فرصة روسية لاحتواء الفشل
غالب قنديل
أعطت التقارير الصحافية اهمية بارزة للاتصالات الروسية الجارية مع كل من المملكة السعودية وتركيا بشان اوضاع المنطقة وخصوصا الحرب على كل من سوريا واليمن حيث تتورط الرياض واسطنبول بدعم وتسليح واحتضان الجماعات القاعدية المتعددة وتنظيم الأخوان المسلمين وحيث يتمادى المخطط الأميركي العاثر لتجديد الهيمنة الاستعمارية الغربية في المنطقة انطلاقا من التآمر الذي تدعمه وتغذيه إسرائيل ضد الدولة الوطنية السورية ورئيسها المقاوم الدكتور بشار الأسد.
أولا ليست روسيا قوة محايدة في المنطقة العربية وهي في سوريا بالذات تدعم حليفها الموثوق المتمثل بالدولة الوطنية السورية وبقواتها المسلحة وأولا وأساسا بزعيم سوريا الرئيس بشار الأسد الذي طالما عبر القادة الروس عن إعجابهم بصلابته وبرصيده الشعبي الواسع وبقوته في الدفاع عن بلاده في أحلك الظروف اما في اليمن فلروسيا علاقات وثيقة وقديمة بالجيش اليمني وصلات ناشئة وواعدة مع حركة انصار الله كما أن موسكو تتشارك مع طهران نظرة متقاربة إلى تدخلات الولايات المتحدة وحلفائها الداعمة لعصابات الإرهاب في سوريا واليمن وتعتبر كما إيران أن سوريا هي خط الدفاع الأول عن أمنها الاستراتيجي القومي كما قال الرئيس بوتين في استقباله للوفد السوري برئاسة الوزير وليد المعلم مؤخرا.
تنطلق القيادة الروسية في تحركها من مؤشرات كثيرة برزت مؤخرا في المملكة السعودية ودول الخليج وتركيا تدل على ارتفاع مخاطر ارتداد الإرهاب داخل الدول الإقليمية المتورطة في الحروب التي تقودها الولايات المتحدة بالواسطة منذ سنوات بينما تدل المعادلات السياسية على فشل تلك الحروب في تحقيق أهدافها وثبات وصمود القوى المناهضة للحلف الاستعماري ولذلك فإن التقدير الروسي للموقف يخلص إلى الاستنتاج ان الحكومات المتورطة في العدوان على سوريا بدءا بالولايات المتحدة نفسها مرورا بتركيا والسعودية تحتاج إلى مساعدة سياسية تسهل عليها التراجع دون ان تتلبس هزيمة فاضحة وكبيرة بعدما تورطت كلاميا بتكبير حجارتها ويتركز الجهد الروسي على عرض المساعدة مجددا تحت عنوان بناء تحالف إقليمي فاعل ضد الإرهاب الذي أعطي زخما جديدا منذ تصريحات الرئيس فلاديمير بوتين الأخيرة خلال استقباله وفدا قياديا سوريا برئاسة الوزير وليد المعلم.
ثانيا ليست المرة الأولى التي تعرض فيها روسيا ومعها إيران وسوريا على دول العدوان فرصة للتراجع وقد سبق ان رفض المتورطون عروضا مشابهة في مؤتمر جنيف الأول حول سوريا وفي سياق التعامل مع سلسلة المبادرات السياسية السابقة التي نسفتها الولايات المتحدة بمشاركة اعوانها وحلفائها وعملائها في المنطقة فما هي العوامل التي قد ترجح نجاح المحاولة هذه المرة خلافا للسابق ؟
1- تمادي الفشل في تحقيق اهداف العدوان على سوريا وقد ظهرت مؤخرا علامات جديدة وهامة على فشل جميع محاولات تفعيل العدوان وتساقطت أقنعة الجماعات المسلحة في سوريا من جبهة النصرة إلى احرار الشام إلى جيش الفتح كما فشلت محاولات التلميع والتبييض المتلاحقة لهذه العصابات الإرهابية القاعدية والأخوانية على السواء .
2- مأزق الحرب الأميركية السعودية على اليمن نتيجة اندلاع الحرائق في صلب العمق السعودي وأبعد مدى بكثير من القشرة الحدودية وعدم نجاح محاولات تعديل التوازن انطلاقا من التوغل والانتشار في عدن ومحيطها فعلى الرغم من حجم القدرات التي سخرت لم تتخط الوحدات المرتبطة بالسعودية حدود الانتشار الساحلي التي سبق ان بلغتها قوات الغزو العثمانية وبعدها البريطانية في القرنين الماضيين .
3- في ظل استعصاء التوازنات يتحول الكلام عن الحل السياسي السوري واقعيا إلى اعتراف حاسم بمكانة الرئيس بشار الأسد الدستورية والسياسية وتسليم بالدولة الوطنية كمرجعية حاسمة في أي تفاهمات محتملة .
4- الحل التفاوضي الممكن في اليمن ينطلق من نسبة توازن تحفظ دورا رئيسيا للجيش اليمني وللسيد عبد الملك الحوثي على رأس جبهة تضم سائر الأحزاب اليمنية التي تشارك في التصدي للعدوان الأميركي السعودي بقيادة انصار الله .
5- ضم الجهود في مجابهة الإرهاب التكفيري هو مضمون التفاهمات الوطنية التي يسعى الروس إلى إنضاجها ويواجه كل من القادة السعوديين والأتراك صعوبات جدية في هضمها والتعايش معها لأنها تطال جماعات وزمرا قدموا لها الدعم والمساندة منذ سنوات ونشأت تشابكات مالية ومصلحية بينها وبين الأجهزة السعودية والتركية وفي ظل توسع جمهور الداعمين للتيار التكفيري المتطرف في البلدين الذي يقدره الخبراء الأميركيون بما يتخطى نسبة العشرة بالمئة مما يعني جبرية الذهاب إلى جراحات موضعية تتضمن بتر بعض المواقع والجهات الحاضنة في الأجهزة الأمنية وفي الواقع السياسي الداخلي لتركيا والسعودية.
هل توصلت الولايات المتحدة إلى الاستنتاج الذي يفترضه السلوك الروسي وبالتالي هل يمكن توقع انخراطها في الجهود الهادفة لسحب السعودية وتركيا من المستنقع وهل تتجاوب الرياض واسطنبول مع تلك الجهود رغم استمرارهما في العربدة الكلامية ؟ إنه سؤال برسم الأيام التالية للقاءات الدوحة.