هل يُستعاض عن «النصرة» بـ«أحرار الشام»؟ عامر نعيم الياس
وجّهت «جبهة النصرة»، الذراع الرسمية لـ«القاعدة» في سورية، صفعةً جديدة للولايات المتحدة الأميركية باعتقالها قائد «الفرقة 30» المؤلفة من ثلاثين شخصاً، كأننا أمام أسماء فرق «اعتدالٍ» على عدد مقاتليها. أمرٌ أثار سلسلةً من التساؤلات حول وجود خلاف مستجدّ بين الاستخبارات الأميركية والتركية من ناحية، و«جبهة النصرة» من ناحية أخرى. فالجبهة تشكّل كما أسلفنا في أحد المقالات السابقة على صفحات «البناء»، «روح التمرّد» في سورية، لكن «النصرة» لم تخرج عن السياق العام لمجابهتها التنظيمات المصنوعة أميركياً وتركياً. فهي قبل «الفرقة 30» وجّهت ضربة قاصمة لـ«حركة حزم»، ومن بعدها «جبهة ثوّار سورية»، تنظيمان عقدت عليهما واشنطن الرهان تحت عنوان «الاعتدال العسكري في سورية»، لكن ما جرى بحقهما لم يغضب الإدارة الأميركية بل دفع استخباراتها والاستخبارات الإقليمية إلى التنسيق مع «النصرة» وبناء ما يسمّى «جيش الفتح» الذي سيطر بشكل شبه كامل على محافظة إدلب. فهل اختلف شيء ما في المعادلة السابقة؟
بتاريخ 10/7/2015 نشرت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية مقالاً لمن سمّته «رئيس العلاقات السياسية الخارجية في حركة أحرار الشام» المدعو لبيب نحاس، هاجم فيه التصنيفات التي اعتمدت بحقّ التنظيمات الإرهابية المسلّحة العاملة على الأراضي السورية. فلا وجود لمعتدل ومتطرّف وفق رأي مسؤول الحركة السلفية. وبتاريخ 31/7/2015 نشرت «ليبيراسيون» الفرنسية تقريراً من الحدود التركية السورية بعنوان «ما وراء جيش الفتح» جاء في مقدّمته أنه «في قلب التجمّع السلفي، يحاول جهاديو حركة أحرار الشام أن يظهروا بمظهر الاعتدال من أجل الاستفادة من الدعم الأميركي وحكم المنطقة الآمنة في المستقبل في شمال البلاد». أمر لم يتوّقف عند هذا الحدّ، فبالتوازي مع تبييض صفحة «حركة أحرار الشام» وتقديم التنظيم السلفي القاعديّ الذي تنصّ مبادؤه في بعضٍ منها على أن الصراع السوري «ثورة شعبية إسلامية انطلقت من المساجد»، وأنه يجب «إقامة دولة إسلامية تحكم بشرع الله»، تقديمه على أنّه تنظيم من الممكن أن يكون أداةً يعتمد عليها في حكم شمال سورية. نشرت صحيفة «لوموند» الفرنسية تقريراً بعنوان «النصرة: الحليف المرّ للمتمرّدين السوريين»، إذ وصفها التقرير، الذي أعدّه بنيامين بارت، مراسل الصحيفة في بيروت، بأنها «ليست أقوى المجموعات المسلحة التي تقاتل بشار الأسد، لكنها الأكثر غموضاً وإثارةً للقلق»، إذ ميّز التقرير بين المستويين العسكري والسياسي في التنظيم، في محاولةٍ للموازنة والفصل بين إيجابيات الاعتماد على التنظيم وسلبيات التخلّي عنه. فمن جهة، «هناك التنظيم العسكري الذي يشكّل أساس التمرّد في إدلب على سبيل المثال، وفي الجانب الآخر هناك المستوى الجهادي المرتبط بتنظيم القاعدة والذي يفتي برجم النساء في الساحات العامة وهو أمرٌ لا يروق للولايات المتحدة».
إن الترويج لـ«حركة أحرار الشام» بالتوازي مع محاولات ملحوظة للإشارة إلى سلبيات «جبهة النصرة»، بعدما أضحت التغطية عليها أمراً غير ممكن في ضوء الاعتداء على «معتدلي واشنطن»، بعد أقل من أسبوع على دخولهم الأراضي السورية عبر الحدود التركية، يبرز سيناريو استبدال «النصرة» بـ«حركة أحرار الشام»، خصوصاً أن كافة التقارير الإعلامية الغربية تركّز على دور «حركة أحرار الشام» في ما يسمّى «جيش الفتح»، وتنسب القيادة إليه على حساب «النصرة». لكن على رغم أن سياق الأحداث يرجّح التخلي الأميركي الغربي عن «جبهة النصرة»، إلّا أنّ استبدالها بـ«حركة أحرار الشام» دونه عدد من العقبات أهمها:
ـ تأثير الصراع داخل «جيش الفتح» على المكاسب الميدانية الملحوظة التي حقّقها المعسكر الأميركي في إدلب وريفها. إذ سيؤدّي التصادم بين «أحرار الشام» و«جبهة النصرة» إلى انفراط عقد هذا التشكيل وتراجعه عن غالبية المواقع التي سيطر عليها في الأشهر الأخيرة. فهل يضحي الغرب بمنجزاته وأساس رهانه في شمال سورية؟
ـ «حركة أحرار الشام» يعدّ من أقدم تنظيمات السلفية الجهادية العاملة في سورية ويتلقى دعمه من قطر وتركيا، أعلن عن تأسيسه في 11 تشرين الثاني من عام 2011 أي قبل الإعلان عن تأسيس «النصرة»، وترتكز في قاعدة تواجدها الميداني على إدلب وريف حلب الشمالي، لكن لم تعد إلى واجهة الأحداث إلا في سياق «جيش الفتح»، والذي تشكّل «النصرة» القوة الضاربة فيه، الأمر الذي يثير عدداً من التساؤلات حول حقيقة قوّة هذا التنظيم عسكرياً.
ـ إن غالبية العمليات الكبرى التي قامت بها الحركة جرت بالتنسيق مع «جبهة النصرة»، وبالتالي فإن إمكانية الصدام بين التنظيمين غير واردة، ولا تستطيع «حركة أحرار الشام» تحمّل أعباءها.
ـ الحركة التي يحاول الغرب تبييض صفحتها الآن، تعتمد الازدواجية في إدارة علاقاتها مع التنظيمات الجهادية. فهي على سبيل المثال، وإلى جانب علاقتها بـ«النصرة»، ترتبط بعلاقة مع تنظيم «داعش»، على رغم محاربتها له في إدلب، إذ تدير معبر تل أبيض في الرقة وتتقاسم مداخيله مع «داعش»، إلى جانب إدارتها معبر باب الهوى في إدلب بشكلٍ مستقل.
بين «أحرار الشام» و«جبهة النصرة»، لا تخرج الولايات المتحدة عن السياق العام لسياستها بدعم الإرهاب في سورية. ويبقى احتمال التخلّي عن «النصرة» لمصلحة «أحرار الشام» أمراً دونه عقبات.
(البناء)