فاشية متطورة د. فايز رشيد
أقر الكنيست الصهيوني، الخميس (30 يوليو الماضي) قانوناً يسمح بالتغذية القسرية للمعتقلين الفلسطينيين المضربين عن الطعام. القانون مثلما وصفته هيئة الأسرى الفلسطينية بأنه «تشريع بالقتل». وأفاد بيان، نشر على موقع الكنيست، أن القانون تم إقراره بموافقة 46 عضوا ومعارضة 40. وبحسب القانون، الذي أطلق عليه «منع أضرار الإضراب عن الطعام»، فإنه يمكن للسلطات إطعام المعتقلين المضربين عن الطعام بشكل قسري إذا تعرضت حياتهم للخطر. وكان وزير الأمن الداخلي «الإسرائيلي» جلعاد إردان، اقترح القانون، معتبراً أن الإضراب عن الطعام من قبل المعتقلين الفلسطينيين يعتبر عمليات انتحارية للفلسطينيين يهددون فيها دولة «إسرائيل».
من جانبه، حذر رئيس «الهيئة الفلسطينية لشؤون الأسرى والمحررين» عيسى قراقع في بيان صادر عن الهيئة «إن القانون سابقة خطيرة جداً، في ظل أن الموت بات يهدد حياة كافة الأسرى المضربين أو الذين سيخوضون لاحقاً أي إضراب عن الطعام».
على صعيد آخر، أقر الكنيست قانوناً آخر (الإثنين 20 يوليو الماضي) بالقراءتين الثانية والثالثة، ينص على تشديد عقوبة الرشق بالحجارة من قبل الفلسطينيين باتجاه السيارات الصهيونية، حيث يمكن أن تتراوح العقوبة ما بين 10 – 20 عاماً من السجن الفعلي. كما يُسهّل القانون إدانة «راشقي الحجارة» باتجاه سيارات الشرطة، لأن عقوبة السجن ستطبق في الأغلب على الأطفال الفلسطينيين دون السن القانونية (أي 18 عاماً)!. وفي تعقيبها على اقتراح القانون، قالت وزيرة القضاء أييليت شاكيد، التي قدمت الاقتراح للتصويت عليه إنه «تم تحقيق العدل»، وإنه لم يعد بإمكان راشقي الحجارة، التهرب من العقوبة والمسؤولية، زاعمة أن «التسامح معهم قد انتهى»، وأن «العقوبة المناسبة تشكل عاملاً رادعاً». تصوروا!. أيضاً، صباح (الثلاثاء 28 يوليو الماضي)، اعتدت قوات الشرطة الصهيونية على أسرى سجن نفحة وبضمنهم الأمين العام للجبهة الشعبية الأسير أحمد سعدات، الذي يتعرض وكافة أسرى السجن لهجمة مسعورة.
لقد وصف جون كيري يوماً «إسرائيل» بأنها ستكون دولة أبارتهايد في حالة فشل حل الدولتين (مفهومة هي الظروف التي دفعته للتراجع عن التصريح). هذا يمثل جزءاً بسيطاً من الحقيقة، لأن الكيان الصهيوني بُني على العنصرية، وسنوات وجوده أثبتت بما لا يقبل مجالاً للشك حقيقة عنصريته وتطورها، باعتبارها الظاهرة الأكثر بروزاً في الكيان. آخر تقليعات العنصرية، عزم نتنياهو على قوننة «يهودية الدولة» كقانون أساس في الكنيست الحالي (الجديد) باعتبار «إسرائيل» «الدولة القومية للشعب اليهودي». من قبل كانت «إسرائيل» تُعتبر في العرف الصهيوني «دولة يهودية ديمقراطية». «يهودية الدولة» تنفي بالطبع ديمقراطيتها، فلا يجوز جمع التعبيرين معاً.
لقد قرعوا رؤوسنا في الغرب ب«ديمقراطية» الكيان والتغنّي بها. بموجب القانون فيما لو تم إقراره (وسيتم ذلك) إمكانية إجراء ترانسفير لعرب منطقة 48 بشكل قانوني هذه المرة، كما أنه إلغاء لحقوق أهلنا هناك، وإلغاء لحق عودة اللاجئين الفلسطينيين وستكون «إسرائيل» دولة خالصة «للشعب» اليهودي. نعم «إسرائيل» تجاوزت العنصرية لمرحلة ما بعدها.
الأنظمة العنصرية كما الأخرى الدكتاتورية، تصل إلى مرحلة من الإشباع في درجة عنصريتها بعد استنفاد كل ما تستطيعه من وسائل وقوانين عنصرية، ضد فئات معينة فيها، إلى الحد الذي تبدأ فيه اختراع وسائل وقوانين جديدة حيث تكون هي السبّاقة فيها على مستوى التاريخ، إذْ لم يسبقها أحد في كل مراحله إلى الإمساك بهكذا قوانين، حيث يجوز توصيف هذه الأنظمة والحالة هذه، بأنها أصبحت في مرحلة جديدة، مرحلة ما بعد الظاهرة المعنية، ألا وهي العنصرية، أي بمعنى آخر، في مرحلة «ما بعد العنصرية»، وهذا توصيف جديد للعنصرية الصهيونية، لذا، وعن جدارة تحتل المرتبة الأولى في مرحلة ما بعد العنصرية.
في الكيان الصهيوني ووفقاً للمنظمة المعنية بحقوق(الأقلية العربية) «عدالة»، فإن هناك 20 قانوناً تمييزياً تتحدث بشكل واضح عن التمييز ضد الفلسطينيين العرب في المنطقة المحتلة عام 1948، هذه تسمى «قوانين أساس» بدلاً من الدستور. 12 قانوناً منها تنص بشكل مباشر على التمييز، أما الثمانية الأخرى فتميز بشكل غير مباشر.
بحصاره لأهلنا في منطقة 48 قانونياً من خلال أدلجة العنصرية وقوننتها، يسعى الكيان، لخلق وقائع حياتية تُصعّب من معيشتهم، لدفعهم دفعاً إلى البحث عن حلول منها الهجرة إلى الخارج، لأن التمييز في «إسرائيل» ضد العرب يطال حقوق المواطنة، الحقوق السياسية، التعليم، البناء والسكن، سلب الأراضي العربية ومصادرتها بكافة الوسائل والسبل، توزيع الموارد وميزانيات مجالس القرى والبلديات، الحقوق الدينية وغيرها وغيرها.
من الملاحظ أن القوانين العنصرية والممارسات التمييزية ضد العرب تتناسب بشكل طردي مع مضي السنوات على إنشاء الكيان الصهيوني، هذه هي الحقيقة الأولى. أما الحقيقة الثانية التي هي ليست بعيدة عن الأولى فهي التناسب الطردي بين العمر الزمني للكيان.. وسيطرة الاتجاهات الأكثر تطرفاً على الحكم فيه، بكل ما يعنيه ذلك من تداعيات: العدوانية، المجازر ضد الآخرين، الفوقية والاستعلاء، اعتماد الأسس والمبادئ التوراتية الصهيونية في التأسيس للعنصرية من خلال تشريع القوانين الفاشية. إن القانونين الصهيونيين الجديدين يصبان في مجرى الفاشية المتطورة عن فاشية موسوليني ونازية هتلر.
(الخليج)