الحرب بين الأكراد وتركيا هل تظلّ في سياقها التقليدي؟ حميدي العبدالله
من المعروف أنّ ثمة مواجهة مسلحة تدور بين أكراد تركيا والجيش التركي، وأنّ عمر هذه المواجهة حوالى أربعة عقود.
ومعروف أيضاً أنّ هذه المواجهة تسبّبت بخسائر فادحة اقتصادية وبشرية، وقد وظف حزب العدالة والتنمية، عندما كان في المعارضة، هذه الخسائر للتحريض ضدّ الحرب والبحث عن حلّ سياسي للمسألة الكردية.
اليوم من جديد تندلع المواجهة المسلحة بين الجيش التركي وبين الأكراد بعد أن تخلى حزب العدالة والتنمية عن سياسة الانفتاح على الأكراد وتغليب الحلّ السياسي السلمي على المواجهة المسلحة. ويقدّر لهذه المواجهة أن تستمرّ سنين طويلة، مثلما استمرّت المواجهة السابقة حوالى أربعة عقود إذا لم ينشأ وضع داخل تركيا يرغم أحزابها وقواها الفاعلة على تبنّي سياسة جديدة في مواجهة المسألة الكردية.
لكن الأمر الأكثر أهمية في المواجهة الجديدة أنها تأتي في سياق إقليمي مختلف عما كانت عليه المواجهة في السابق بين الأكراد والجيش التركي، ويتميّز هذا السياق بمجموعة من السمات التي تصبّ في مصلحة الأكراد أكثر مما كانت عليه المواجهة في السابق، فالأكراد اليوم حصلوا على أسلحة كان من الصعب أن يحصلوا عليها قبل الاحتلال الأميركي للعراق واستيلاء الكثيرين على الجيش العراقي، ومنهم أكراد العراق، حيث ذهب جزء من أسلحة الجيش العراقي إلى مقاتلي حزب العمال الكردستاني، كما أنّ أكراد شمال العراق هم اليوم في وضع يؤهّلهم لتقديم دعم فعّال أكثر لأكراد تركيا، وعلى الرغم من مواقف مسعود البارزاني، إلا أنّ غالبية أكراد العراق استنكروا الهجمات التي شنّها الطيران التركي على مواقع وقواعد حزب العمال في جبال قنديل، وقد أدّى ردّ الفعل الشعبية إلى دفع بارزاني للتراجع عن مواقف كان قد أعلنها وبدا معها وكأنه مؤيد لعمليات الجيش التركي، كما أنذ أكراد سورية المنتشرين على مقطع طويل نسبياً من الحدود السورية التركية باتت لديهم قوة عسكرية يُعتدّ بها، وحصلوا على أسلحة من دول التحالف، إضافةً إلى الأسلحة التي كانت في حوزتهم، مثلهم مثل الكثير من الجماعات المسلحة السورية، وبديهي أنّ هؤلاء المسلحين يشكلون قوة إسناد هامة ويمدّون مقاتلي حزب العمال داخل تركية بالأسلحة التي يحتاجونها لتصعيد قتالهم ضدّ الجيش والدرك التركي.
كما أنّ دول المنطقة، وتحديداً سورية والعراق، ليس لديها شيء تخسره، في حال قدّمت الدعم للأكراد في تركيا، رداً على دعم الحكومة التركية للجماعات الإرهابية المسلحة التي تحارب الجيشين السوري والعراقي.
بديهي أنه في ظلّ هذا الوضع الإقليمي فإنه من المنطقي ومن الطبيعي الاستنتاج بأنّ المواجهة المسلحة بين الأكراد والجيش التركي ستكون هذه المرة أقوى وأكثر فعالية مما كانت عليه في السابق، وهذا هو الذي يفسّر كثافة وتواتر الهجمات التي بدأ حزب العمال ينفذها ضدّ أهداف عسكرية في أكثر من محافظة من محافظات جنوب شرقي تركيا.
(البناء)