مصر على خطى التحوّل الأميركي عامر نعيم الياس
زار وزير الخارجية الأميركية جون كيري القاهرة في الثاني من آب الجاري في إطار استئناف «الحوار الاستراتيجي» بين البلدين، والمتوقف منذ كانون الأول من عام 2009. والتقى وزير الخارجية الأميركي عدداً من المسؤولين المصريين، وعقد مؤتمراً صحافياً مع وزير الخارجية سامح شكري، تم التأكيد خلاله على العلاقة الطيّبة التي تجمع البلدين. هذا وقد أتت زيارة وزير الخارجية الأميركية لاستئناف الحوار الاستراتيجي بين البلدين بعد سنتين على طلب القاهرة تشرين الأول 2013 استئناف هذا الحوار والذي كان شبه دوريّ منذ عام 1997، فما الذي دفع الأميركيين إلى الاستجابة للطلب المصري بعد سنتين؟ وهل يمَهد للتحوّل الأميركي من مصر؟
تعتبر «الحوارات الاستراتيجية» أحد أهم أدوات صوغ السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية، فاللقاءات الدورية بين مسؤولين رفيعي المستوى من الدول التي تتمتع بعلاقات طيّبة مع واشنطن تسمح لكلا الطرفين بتحقيق أمرين رئيسين: الأول، الاطلاع على غالبية التفاصيل التي تتعلق بمستويات العلاقة التي تجمع واشنطن والدولة المتحاور معها ثنائياً، أما الثاني، فهو التأكيد على متانة القاعدة الأساسية الناظمة لعلاقات الدولتين حتى لو شاب التوتر بعض مفاصل هذه العلاقة نتيجة اختلاف في المواقف من قضيّة ما. ووفق ما سبق، فإن استئناف الحوار الاستراتيجي بين القاهرة وواشنطن يعيد تصويب العلاقة بين البلدين، ويضعها في المسار التقليدي الذي كان سائداً منذ اتفاقية كامب ديفيد، إذ إنه من الواضح أن إدارة أوباما ما كان لها لتستجيب للطلب المصري باستئناف الحوار الاستراتيجي لولا يقينها بعدم تأثير السياسة التي اتبّعتها منذ وصول الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي إلى السلطة على الموقف المصري من بعض القضايا الخلافية، خصوصاً ما يصطلح عنه أميركياً بقضايا الإصلاح السياسي، فضلاً عن تأثر السياسة الأميركية الإقليمية بحالة الجفاء التي سيطرت على العلاقات الأميركية ـ المصرية.
وفي هذا الإطار، من الواضح أن الإدارة الأميركية التي رفعت الحظر المفروض على المساعدات العسكرية لمصر في آذار الماضي، تحاول إعادة الدفء إلى علاقاتها مع مصر السيسي على قاعدة التعاون في الملفات الإقليمية ذات المصلحة المشترك وتجاوز النقاط الخلافية المتعلقة بالعلاقة مع تنظيم الإخوان المسلمين، وقضايا الإصلاح السياسي في مصر، والتوجّه بدلاً من ذلك إلى الارتكاز على القاهرة في المحاولات الأميركية لطمأنة الحلفاء الخليجيين من الاتفاق النووي الإيراني. هنا يبرز تكرار السيسي الدائم لمقولة «أمن مصر من أمن الخليج»، وإرساله قطع بحرية مصرية إلى مضيق باب المندب لحمايته من التهديد الذي تمثّله «حركة أنصار الله» على المصالح السعودية في المنطقة. هذا فضلاً عن سيطرة هاجس الحرب على الإرهاب ممثلاً بـ«داعش» تحديداً على التفكير الأميركي في المنطقة وانسياق الحلفاء في غالبيتهم وآخرهم تركيا إلى الاندماج في هذه الاستراتيجية.
هنا، ترى القاهرة كما واشنطن مصلحةً في توحيد الجهود لمحاربة التنظيم الذي ظهر علناً في سيناء وفي ليبيا التي باتت القاعدة الأهم للتطرف في المغرب العربي والقارة الأفريقية.
مما لا شك فيه أن الإدارة الأميركية تحاول بلورة جهد سياسي مواكب في المنطقة لإدارة الحرب على الأرض على «داعش»، هذا ما تعكسه مجريات الشهرين الأخيرين، ولعل في زيارة كيري إلى القاهرة واستئناف المساعدات العسكرية الأميركية للجيش المصري ما يشير إلى اختلاف المقاربة الأميركية لإدارة السياسات في الإقليم، بانتظار التخلي النهائي للولايات المتحدة عن القنوات المنفصلة للحوار مع المنظمات غير الحكومية والأحزاب السياسية غير الحاكمة في دول المنطقة وعلى رأسها مصر.
(البناء)