طبيب في الظلام: جدعون ليفي
عندها هبط مثل شعاع ضوئي في الظلام، الشخص الأقل توقعا. في المكان الذي لم يكن فيه اشخاص، كان الشخص: رئيس هستدروت الاطباء الدكتور ليونيد ادلمان، الذي يبدو مثل بيروقراطي سوفييتي، طبيب تخدير، هو بالذات أيقظ الجزء الاكثر تخديرا في إسرائيل، الضمير، والجدل حول أنه يمكن بشكل آخر.
يصعب تذكر متى تصرف زعيما للعمال في إسرائيل بهذا الشكل، ومتى تجاوز من ليس عضوا في اللجنة الاخلاقية مجال الرواتب والخدمات الطبية الخاصة، ومتى تجرأ أحد للخروج على القانون. لقد تحولت هستدروت الاطباء للحظة إلى «اطباء من اجل حقوق الانسان». الرفض الضميري تحول فجأة إلى سلاح مشروع. وبدون تردد أعلن الطبيب الشجاع والاخلاقي أنه هو نفسه قد أضرب عن الطعام ذات مرة وأن هستدروت الاطباء لن تشارك في تعذيب البشر، وأن اطباءه لن يستخدموا التغذية القسرية للمضربين عن الطعام ولن يطبقوا القانون الذي أقرته الكنيست. القانون؟ قال ادلمان إنه في الصين يقوم الاطباء بتعذيب الناس حسب القانون. برافو ادلمان.
أمام خطوته هذه برز الظلام. وفجأة تبين كم من المتعاونين يوجد للاحتلال، وكم من الوكلاء الذين يقومون بدورهم دون أن يوقفهم ادلمان ما، وكم من منظمات العمال كانت قادرة وبحاجة إلى الاحتجاج، وكم هستدروت كانت بحاجة إلى الطلب من اعضائها عدم التعاون والرفض. ليس فقط «الشباك» والجيش الإسرائيلي، المستوطنين، المهندسين، المقاولين الذين يبنون على الاراضي المسروقة، أصحاب البنوك الذين يتاجرون بأموال الغير، الحطابين في المناطق المحتلة ـ مجالات لانهائية من الحياة المتعلقة بالاحتلال التي يتصرفون فيها كأنهم أبرياء. وبالطبع رجال القانون: لنتخيل فقط ادلمان على رأس نقابة المحامين وهو يطلب من الاعضاء عدم التعاون مع المحاكم العسكرية. هذه أحلام يقظة، تقريبا نهاية الاحتلال.
لكن مع مزيد من الادلمانيين يتغير الواقع. ادلمان أثبت أن هذا ممكن، وأثبت الباقون إلى أي درجة هم مصابون ووحيدو القرن. وأثبتوا ايضا لماذا من حق معارضي الاحتلال في العالم مقاطعة كل أطياف المجتمع وليس فقط المستوطنات.
الاطباء ايضا مصابون. قال لي هذا الاسبوع المضرب عن الطعام خضر عدنان من نابلس، كيف أن الحراس جلسوا في غرفته في مستشفى آساف هروفيه وأكلوا أمامه الشاورما والبيتزا، في الوقت الذي كانت فيه حالته تتدهور وهو مكبل إلى سريره. هناك اطباء سمحوا بذلك، وهناك اطباء لم يضعوا حدا للاانسانية داخل المستشفى الذي هم مسؤولون عنه. لقد قصروا في واجبهم.
هناك اطباء في «الشباك» سمحوا ويسمحون بالتعذيب، وهناك اطباء في مصلحة السجون مستعدون الآن لاقامة «غرف طواريء» في السجون تكون اماكن للتغذية القسرية، ايضا مشهد تعذيب المضرب عن الطعام محمد علان بواسطة نقله من مستشفى إلى آخر، من اجل تغيير الاجواء أو تغذيته قسرا في مستشفى يديره عقيد في الاحتياط، ولا يحتج. الاطباء الذين سيُدخلون أنبوب إلى معدة علان بالقوة، إذا حدث هذا، يجب مقاطعتهم ومقاطعة مدرائهم في البلاد وفي الخارج. بدون ابحاث وبدون استطلاعات وبدون عضوية في هستدروت الاطباء.
في الاشهر الاخيرة جذب مُضربين فلسطينيين عن الطعام اهتمام العالم. هناك من أدى التحية لمقاتلي الحرية الذين أضربوا من اجل التحرر من الاعتقال دون محاكمة. وفي إسرائيل تم طرح موضوعهم فقط في اطار الخطر على صورة الدولة في حال موتهم. لم يسأل أحد «لماذا يضربون»؟ أربما يجب تقديرهم على تضحيتهم وتصميمهم؟ إذا كانت الدولة مستعدة لتقليل الضرر: إدخال أنبوب التغذية، والاعتناء بصورة الدولة. لكن ادلمان جاء وزعزع هذه الاخلاق المشوهة.
هآرتس