لائحة الالتزامات العملية
غالب قنديل
تبذل روسيا وإيران جهودا مكثفة لاختبار فرص التفاهم مع المحور الأميركي السعودي التركي على رؤية مشتركة لتفكيك منصات الاشتباك والتصادم في المنطقة ويبدو واضحا ان الموضوع السوري يحظى بمكانة مركزية ويحتل موقعا متقدما على جداول التفاوض والنقاش الدولية الإقليمية كما بينت الاجتماعات المتلاحقة خلال الأيام القليلة الماضية في كل من الدوحة وطهران وهو ما اطلق مخيلات المحللين في رسم سيناريوهات افتراضية لاتفاقات وتسويات مقبلة .
اولا لم يحمل المشهد السياسي والإعلامي الظاهر تغييرا جديا في اللغة السياسية للحلف الأميركي السعودي وملحقاته الخليجية وشريكه التركي سوى التشديد على أولوية التعاون في مجابهة الإرهاب وبدلا من تعديل المواقف اتجاه الوضع السوري ومفرداته فقد ظهرت مواقف أميركية تصعيدية من خلال إعلان واشنطن اعتزامها تقديم غطاء جوي لوحدات المرتزقة التي دربتها الاستخبارات الأميركية ومع إدارج الجيش العربي السوري في لائحة أهداف الضربات الجوية على قاعدة الاشتباك المتصلة بحماية المرتزقة الذين تستهدفهم جبهة النصرة القاعدية التي حظيت بدعم وبتمويل وتسليح سعودي قطري تركي وجرى الترويج لفرص “اعتدالها ” المزعوم الذي نال شهادة ودعما كبيرا من الكيان الصهيوني وانهارت الكذبة دفعة واحدة بعد معارك الشمال السوري وفقدت فرص تسويقها الشحيحة.
كذلك بدا عكس السير الكلام التركي عن تفاهم مع الولايات المتحدة على ما يدعى بالمنطقة العازلة في الشمال السوري ولا يقلل من خطورة التهديد تبرير عنتريات أردوغان بالانتخابات التركية وبمأزقه السياسي العام نتيجة فشل العدوان على سوريا.
ثانيا إن السعي الروسي والإيراني لتفكيك منظومة العدوان على سوريا ينطلق من حقيقتين موضوعيتين لا يمكن تجاوزهما :
1- فشل العدوان على سوريا وعجز الحلف العالمي والإقليمي الذي تقوده الولايات المتحدة عن تحقيق تغيير جدي في توازن القوى السوري رغم ما ألقى به من قدرات وإمكانات في جميع المجالات وهو ما يعترف به مسؤولون اميركيون وغربيون وإقليميون في الغرف المغلقة بينما يكذبون ويكابرون ويتحدثون علنا بكل ما أوتوا من عنجهية وفجور .
2- ظهور أخطار جدية لارتداد الإرهاب التكفيري الذي حشدته دول العدوان إلى سوريا وقدمت له كل أشكال الدعم وتصاعد أولوية منع الارتداد لدى الحكومات المعتدية على سوريا واضطرارها بناء على ذلك إلى التسليم بحاجتها للتنسيق مع الدولة الوطنية السورية وقواتها المسلحة .
ثالثا تصطدم المساعي الروسية والإيرانية حتى الآن بعنجهية المستعمر الأميركي وعملائه على الرغم من خطر الإرهاب المتعاظم ومن فشل الحرب على اليمن ومن الرضوخ الأميركي والغربي لحقيقة القوة الإيرانية الصاعدة ومن فشل جميع موجات التصعيد الأميركي السعودي التركي الأردني والقطري والإسرائيلي في سوريا .
يمكن اعتبار الإمعان في التصعيد السياسي جزءا من سلوك تفاوضي مدروس كما يشرح البعض في تفسير كون قادة دول العدوان ما زالوا جميعا يرفعون عقيرتهم ويطعنون في شرعية الرئيس بشار الأسد كالبلهاء والمخبولين في حلقات الذكر بينما يستميت بعضهم ليحظى بموافقة على زيارة دمشق وهم يعرضون استقبال موفدين رسميين للرئيس الأسد في السر ودون إعلان.
رابعا إن دبلوماسية كل من طهران وموسكو تتصف ببرودة وصبر كبيرين وبانتباه مستمر إلى أدق التفاصيل وشريكهما السوري لا يقل خبرة ودهاء وطول بال وهو كما يرتكز إلى دعم حلفائه الكبار يستند إلى تراكم التحولات لصالحه في جميع الاتجاهات ولاسيما في معارك الميدان التي يخوضها الجيش العربي السوري.
ينبغي الالتفات إلى ان لائحة الإلتزامات العملية التي يفترض ان تتقيد بها حكومات العدوان والأمم المتحدة بالذات تتعلق بوقف تدفق السلاح والمال والمسلحين إلى سوريا وهنا بيت القصيد ولا قيمة لكل الكلام السياسي دون ذلك وهو ما يعني تدابير سعودية أردنية قطرية لتفكيك غرف العمليات وسحب شبكات التهريب ومجموعات العمل المخابراتية داخل الأراضي السورية ومن خارجها التي تديرها هذه الحكومات الثلاث ويعني الأمر في تركيا تفكيكا شاملا لغرف العمليات ومراكز التدريب ولشبكات تسويق النفط والآثار المسروقة لحساب داعش وسواها من جماعات التكفير والمرتزقة التي تحتضنها المخابرات الأميركية والتركية معا .
لائحة الإلتزامات هذه يجب ان تكون بندا سابقا لأي تفاصيل سياسية أخرى ولم يعد مجديا قبول المنطق الذي فرضه الأميركيون بالتعامل مع فصول العدوان الاستعماري على سوريا من عنوان ما يسمى بالأزمة السورية الداخلية .