومية، وهو الآتي من خلفية عسكرية شديدة التمسك بالتراتبية وتنفيذ الاوامر. واوضح في لقاء له مع مركز “اتلانتيك كاونسل” البحثي المرموق غداة تقديمه استقالته انه “وجد نفسه امام تعريف آخر لتنفيذ الأمر، يستند الى اعتباره خاضع للتفاوض.” (8 تشرين الاول/اكتوبر 2010).
خليفة جونز في المنصب كان توماس دونيلون، وثيق الصلة بالرئيس اوباما، والذي اجمع على تعيينه معظم صناع القرار، واثبت لاحقا انه “الخيار الامثل” للمنصب “لتطابق مهاراته وفعاليته مع توقعات الرئيس اوباما،” وذلك على نقيض توقعات وزير الدفاع الاسبق، روبرت غيتز، معتبرا تعيينه “كارثي.” بيد ان غيتس أيد المستشار الجديد لاحقا.
من اشد الانتقادات الموجهة للمجلس، ومن خلفه الرئيس اوباما، دوره “المتهاون” في مقتل السفير الاميركي في ليبيا، كريستوفر ستيفنز، الذي قضى في 11 أيلول/سبتمبر 2012 في مدينة بنغازي.
قادة الحزب الجمهوري، بمختلف مشاربهم، يعولون على الصاق التهمة بوزيرة الخارجية السابق هيلاري كلينتون، في سياق المساعي للاطاحة بها قبل دخول موسم الانتخابات الرئاسية.
واتهم اولئك مجلس الأمن القومي بعدم اخذ الأمر على محمل الجدية، اذ كان يتعين على “مجلس أمن سويّ .. الشروع بحملة تقييم رصينة يقدمها للرئيس حول التهديدات الارهابية الحقيقية والمستمرة، وكذلك تحديد نواحي التقصير التي اسفرت عن مقتل اربعة افراد اميركيين” آنئذ.
آفاق التعديلات في ولاية اوباما
غداة تسلم جيمس جونز مهام مستشار الرئيس للأمن القومي صرح لصحيفة “واشنطن بوست” سالفة الذكر، انه ينوي القيام “بدور الوسيط المركزي للرئيس في كل ما يتعلق بمسائل الأمن القومي.” وحذر من انه سيلتزم “صرامة ضبط القنوات الخلفية” في سعيها تقديم المشورة مباشرة للرئيس، فضلا عن “التيقن من ايصال وجهة نظر الأقلية” في الاتجاه عينه.
لجوء الرئيس لاعتماد اسلوب الادارة المركزي ام ايلاء هامش اكبر لمرؤوسيه هي مسألة تتجدد مع قدوم رئيس جديد للبيت الابيض. اسلوب الرئيس اوباما لم يعد محطة تكهنات، بل تجمع كافة الاطراف على ولعه الشديد بالتحكم بمراكز القرار. وكغيره من الرؤساء البارزين، يحصر آلية اتخاذ القرار داخل مجلس الأمن القومي بافراد قلائل من مساعديه الذين يثق بهم.
مديرة موظفي مجلس الأمن القومي، سوزي جورج، اوضحت قبل اسابيع معدودة نية الرئيس تخفيض العدد “وضمان فريق عمل رشيق ونشيط، همه بلورة خيارات سياسية، سنعمل على عكس اتجاه مجرى النمو؛” وبلغ حجم التخفيض نحو 6% منذئذ.
تجدر الاشارة ايضا الى امتعاض عدد من كبار مسؤولي وزارة الدفاع من النفوذ الطاغي لاوباما على المجلس، بل “يصرون على القول ان أس العقبات بنيوية الطابع.” يشار في هذا الصدد الى انتقاد وزير الدفاع الاسبق، روبرت غيتس، قائلا “فيما يتعلق بالعلاقة الناظمة بين البيت الابيض والمؤسسة العسكرية .. فانني قلق من رغبة البيت الابيض المتنامية للسيطرة وادارة كافة مناحي الامور الخاصة بالشؤون العسكرية.”
