الجبير بلسان «إسرائيلي» … واليمن إلى تصعيد؟
ناصر قنديل
– تحدث وزير الخارجية السعودي عادل الجبير من موسكو عن سورية مستعيداً خطاباً خشبياً سبق للحكم في الرياض أن وضع كلّ ثقله لجعله عنواناً لمستقبل سورية، فالرهان على رؤية سورية بدون الرئيس بشار الأسد حلم راود أبرز شخصيتين سعوديتين عايشتا وأدارتا العلاقة السعودية بسورية، وقد أغمض كل منهما عيناه وغادر الحياة قبل أن يرى أياً منهما لحلمه فرصة التحقق، ويرث الصبية عن معلميهم الموقف ومن يبقى عليه سيغمض عيونه ويغادر الحياة قبل أن يرى بريق أمل لتحقيق الحلم، وهذا ما حدث للملك عبدالله بن عبد العزيز ووزير الخارجية سعود الفيصل.
– يكفي جواب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بتأكيد أنّ الرهان على تغيير في موقف روسيا وإيران من سورية هو سراب يراه الذين لا يعرفون حقائق السياسة، ويتعلّقون بحبال أوهامهم، فروسيا لن تشتري ولن تبيع وما تفعله هو تسهيل النزول عن الشجرة للحكم السعودي، وخلق فرص لمخارج عنوانها الشراكة في الحرب على الإرهاب، والتمنّع السعودي سوف يدفع ثمنه السعوديون وحدهم، فقد وضعوا كلّ ثقلهم وهم في ظروف أفضل لزحزحة الأسد وفشلوا وسيفشلون، وكلّ ما نجحوا فيه كان استجلاب عشرات آلاف الإرهابيين إلى سورية والتسبّب بمقتل وجرح وتشريد عشرات الآلاف من السوريين، لكن حلمهم البعيد بقي بعيداً، وفقاً لما قاله نائب الرئيس الأميركي جو بايدن أمام أساتذة وطلاب جامعة هارفرد.
– السؤال عن الذي تغيّر منطقي، فقبل شهر تقريباً كان هناك موقف سعودي وموقف روسي، يوحيان بالتقارب حول سورية، فهل قام أحد الفريقين بخديعة الآخر؟ أم أنّ شيئاً ما قد حصل استوجب تغييراً في موقف أحد الطرفين؟ ومن الذي تغيّر؟
– الجواب لا يمكن أن يكون على النوايا والضرب بالغيب، فما أمامنا من مؤشرات على التقارب في النظرة الروسية السعودية بدأ مع موقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمام وزير الخارجية السوري وليد المعلم، عندما أعلن الدعوة لقيام حلف إقليمي يضمّ سورية والسعودية والأردن وتركيا لمحاربة الإرهاب، وصرّح أمام وسائل الإعلام في ذات اللقاء بأنّ روسيا ترى الأسد حليفاً وشريكاً في الحرب على الإرهاب، وما أمامنا بعد ذلك ما صرّح به مصدر رسمي سعودي اعترف بما سبق ونشر عن لقاءات ضمّت رئيس مجلس الأمن الوطني السوري اللواء علي المملوك وولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وما يعنيه اللقاء من بحث عن المشتركات بين حكم آل سعود وممثل للرئيس الأسد برعاية روسية، وهذا يعني أنّ ما دعا إليه الرئيس بوتين كان يستند إلى موقف هذا مضمونه من ولي ولي العهد السعودي، أنّ المملكة مستعدّة لسحب خطابها الخشبي الداعي لإسقاط الأسد والقبول بالتعاون معه لحلّ سياسي في سورية وللتشارك في الحرب على الإرهاب. ولو عدنا إلى ما ورد في البيان الرسمي السعودي، فسنجد عرضاً لرؤيا سعودية تقول إنّ آل سعود مستعدّون للتعاون مع الرئيس الأسد وحكمه