وقائع تسوية غير مكتملة في الزبداني إيلي حنا
بعد محاولات على أكثر من خطّ لإنجاح التسوية في الزبداني، دخلت المدينة أمس مرحلة حساسة بعد الاتفاق على هدنة لـ72 ساعة، ربطاً بكفريا والفوعة. ويواجه الطرفان عقدة خروج المسلحين من المدينة من عدمها والوجهة، بعد حصارهم في رقعة جغرافية ضيّقة، وظهر في هذا الإطار دور متقدّم لتركيا في رعاية حلفائها السوريين
دخلت مدينة الزبداني مرحلة متقدمة من إتمام التسوية التي اختلفت مضامينها منذ إطلاق الجيش السوري وحزب الله معركة تحريرها من المجموعات المسلحة في 3 تموز الماضي. وقد أدت معارك أربعين يوماً حتى الآن، إلى قضم الجيش والمقاومة مساحات واسعة من المدينة، ليحاصر المسلحون في حوالى 5 كلم مربع في وسطها.
لكن الحديث عن تسوية في المدينة ليس وليد التقدّم السوري واشتداد حصار المسلحين، بل بدأت أولى بشائره بعد أيام من بدء المعارك، حين فوّضت مجموعة من الفصائل المسلحة الأمين العام لحزب التضامن محمد أبو قاسم ليكون وسيطاً مع الدولة السورية.
«الوسيط» وَضَع بالتنسيق مع المسلحين 9 بنود لإتمام التسوية في السابع من تموز، أهمها: وقف إطلاق النار، وتسليم السلاح الثقيل والمتوسط إلى السلطات، وتشكيل لجان غير مسلحة من الأهالي وبموافقة الدولة، والسماح بعودة المدنيين من أبناء المدينة، وإجراء التسويات والمصالحات عن طريق الوسيط، وفتح الطريق أمام من يريد الخروج من المطلوبين إلى الجبل الشرقي. في 13 تموز نقل الوسيط المطالب للدولة السورية، لكن هذه البنود ما لبثت أن وُضعت على الرف، لتستعر الاشتباكات بعد اختلاف الفصائل في ما بينها حول الخروج أو مواصلة القتال، خاصة مع الرفض القاطع من قبل «حركة أحرار الشام» لأي تسوية حينها.
ضغط النار، دفع كافة الفصائل، بما فيها «أحرار الشام»، إلى العمل على التسوية. حينها، أصدر «المجلس المحلي» في مدينة الزبداني بياناً، أعلن فيه «تفويض أهالي الزبداني للجناح السياسي في حركة أحرار الشام من أجل التفاوض». وطالب البيان، الذي حمل توقيع رئيس «المجلس» محمد علي الدرساني، مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي مستورا «بتوضيح دور الأمم المتحدة في مكافأة النظام على سياسة الحصار والتجويع والقصف بالأسلحة المحرمة». وشدّد البيان على أن ما يقوم به «الثوار في استهداف قرى الفوعة وكفريا ونبل والزهراء هو أفضل وسيلة لإيقاف إبادة الزبداني».
ذِكر دي ميستورا في البيان جاء بعد طلب المسلحين من أنقرة التدخلّ لدى الموفد الدولي ليشملها في مهماته السورية، لكن الأخير، حسب مصادر متابعة، رفض التدخّل، لأن «الامم المتحدة لا تتدخّل في مسألة هدنة بين طرفين مسلحين ولا يتعلق الأمر بمدنيين». وعندما سئِل عن مدنيي الزبداني، أجاب أنّ معلوماته تفيد بأن لا وجود لأعداد مدنيين في الزبداني تقارن بكفريا والفوعة، لذا «دمج» مسألة المدنيين غير صحيحة.
