في وادي الحجير.. «نصركم دائم» نبيه عواضة
هنا وادي الحجير. تتجه نحوه عبر درب متعرج. تمتد أمام ناظريك أودية وتلال متداخلة يفصل بينها نهر صغير تنساب مياهه من نبع يُكنّى الوادي باسمه. من هنا تبدأ الحكاية. في هذه النقطة بالتحديد، ينفصم الوادي عن أبيه وادي السلوقي المتجه نحو قرى الحدود مع فلسطين المحتلة لتتقابل تلاله مع قرى عدة في أقضية بنت جبيل ومرجعيون والنبطية.
حكاية وادي الحجير تضرب بعيداً في الزمن. هو احتضن في العشرينيات من القرن الماضي مؤتمراً مناهضاً للاحتلال الفرنسي للبنان ترأسه السيد عبد الحسين شرف الدين، ثم كان ملتقى المعارضين للإقطاع السياسي الذي حكم الجنوب فترات طويلة قبل أن يحتضن فدائيي الثورة الفلسطينية الذي عبروا من الوادي نحو فلسطين ومنهم من استشهد في الوادي نتيجة الغارات او المواجهات التي حصلت ابان الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1978.
شكل الوصول الى نهر الليطاني من جهة وادي الحجير هدفاً عسكرياً وسياسياً إسرائيلياً لعملية «جنوب الليطاني» في العام 1978، نظراً لأهميته الاستراتيجية. بعد ذلك، شكل الوادي سياجاً فاصلاً بين قرى محتلة وأخرى محررة، وصار عنوان مواجهات بطولية بين المقاومة من جهة وبين جنود الاحتلال وعملائهم من جهة ثانية، فكان المقاومون يتحكمون بالوادي ليلاً، فيما تسيطر عليه نهاراً نيران مواقع الاحتلال.
عند كل شجرة وصخرة ومغارة في الوادي، حكاية شهيد وقصة جريح ورواية أسير، لذا كان يسمّيه البعض «وادي المقاومين»، وندر أن تلتقي مقاوماً إلا وله في وادي الحجير، سيرة بطولة. هنا سقط شهيد شيوعي على مقربة من نقطة سقط فيها شهيد لحركة أمل ناهيك عن عشرات الشهداء من «المقاومة الإسلامية».
بطولات ودماء جعلت للمكان رمزيته، قبل أن يُتوّج «وادي وديان جبل عامل» يوم شهد «مجزرة الدبابات» في حرب تموز 2006، حيث دمّرت المقاومة ما يقارب الخمسين دبابة «ميركافا» إسرائيلية في غضون ساعات وقدّرت خسائر العدو من الجنود قرابة السبعين جندياً، أي أكثر من نصف عدد قتلاه في مجمل الحرب (اعترف فقط بمقتل 119 جندياً).
الوادي كان عنوان المعركة الأبرز لا بل الحاسمة في مجريات حرب تموز، لذا أراد «حزب الله» أن يكون الاحتفال المركزي هذه السنة هناك، بمثابة تحية للمقاومين الذين عبروا الوادي أو استُشهدوا فيه.
من وادي الحجير، سيطل اليوم السيد حسن نصرالله عبر شاشة عملاقة وصل ارتفاعها الى 12 متراً، فيما سُوّيت الارض بالكامل، فغيرت بعض معالمها الطبيعية. الكراسي رصفت في بقعة تتولى الجبال حجب الشمس عنها، فضلاً عن تأمين مواقف ضخمة للسيارات الآتية من كل مناطق لبنان حيث تولت فرق هندسية مقاومة الكشف على المنطقة تحسباً لوجود قنابل عنقودية من مخلفات العدوان الاسرائيلي.
«نصركم دائم» عنوان الاحتفال هذا العام وهو موجّه للمقاومين ومن واديهم. هناك رفعت صور تجسد انتصارات المقاومة، كما وضعت امام المنصة الرئيسية مشهدية فنية تعكس هزيمة العدو وجنوده ودباباته في وادي الحجير (دبابات حقيقية محطّمة وواحدة شبه سليمة)، كما رفعت صور ضخمة للقادة والشهداء ومنهم الإمام الخميني، السيد الخامنئي، السيد عبد الحسين شرف الدين والشهداء القادة السيد عباس الموسوي، الشيخ راغب حرب والحاج عماد مغنية (الحاج رضوان).
ويقول المسؤول الإعلامي لـ «حزب الله» في الجنوب الشيخ حيدر دقماق إن اختيار وادي الحجير يعود للرمزية التاريخية للوادي، كساحة مواجهة ضد العدو منذ بدايات المقاومة الفلسطينية إلى المقاومة اللبنانية حتى التحرير في العام 2000 كما شهد الوادي على تضحيات المقاومين الذين قدموا عشرات الشهداء والجرحى والأسرى فالتصدي البطولي للمقاومين في هذا الوادي العام 2006 أدّى الى تدمير أكثر من 54 دبابة نوع «ميركافا» مما دفع العدو للتراجع وإعلان العجز والهزيمة.
وكما الوادي يحفظ سيرة مقاوميه من كل الألوان السياسية، فإنه لا شك يحفظ وجوه مزارعيه الذين حافظوا على ارضهم خضراء برغم الاحتلال فسقَوها بالعرق كما سقاها الشهداء بالدماء الطاهرة.
(السفير)