حول المبادرتين الروسية والإيرانية
غالب قنديل
تتحرك المبادرتان الروسية والإيرانية بالتنسيق مع القيادة السورية وتعمل كل من موسكو وطهران بصورة متناغمة مع دمشق لاختبار فرص التفاهم على تثبيت أولوية مكافحة الإرهاب التي طرحتها الدولة الوطنية منذ مؤتمر جنيف وتبناها منتدى موسكو الحواري وفي الواقع يتركز ذلك الجهد من حليفي سوريا الكبيرين على كل من الإدارة الأميركية والحكومتين التركية والسعودية اللتين تدعمان الجماعات التكفيرية الإرهابية وتتحكمان بواجهات المعارضات المختلفة.
اولا ينطلق التحرك الإيراني من فرص توظيف التوازنات الجديدة الناتجة عن الصمود السوري والتحولات الدولية والإقليمية التي ترتبط بالتفاهم النووي ومن تداعيات تعاظم خطر الإرهاب الذي يطرق أبواب الرياض واسطنبول بخروج بعض المجموعات عن سيطرة داعميها وتزايد المتاعب والمشكلات التي حصدتها بصورة خاصة كل من السعودية وتركيا من ورطة العدوان الفاشل على سوريا وتجد القيادتان الإيرانية والروسية في حاصل تلك العوامل والمتغيرات فرصة مواتية لمحاولة تحقيق اختراق جدي لمصلحة سوريا.
يعرف المعنيون في العالم والمنطقة أن تجفيف موارد الإرهاب المادية والبشرية المتدفقة إلى سوريا عبر الحدود التركية والأردنية راهنا وسابقا عبر الحدود اللبنانية والعراقية هو المدخل الطبيعي لما يدعى بوقف العنف ومن المفترض ان اولوية مكافحة الإرهاب تعني عدم جواز الحديث عن وقف إطلاق النار في أي مبادرة سياسية وكأن ما يجري هو نزاع داخلي مع وجود عشرات آلاف الإرهابيين متعددي الجنسيات في فصائل التكفير والتوحش بل تقضي باعتماد مبدأ دعوة المجموعات السورية المسلحة التي ترفض الإرهاب التكفيري إلى ضم جهودها مع الجيش العربي السوري.
ثانيا الهاجس الذي رافق القيادة السورية منذ بداية العدوان الاستعماري عام 2011 هو وقف تدفق السلاح والمال والإرهابيين عبر الحدود وكان هو الحافز الجدي للتجاوب مع مبادرات سياسية كثيرة راكمت مفردات ونصوصا مبنية على فرضية الأزمة الداخلية ومعها فرضية ان الأصل في الوضع السوري هو الخلاف بين الدولة ومعارضيها وهذا بذاته خاطيء وغير واقعي فالقاصي والداني يعرف ان واجهات المعارضة هي هياكل خاوية يحركها حلف العدوان وهي ترتبط بأجهزة الاستخبارات الأجنبية والخليجية والتركية وان حمام الدماء الذي تتحدث المبادرات السياسية عن وقفه ليس حربا أهلية سورية بل مواجهة بين الجيش العربي السوري والشعب العربي السوري من جهة وفصائل إرهابية تضم خليطا اجنبيا كبيرا مدعومة من الخارج.
جميع المبادرات تجاهلت في نصوصها الحلقة المركزية المتمثلة بوجود آلة دولية إقليمية تقيم غرف عمليات في تركيا والأردن وتقودها المخابرات الأميركية وهي تضم حكومات السعودية وقطر وتركيا والأردن وإسرائيل ودولا عديدة من الناتو والأصل في الكلام عن وقف العنف او ما يدعى وقف إطلاق النار هو تفكيك غرف العمليات وضمان إغلاق الحدود لمنع تهريب المسلحين والمال والسلاح إلى سوريا .
الذي يحصل واقعيا هو ان حكومات حلف العدوان بقيادة الولايات المتحدة تستخدم واجهاتها السياسية من المعارضات لمقايضة تجفيف الموارد بأدوار واحجام سياسية لعملائها في مستقبل سوريا ودولتها الوطنية وبمصالح نفطية واقتصادية تسعى لانتزاع الاعتراف بها مسبقا من قبل الدولة الوطنية السورية وبالتالي غاية الابتزاز هي محاولة اختراق البنية العامة للدولة السورية بقصد التأثير على خيارها الاستقلالي التحرري المعادي للاستعمار والصهيونية.
ثالثا بكل صراحة إن عقب اخيل في جميع المبادرات بما فيها الروسية والإيرانية هو استمرار التسليم بما يسمى تفاهمات جنيف واحد التي بنيت على فرضية الأزمة بدلا من حقيقة العدوان الخارجي وتواجد الإرهاب متعدد الجنسيات الذي يشمل داعش والنصرة وسائر الجيوش والفصائل العميلة لتركيا والسعودية والمجموعات البائسة التي تديرها المخابرات الأميركية ولو راجعنا يوميات العدوان وراجعنا قوائم أسماء القتلى والقادة والكوادر في سائر التشكيلات المسلحة التي تقاتل ضد الجيش العربي السوري لوجدنا امامنا جيشا عالميا من جنسيات متعددة هو أبعد ما يكون عن توصيفه كمعارضة سورية عدا عن توزعه بين فئتي المرتزقة والتكفيريين العقائديين المنتمين إلى القاعدة وفروعها.
سوف تستمر لعبة الابتزاز الدولية الإقليمية ضد سوريا في تهديد المبادرات وقطع الطريق على إحراز أي تقدم يذكر لأي مسعى سياسي طالما يستمر التسليم بقاعدة جنيف واحد التي كانت تعبيرا عن توازن سابق للقوى في بداية العدوان على سوريا وصاغتها الولايات المتحدة في حينه لتأسيس منصة التدخل وأيا كانت الاجتهادات المعتمدة سرا وعلانية في التعامل مع هذه المرجعية لتعديلها أواحتوائها كما تفعل روسيا وإيران فهي ما تزال تقدم مجانا فرصة للتدخل في الوضع السوري من خلال زرع العملاء في تركيبة ما يسمى سلطة انتقالية او الحكومة الانتقالية حسب مفردات الدولة السورية وحليفيها والحقيقة هي ان حجب النقطة المركزية المتمثلة بتجفيف المنابع والموارد وتركها لمباحثات الكواليس مع دول العدوان ورفع يافطات الحوار السوري ليس تكتيكا موفقا مع تقديرنا لجميع النوايا الطيبة والمخلصة لحلفاء سوريا .