ايضا وزير الدفاع الاسبق والمدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية، ليون بانيتا، انتقد بشدة آلية ايصال الاراء للرئيس قائلا “بعد الظفر بموعد لمقابلة الرئيس، يفاجأ المرء بأن طاقم مجلس الأمن القومي اتخذ القرار المعني او سعى للتأثير على القرار المطلوب اتخاذه .. تدريجيا يتم تجاوز” الدور.
يشار الى ان وزير الخارجية جون كيري نقل عنه قوله ان المفاوضات الدائرة لتطبيع العلاقات بين واشنطن وهافانا تمت دون علمه الا لاحقا وفي وقت متأخر، وكذلك الأمر مع طاقم وزارة الخارجية المشرف على العلاقات بين الاميركيتين. الرئيس اوباما اوكل المهمة السرية للثنائي نائب مستشار الأمن القومي، بن رودس، ومدير شؤون اميركا اللاتينية في المجلس، ريكاردو زونيغا.
العلاقة مع مصر، بعد خلع الرئيس محمد مرسي، شهدت “تجاوز” البيت الابيض لمشورة وزيري الدفاع والخارجية، هيغل وكيري، اللذين طالبا انتهاج سياسة متينة مع مصر “نظرا لحاجة الولايات المتحدة لشريك مصري يمكن الاعتماد عليه .. وينبغي استئناف توريد الاسلحة الاميركية له،” بموازاة مناشدة زعماء دول الخليج بأن الادارة الاميركية تغامر بتنفير القادة المصريين بدلا من العمل الدؤوب معها.
القيادة المصرية ممثلة بالرئيس عبد الفتاح السيسي اعربت عن امتعاضها وعدم رضاها من تلكؤ البيت الابيض السير نحوها بالتوجه شرقا نحو موسكو والتفاوض على صفقات اسلحة متطورة، كانت واشنطن قد احجمت عن الوفاء بتسليم نموذجها الاميركي للقاهرة. الزيارة وما رافقها من سلسلة اتفاقيات ثنائية بين القاهرة وموسكو شكلت “هزيمة” لسياسة اوباما نحو مصر.
مستقبل المجلس القصير لحين مغادرة اوباما
يتصدر برنامج العمل اليومي للرئيس اوباما تقديم مستشاره للأمن القومي ايجازا واحاطة بكل ما يتعلق بتفاصيل الأمن القومي الاميركي، عن الساعة 9:30، بحضور نائب الرئيس؛ يليه الايجاز اليومي المقدم من وكالة الاستخبارات الاميركية او مدير الاستخبارات القومية، عند الساعة 10:00.
اللقاء الحصري للمستشار مع الرئيس ونائبه يعكس مدى الثقة العالية التي تجمعهما مع المستشار، لا سيما فترة تسلم دون دونيلون، الذي أكد في لقاء خاص مع “النادي الاقتصادي” في واشنطن، ايلول/سبتمبر 2011 انه لا مكان “للقنوات الخلفية” للرئيس تحت امرته. خليفته سوزان رايس حظيت بقدر مماثل من الثقة الرئاسية.
خصال مستشار الأمن القومي عند الرئيس اوباما تستثني “النجومية” والحضور الاعلامي النشط، كما كان الأمر في عهدي ريتشارد نيكسون وبيل كلينتون – هنري كيسنجر وزبغنيو بريجنسكي، تباعا. وعليه، استنفذت سوزان رايس فرص نجوميتها وظهورها الاعلامي من على منبر الأمم المتحدة، ونالها ما نالها من انتقادات حادة وقاسية في الداخل الاميركي نظرا لأن منصب المندوب الدائم برتبة سفير يشترط موافقة مجلس الشيوخ. اما موقعها الجديد الاقرب للرئيس فهي مدينة للرئيس وحده. ومن المرجح ان تبقى مستشارته للأمن القومي لحين مغادرته البيت الابيض، 20 كانون الثاني/ يناير 2017.
