الإرهاب ضدَّ سوريا لأنَّ رئيسها سوريّ ثريا عاصي
يُثير استخدام المعتقد الديني في الحقل الاجتماعي تساؤلات كثيرة. بدءاً من التفكير في العوامل التي تُتيح هذا الاستخدام للدين، أو بالأحرى توظيفه في مجتمع معين، في حين أنَّه مرفوض، أو أنَّه غير فاعل في مجتمع آخر. أعتقد أنّ مردّ ذلك إلى متوسط درجة الوعي والتثقيف والتهذيب التي بلغها الناس المعنيّون. من البديهي أنّ إجبار الناس على ممارسة عبادات أو على ارتداء ملابس «شرعيّة» هو سلوك يمكننا أن ننعته بالتعسفي والاستبدادي. ما بالك عندما يُفرض على المتعلِّم الموافقة على التُرَّهات التي تصدر عن الجاهل، وعلى الانقياد إلى أمره. الطاعة أو ضرب العنق أو الهرب!
الغاية بحسب رأيي هي تحكيم الشخص الغليظ، السيىء الخُلُق، الأحمق، الذي تكثر أخطاؤه. يستتبع ذلك ضرورة تطهير المجتمع من المعترضين المحتملين. يتأتّى هذا الأمر عادةً بواسطة الإرهاب. فلا يُسمع إلا صوت الجماهير التي تتحزَّب للقوي والمعطاء، وتتقلّب بحسب الظروف والفصول. العربان على دين أولياء نعمتهم. لا حَرَج في القول أنّ العقائديين قلّةٌ قليلة. الناصريون صاروا في هذا الزمان سعوديين. والاشتراكيون العلمانيون يحرّرون صُحُف السعوديين والقطريين في بيروت ولندن. في قطر القرضاي يُسوِّغ إهدار دماء الناس، والشيوعي السابق الفلسطيني يذكِّر بحتمية الإرهاب الثوري، والمقاوم الفلسطيني يبرِّر اللجوء إلى قطر بأولية محاربة الباطل على تحرير الوطن!
يحقُّ لنا بعد الهزائم اللاذعة، والانتصارات المزوَّرة، ومسخرات الثورات المزعومة، وسخافات الكُتَّاب المنتحِلين صفة مفكِّر، وتجارة الدين الرّائجة، يحقُّ لنا أن نبحث عن الآليّات التي جعلت أناساً عاديين ذوي مؤهِّلات متواضعة، محدودة، أو معدومة، يحتلّون الصدارة في مجالات السياسة والفكر والفقه، ويتحوّلون إلى شخصياتٍ أساسية يتصرّفون كما لو أنّ مصير الناس يتوقف على ما يقررونه. كأنهم أنبياء مرسلون!
من المحتمل أن يكون قد أُنزل على هؤلاء خطاب جديد من الولايات المتحدة الأميركية، أو من المستعمرين الإسرائيليين، فأصاب وتراً حسّاساً في وجدانهم ووجدان الذين تحزّبوا لهم . أو لعلّهم أفاقوا من ضلالتهم واهتدوا إلى أساليب ووسائل الإرهاب، دون مساعدة من قوى أجنبية، فاكتشفوا أنّ لديهم مواهب تؤهِّلهم لأن يُغرِقوا الناس في بحر من الدماء أو تحت الرُّكام!
ولكن ما يبعث على الحيرة هو التناقض الذي نلاحظه في تصرفات الإرهابيين. يتجسّد ذلك في اضطهاد المسيحيين على سبيل المثال، من جهة، وفي استمرار تدفّق الإمدادات عليهم، مدرّعات ومدافع ثقيلة، وتجارة نفط مزدهرة من جهة ثانية، فضلاً عن مسارعة الحليف الإسرائيلي إلى التدخُّل على الساحة السورية لصالح الإرهـابيين، جبهة النصرة والجماعات التي على شاكلتها . ألم يقل أحد القادة الأوروبيين، لا مكان للمسيحيين في الشرق!
وفي سياقٍ آخر، بعد أن شكّكتُ أعلاه، ضمنياً، بمفهوميّة القرضاوي للديانة الإسلامية استناداً إلى فتاوى نطق بها ليحلِّل إهدار دم المدنيين العُزَّل، الذين يقاومون بالكلمة، لا أظن استطراداً، أنّ روحيَّة النص الديني تُجيز للمسلم التمثيل بجثث القتلى، كمثل شق الصدر وإخراج القلب منه ثم مضغه!
بناءً على أنّ الحرب العدوانية التي تتعرّض لها سوريا، منذ أربع سنوات ونيِّف، يجب أن توحِّد السوريين في جبهة الدفاع عن بلادهم، وبناءً على أنّ سوريا هي لمن يدافع عنها ويحميها في الحرب، فإني أصغيت بجدية إلى خطاب الرئيس السوري الأخير. حذَّر الرجل أبناءَ بلاده من الوقوع في فخاخ الطائفيين والمذهبيين، ومن استخدام مفرداتهم.
فحوى كلام الرئيس السوري، أنّ في سوريا سوريين. وأنّه يوجد يا للأسف، سوريون لا يدافعون عن سوريا في هذه الظروف الصعبة، حيث يتكالب عليها الأعداء إلى جانب «الأخوة العربان». أوصلتني مداوَرَة هذه المُعطيات في الذهن إلى خلاصةٍ مفادها، أنّ تجييش آل سعود، السوريين والمرتزقة الإٍسلاميين، ضدَّ سوريا، مثلما فعلوا في أفغانستان، يعتمد، هذا التجييش، على الزّعم بأنّ الرئيس السوري « ليس مسلماً، بل ينتمي إلى فئة ضالة أو مشركة «. أنا على يقين من أنّ الرئيس السوري هو رئيس بصفته مواطناً سورياً . إلى متى «سوريا للسوريين « والسوريون متساوون في الحقوق والواجبات . بكلام أكثر وضوحاً وصراحة، قُتِلَ عشراتُ الآلاف من السوريين وشُرِّد مئات الآلاف منهم ودُمِّرَت سوريا، لأنّ الرئيس السوري سوري !
(الديار)