استهداف عون: «انها التحولات السورية يا عزيزي» ابراهيم ناصرالدين
«نكسة» التيار الوطني الحر في جولة «الكباش» على التعيينات الامنية ليست نهاية العالم، لكنها بداية مواجهة سترسم معالم المرحلة المقبلة، بعد ان اختار «تيار المستقبل» ومن معه من حلفاء «الخط الوسطي» خوض اختبار قوة مع «الرابية» في توقيت اقليمي شديد «الحساسية»، لكن ما يحصل اكثر من عملية استفزاز، واكثر من «مناكفات» داخلية في الوقت «الاقليمي» الضائع، ما يحصل معركة تتجاوز استهداف التيار «البرتقالي»، وعلى طريقة المثل اللبناني الشهير «بحكيكي يا جارة لتسمعي يا كنة»، الهدف الجدي والمعركة الحقيقية مع حزب الله، هي «حرب» بالوكالة يخوضها تيار المستقبل بحسابات اقليمية وداخلية خاطئة قد تؤدي الى نتائج عكسية وخطرة. كيف ذلك؟
اوساط سياسية بارزة في 8 آذار، تشير الى ان المعضلة الاولى تكمن في ظن تيار المستقبل ان «حرق اوراق» الجنرال ميشال عون الرئاسية يمكن ان يحصل عبر «تهريب» التعيينات الامنية، لكن ما لا يدركه «التيار الازرق» انه لا يمكن «كسره» بهذه الطريقة، فالاستحقاق الرئاسي لا يمكن حسمه عبر «العاب صبيانية»، وعندما تحسم القضايا الكبرى في المنطقة ستكون لرئاسة الجمهورية حسابات اخرى، ولذلك فان الاحتفالات واعلان النصر على «الجنرال» مبالغ فيها، لان تيار المستقبل يدرك انه ما حققه مجرد «تسجيل نقاط» مرحلية ولا يمكن ان تصرف داخليا، لان «خصمه» الحقيقي لم يقل كلمته بعد، وهو يدرك ان حزب الله لن يترك رئيس تكتل التغيير والاصلاح «يغرق»، ولن يتركه في «منتصف الطريق»، ولن يقبل «بكسره»، فالمعركة ليست مجرد «حرتقات» داخلية، أو انتصار «فارغ» يحتفل به رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان مع «شلة الانس»، فالهجوم على التيار الوطني الحر قرار اقليمي اتخذته المملكة لمحاصرة حزب الله والتضييق عليه عبر استهداف حليفه، والحزب يدرك طبيعة الهجمة الراهنة وقد لا تطول فترة «النصح» المتواصلة لتيار المستقبل للعودة الى «لغة العقل» وفتح قنوات حوار جدية مع عون، فثمة «خطوط حمراء» لا يمكن القبول بتجاوزها، ولن يكون متاحا استفراد «الجنرال» حتى النهاية، فمن ذهب الى سوريا في حرب استباقية لحماية المقاومة، لن يقبل الهزيمة على الساحة اللبنانية، كما ان من حقق الانتصار على «مائدة» الاتفاق النووي لن يقبل ان يخسر واحدة من اهم اوراقه اللبنانية.
وتلفت تلك الاوساط الى ان تخصيص عون جزءا من كلمته للتدليل على اهمية ما يفعله حزب الله في سوريا لحماية المسيحيين واللبنانيين، لم يكن كلاما عابرا او «زلة لسان»، بل تعبيراً عن فهم جدي لطبيعة «رسالة» من يحاول ان يضغط عليه في الداخل والخارج للتخلي عن حليفه، لكن الرد الحاسم اتى شديد الوضوح، لن يغير «الجنرال» «قيد انملة» في قناعاته، فعلاقته مع حزب الله والسيد حسن نصرالله ليست ظرفية او تقاطع مصالح في لحظة عابرة، وانما ثمة قناعة اصبحت راسخة بان موقع التيار الوطني الحر والمسيحيين هو هنا، وليس في أي مكان آخر، ومن يريد تدفيعه ثمن خياراته الاستراتيجية لن ينجح، فكل هذه الضغوط لن تثنيه عن الاستمرار في تمسكه بخياراته، وهو بات اكثر قناعة من اي يوم مضى ان تيار المستقبل ومن ورائه السعودية لن يصفحا له دوره في تأمين «مظلة مسيحية» لحزب الله، وهما اليوم يريدان مقايضته على هذا التحالف، لكن الجواب جاء حاسما وقاطعا ومن الساحة الاكثر ايلاما «للتيار الازرق» وللملكة العربية السعودية، سوريا، حيث «ام المعارك» تخاض هناك، وما اراد قوله «الجنرال»، ان ما تحاولون مقايضتنا عليه هو معركة وجود يخوضها حزب الله دفاعا عن المسيحيين، فعن اي مقايضة تتحدثون؟ وهل من عاقل «يفاوض» على معركة «حياة او موت»؟ وهل اصلا لدى الحريري او السعودية القدرة على تقديم ضمانات دفع حزب الله ثمنها دماء وما يزال؟ ويبقى السؤال : لماذا ارتفاع حدة الحرب على عون الان؟