خلف التفويض المحلي، تفويض إقليمي من أنقرة، راعية «الحركة»، لتبدأ في تركيا لقاءات سرية بين موفد إيراني ينسّق مع السلطات السورية وآخر من «الجناح السياسي للحركة». وقد بدأ هذا الجانب باتصالات أجراها المسلحون بالحكومة التركية مفادها أنّهم سيزيدون من التصعيد في كفريا والفوعة، وذلك رداً «على قصف حزب الله المدنيين في الزبداني»، الأمر الذي دفع الجانب التركي إلى التواصل مع الإيرانيين وإثارة الموضوع.
في هذه الأثناء، صعّد المكوّن الرئيسي في «جيش الفتح» من قصف بلدتي كفريا والفوعة المحاصرتين في ريف إدلب، وتوالت محاولات اقتحامهما، لتعود «حركة أحرار الشام» وتكشف في 5 آب الماضي «أنها أجرت مفاوضات تتعلق بمدينة الزبداني مع وفد إيراني» لكنها أوقفتها.
على أن الامر كان قد ارتبط بأن الجانب الإيراني ليس بيده من حلّ سوى المساعدة على إتمام تسوية يخرج بموجبها المسلحون من الزبداني. وهو ما قالته «أحرار الشام» في معرض شرحها لسبب إيقاف المفاوضات، مشيرة الى أن الوفد الإيراني أصرّ «على إخلاء الزبداني من المقاتلين والمدنيين وتهجيرهم إلى مناطق أخرى». وناشدت «حلفاءها الإقليميين» التحرك، قائلةً «إن مشروع إيران لن يكتمل حتى يحدثوا في بلادهم الخراب الذي أحدثوه في سوريا، وأن ثورة الشام ما تزال الخط الأول في مواجهة المشروع الإيراني الإمبريالي الذي يحارب في سوريا وعيونه على مكة والمدينة».
وأعلنت الحركة أنها ستتواصل مع «أهلنا ومقاتلينا في الزبداني، ومع أهم الفصائل المسلحة والعلماء والشخصيات الثورية المخلصة للوصول إلى قرار جامع بإذن الله، نرمي به عدونا عن قوس واحدة… وقد علم أعداؤنا أن مصير عصاباتهم ومليشياتهم في الشمال مرتبط بمصيركم».
بعد إعلان فشل «أحرار الشام»، كانّ المحرّك التركي يعمل مجدداً على إحياء المفاوضات التي استقبلتها أراضيها بطلب منها. وحاول الاتراك الوصول الى تسوية توقف بموجبها العملية العسكرية الجارية في الزبداني، وبالتالي الإبقاء على الوجود المسلح هناك، وهو الامر الذي لم يقبل به الجيش السوري كما حزب الله.
وبعد يوم واحد من الاعلان، مُنح، مجدّداً، ابن الزبداني محمد أبو قاسم تفويضاً للسير بتسوية شاملة، لينتقل الأخير من صفة الوسيط إلى صفة المفوّض، كما يقول لـ«الأخبار» أبو قاسم الذي كشف في بيان حزبه عن تضمّن التفويض الجديد 4 بنود، لم يشر في البيان سوى إلى البند المتعلق بتفويضه «على أن يفضي الحل إلى تسوية شاملة».
الرجل اعتبر الخط الايراني ــ التركي «غير منطقي» لكونه يؤمن بالحل السوري ــ السوري، لكنه استطاع أن يكتسب تفويض رئيس المجلس المحلي المعارض محمد علي الدرساني وقائد «كتائب حمزة بن عبد المطلب» (التابعة لأحرار الشام) وقائد «لواء الفرسان» عبدالرحمن عامر.
وتقضي المبادرة بوقف إطلاق نار مدة 48 ساعة (مدّدت 24 ساعة ظهر أمس، لتنتهي صباح السبت)، لتشمل الزبداني وكفريا والفوعة.