وجيشه لحلّ سياسي في سورية وفي الحرب على الإرهاب وأن تتمّ ترجمة ذلك كما قال المصدر الرسمي بوقف كلّ دعم للمعارضة السورية والتعاون لمحاصرة المجموعات المتطرفة والإرهابية، إنْ قبل الرئيس الأسد طلباً سعودياً صرّح به المصدر الرسمي وقوامه انسحاب حزب الله ومؤيديه من المتطوّعين من سورية، وبغضّ النظر عما أورده المصدر من أن هدف الطرح كان إحراج ممثل الأسد وما وصفه بتعريته أمام الروس، وهو ما نستطيع أن نقوله له بعد لقاء الجبير لافروف، تكتشفون غباء سياساتكم ورهاناتكم مرة أخرى، إذا كانت هذه حساباتكم فهل نجحت التعرية يا صاحب السمو؟ ونسأل، لو تغاضينا عن فذلكة المصدر وتفلسفه بالتعرية، وهو مصطلح محبّب «سياسياً» للمصدر الرسمي كما يبدو من البيان لتكراره مراراً، فنقول ماذا لو فكر اللواء علي المملوك كما قال المصدر أنه طلب وقتاً للتفكير، وقال بعد التفكير إنّ سورية موافقة، هل هذا يعني أنّ ما قاله الجبير ما كان ليُقال؟ وما كان آل سعود يرون أن لا مكان للأسد في الحلّ السياسي؟ أم أنّ الأمر له صلة باعتبارات أخرى؟
– المنطق يقول أنّ البيان الصادر عن المصدر، كان تعبيراً عن صراع داخلي في المملكة لتبرير ما قبله ولي ولي العهد وما سار به من تفاهمات، وأنّ ما قاله الجبير هو حصيلة هذه الصراعات، خصوصاً بعد المداخلة «الإسرائيلية» التي نشرها موقع «الموساد» الإسرائيلي ضمن تقرير مفصل عن التفاهم الروسي الأميركي السعودي الإيراني على حلّ في سورية يضمن بقاء الأسد، وتحذيره للسعودية من القبول بالسير في التفاهم ملوّحاً بإمساك الأردن ومنعه من التعاون وبمنع السعودية من ضمان تطبيق أيّ تفاهمات عبر السيطرة الإسرائيلية الأردنية على جبهات القتال جنوب سورية، والإشارة اللافتة في المداخلة الإسرائيلية إلى الرهان على عادل الجبير محبوب الإسرائيليين وموضع ثقتهم لتغيير الاتجاه.
– بالتزامن مع الموقف السعودي، تعلن تركيا ليل أمس بلسان وكيل وزارة الخارجية أنّ تفاهماً تمّ مع الأميركيين على إقامة منطقة عازلة شمال سورية، وخلال ساعتين تردّ الخارجية الأميركية بتكذيب الكلام التركي وتقول لا وجود لشيء اسمه منطقة عازلة، وتعلن «إسرائيل» استعدادها للتعاون مع تركيا عسكرياً في مواجهة التحديات المقبلة في المنطقة، ما يوحي أنّ «الإسرائيلي» مرة أخرى على الخط.
– الواضح أنّ زمن التسويات الذي تعاقد عليه الثلاثي الروسي الأميركي الإيراني، ما بعد إقلاع التفاهم النووي، يواجه سعياً «إسرائيلياً» لتفعيل الثلاثي الإسرائيلي التركي السعودي، وأنّ الحركة التركية المنفعلة تتوقف قيمتها على درجة التورّط السعودي، وواضح السعي التركي إلى تغيير الوضع في سهل الغاب شمال غربي سورية، وواضح أيضاً أن الردّ سيكون في الميدان، لإعادة الصواب إلى بعض العقول المتغطرسة، وربما أنّ اليمن سيكون على موعد مع التصعيد أيضاً بعد وهم الانتصار الذي بدأ يراود آل سعود هناك، كما الأكراد مع حرب ردّ اعتبار بعد عودة بخار عظمة السلطنة إلى رأس أردوغان.
(البناء)