ببساطة شديدة، انها سوريا يا «عزيزي»، حيث التحولات الكبرى، فالسعودية تبحث عن «التعويض» في أي مكان، في ظل انقلاب المشهد، وبحسب اوساط ديبلوماسية فان تركيا فتحت «نافذة» اتصال امنية من خلال احد كبار الضباط المتقاعدين الذي اوكلت له مهمة «استطلاعية»، اما الولايات المتحدة فمنها تصدر اكثر المؤشرات المقلقة، فالاتصالات على مستوى المندوبين في الخارجية السورية والاميركية بدأت بشكل جدي، اما الاعلان عن فشل تدريب المعارضين السوريين «المعتدلين» فيعد اوضح اشارة الى نهاية الرهان على اي قوة مسلحة قادرة على هزيمة النظام السوري، وتفيد المعلومات ان واشنطن تقوم بابلاغ الدولة السورية عبر العراق بكل تحركاتها العسكرية شمال البلاد وتم ابلاغها رسميا ان الجيش السوري لن يكون في مرمى نيرانها، وبدل ذلك دخلت «جبهة النصرة» في «دائرة الاستهداف بعد سقوط الرهان على «تلميع» صورتها. وبعد دخول تركيا في الحرب ضد داعش بات كل «اعداء» النظام السوري اهدافا لمن كانوا يعملون على اسقاطه، اما محور الحراك الدبلوماسي فبات روسيا وايران ومن يعجز عن ضربه الجيش السوري تتولى المهمة عنه الولايات المتحدة، طبعا حسب الرؤية السعودية..
وفيما تتوالى التسريبات السعودية «المثيرة للسخرية» عن لقاء رئيس مكتب الامن القومي علي المملوك مع المسؤولين السعوديين، تشير تلك الاوساط الى ان ما ابلغ به القادة السعوديين كان «سقفا» مرتفعا من المطالب السورية، فوزير الخارجية وليد المعلم حمل معه الى موسكو وطهران وسلطنة عمان افكارا عن تسوية اول شروطها موافقة الرياض والدوحة وأنقرة على اعتبار كل من «جبهة النصرة» «وحركة أحرار الشام» «وجيش الإسلام» «وجيش الفتح» والتنظيمات الاسلامية الاخرى تنظيمات ارهابية في المقابل تقبل دمشق اعتبار من تبقى من مقاتلي الجيش الحر، متمردين يمكن التفاوض معهم والتوصل إلى تسوية تقوم على إلقاء السلاح وانضمام هؤلاء ضمن مجموعات «الدفاع الوطني»، وقد بدأت هذه الطروحات تلقى «استحسانا» غربيا، بعد ان تبنتها روسيا وبات هذا الطرح جزءا من مبادرتها.
هذه التحولات تشير الى ان الرئيس بشار الأسد في أفضل حالاته، «وخصومه» في اسوأ حال، فحتى السعودية لم تستطع ان تتجاهل «النصائح» الروسية ففتحت «ابوابها» للمملوك، والحكومات العربية التي كانت تتحدث عن فقدان الرئيس الاسد الشرعية بدأت تراجعاتها «التكتيكية»، وهي لن تستطيع تجاهل «الرغبات» الاميركية اذا ما «اينعت» التسوية مع دمشق وحان زمن «قطافها». في المقابل ايران في موقف اقوى من اي يوم مضى، لم تتراجع قبل الاتفاق النووي، ولن تتنازل اليوم، واي تسوية في سوريا تجاوزت الحديث عن مصير الرئيس الاسد، والكلام عن منح رئيس الحكومة «السني» المعارض صلاحيات، لن تتجاوز الشؤون الداخلية الضيقة وستبقى خيارات سوريا الاستراتيجية في يد الرئيس، ولن تخرج الامور عن المناخات السياسية القائمة راهنا، فالمؤسسات الامنية لن تمس عقيدتها، كما ان سوريا تجاوزت مخاطر التقسيم، واللامركزية الموسعة ستكون اكثر الحلول الواقعية، لكن مهما كان شكل الحل فلن تكون سوريا الجديدة الا جزءا من محور المقاومة.
وانطلاقا من هذه المعطيات يمكن فهم طبيعة وتوقيت المواجهة الاقليمية مع «الجنرال» عون، ولكن ثمة نقص خطر في حسابات تيار المستقبل ومعه السعوديون، الامر يتعلق برد فعل حزب الله ازاء ما يجري، وما لا يدركه هؤلاء ان للتيار الوطني الحر في «عنق» الحزب «دين» غير قابل للمساومة، وحزب الله لن يتوانى عن «حمايته من نفسه» و«من المتربصين به»..ولكلام السيد نصرالله في ذكرى انتصار تموز صلة….
(الديار)