وثانياً، بقاء من يريد من المسلحين والمدنيين. ويروي أبو قاسم، في هذا السياق، أنّ من يريد البقاء هم حوالى ألف مسلح مع عائلاتهم، على أن يُقرّ عفو عام عنهم بعد تسليم سلاحهم بالكامل (عكس المبادرة القديمة التي تبقي معهم السلاح الخفيف، ويشاركون في تشكيل مجلس محلي مع عناصر حكومية، وقوة تنفيذية مشتركة لحفظ الأمن).
والبند الثالث يقضي بخروج من يريد، وهم العناصر التابعون لـ«حركة أحرار الشام»، ويشكلون حوالى 300 مسلح مع عائلاتهم. ويلفت أبو قاسم إلى أنه يوجد 2000 شخص في المدينة: 1300 مسلح و700 مدني.
العقبة
«بند الخروج»، لا يزال غير متفق عليه؛ فـ«أحرار الشام» تريد تأمين خروج مسلحيها نحو ريف إدلب حيث الحاضنة الأساسية لقوتها أو إلى تركيا وعبرها إلى الريف الادلبي الحدودي، بينما كانت الدولة السورية قد وافقت سابقاً على خروج من يريد نحو القلمون الشرقي الذي يشهد معارك طاحنة بين تنظيم «داعش» و«جيش الاسلام» وحلفائه.
مصدر متابع يروي أنّ المسألة العالقة لا تتعلق بوجهة المسلحين الراغبين في المغادرة، بل برؤية ثانية تطلب خروج جميع المسلحين من المدينة، ثمّ تُقرّر الوجهة.
كفريا والفوعة
وعلى خط كفريا والفوعة، اللتين «تنفستا» بعد سقوط عدد كبير من الشهداء المدنيين جراء القصف المتواصل ومحاولات الاقتحام المتكررة، كانت البلدتان تعيشان هدوءاً لم يخرقه سوى بضعة صواريخ سقطت صباح أمس، من دون تسجيل أي اشتباكات على محاور القتال.
وتكشف المعلومات أنّ «المرحلة الثانية» من الاتفاق ــ إذا نجحت الهدنة الشاملة ــ هي تأمين طريق آمن لإخلاء جرحى البلدتين المحاصرتين منذ سقوط مدينة إدلب في آذار الماضي.
وكان قد طُرح أنّ يتمّ إخلاء كفريا والفوعة، بعد تقدّم المسلحين في إدلب وريفها وقطع شريان الحياة الوحيد عن البلدتين، عبر فتح طريق آمن نحو مناطق سيطرة الجيش السوري في ريف حلب.
«مشروع» المفاوضات توقّف سريعاً، خاصة أنّ المسلحين رأوا أنّهم يستطيعون إكمال إنجازهم العسكري بالسيطرة على البلدتين، الأمر الذي فشل بعد محاولات عديدة.
وعند انطلاق معركة الزبداني وصمود البلدتين، توقّع المسلحون إنجازاً جديداً يعيدون عبره ربط المدينة الدمشقية ببلدتي ريف إدلب، ثمّ حاولت «أحرار الشام» طرح خروج المدنيين من الزبداني مقابل خروج مدنيي كفريا والفوعة، لكن الطرف المقابل وأد الطرح سريعاً «كون عدد المدنيين في الزبداني لا يستحق المقارنة بالبلدتين الأخريين».
مضايا وبقّين
على خطّ هدنة الزبداني، تعمل لجنة المصالحة في مضايا المجاورة على إشراك البلدة في الحل النهائي. البلدة التي تعيش مصالحة «مهزوزة»، حيث يقطن فيها عدد كبير من نازحي الزبداني، فوّض أمس جميل يوسف، رئيس «لجنة المصالحة» فيها، الأمين العام لحزب التضامن محمد أبو قاسم شفهياً بأن يشملها الحلّ «على أن يفوّضه خطياً لاحقاً». وتفضي أي تسوية في الزبداني ومضايا إلى التحاق بلدة بقّين بالركب، حيث تعيش البلدة توتراً سببه موقعها بين الزبداني المشتعلة ومضايا.
(الأخبار)