استجاب الرئيس اوباما “ظاهريا” لرياح عاصفة تقليص عدد موظفي مجلس الأمن القومي “وتبسيط” النظم والاجراءات الادارية المعمول بها، بيد ان الكادر المحوري في المجلس بقي على حاله يمارس مهامه المعتادة وفق ارشادات الرئيس اوباما.
للتعرف على كنه آليات العمل فيما يخص السياسة الخارجية، يجدر النظر اليها من زوايا ثنائية: قضايا ومسائل طويلة الأجل، واتفاقيات ينبغي التوصل اليها قبل حلول موعد مغادرة الرئيس البيت الابيض.
يدرك الرئيس ومعاونيه الاهمية القصوى لتحقيق تقدم وانجاز لبعض الاتفاقيات الدولية والحيلولة دون اقدام الرئيس “الجمهوري” المقبل، على الارجح، تفكيك وابطال ما تم التوصل اليه بعد طول عناء. من ابرز تلك القضايا تطبيع العلاقات مع كوبا، انجاز الاتفاق النووي مع ايران، وقضايا الحفاظ على البيئة والحد من انبعاث الغازات السامة.
القضايا والتحديات ذات الطابع طويل الأمد، والتي لا يمكن الادارة انجازها في الفترة المتبقية لها، تشمل: الحد من تمدد الدولة الاسلامية في الاقليم؛ نمو الصين وتحديات السيادة في بحر الصين الجنوبي؛ صعود روسيا وما تمثله من اعاقة لمخططات الهيمنة الاميركية؛ اوكرانيا وسورية. من المرجح ان يمضي مجلس الأمن القومي في تسيير تلك المسائل، دون البت بمعالجتها الا اذا تفاقمت ازمات بعضها في ما تبقى من شهور معدودة قبل تسلم الرئيس الجديد مهامه.
الاعتبارات السياسية هي ما سيقيد حركة التوجه نحو حل تلك المسائل او بعضها خاصة وان مجرد الاعلان عن “التوجه نحو اي من تلك القضايا الهامة” يعني بالضرورة ان السياسات السابقة كانت خاطئة – محور مقتل اي لاعب سياسي.
في هذا الصدد، وللحفاظ على تقدم وتفوق المرشحة للرئاسة عن الحزب الديموقراطي، هيلاري كلينتون، ودورها المركزي خلال ولايته الرئاسية الاولى، يجد البيت الابيض مصلحته في تليين التحديات التي تواجه قضايا السياسة الخارجية، والى نهاية السباق الرئاسي العام المقبل. كذلك الأمر فيما يتعلق بمرشحيي الحزب الديموقراطي الاخرين، بيرني ساندرز وغيره، والذين يتوقون الى انجاز “تهدئة” على الصعد العالمية للحيلولة دون افساد حظوظهم الانتخابية.
القضايا الاخرى التي اثيرت بوجه وزيرة الخارجية السابق هيلاري كلينتون، مقتل السفير الاميركي في بنغازي، ايلول 2012، جرى تفاديها وعدم الانجرار الى آلياتها الشائكة سعيا لاخماد جمر رمادها قبل انطلاق السباق الرئاسي العام المقبل.
الدول والحكومات الاجنبية الراغبة في تحقيق اختراق ما في السياسة الخارجية الاميركي ترى نفسها ملزمة بالتودد نحو مرشحي الحزب الجمهوري، خلال الزمن السياسي الضائع، سيما وان المؤشرات الاولية المستندة الى استطلاعات الرأي ترجح فوز مرشح الحزب الجمهوري؛ بيد ان تلك التقديرات والرؤى قد لا تصمد كثيرا امام تعقيدات المشهد الاميركي والتحديات العالمية.
بادر مرشحي الحزب الجمهوري، وان ببطء، الكشف او التلميح عن عناصر توجهات السياسة الخارجية المقبلة. وعليه يجدر مواكبة ومتابعة ما يصدر عن كافة المرشحين وطواقمهم من خبراء واخصائيين في مجال السياسة الخارجية، للفترة المرئية المقبلة.