قوة «داعش» في عدستِه: «مدرسة الإعلام الجهادي» نور أيوب
لعبت الأذرع الإعلامية التابعة لـ«داعش» دوراً في تظهير «قوّة» التنظيم. إصدارات متنوعة، مرئية ومصورة ومكتوبة، تعمل على تلميع صورة التنظيم، وإرهاب «عدوّه». جذب «داعش» الأضواء إليه، بقوّة إنتاجاته وتنوعها، فبات مدرسة في «الإعلام الجهادي» تقتدي به الفصائل الإسلامية
في 22 أيلول من عام 2004، قامت جماعة «التوحيد والهجرة» بقيادة الأردني أبو مصعب الزرقاوي، النواة الأولى لتنظيم «داعش»، بذبح إحدى رهائنها الأميركيين في العراق يوجين أرمسترونغ. صوّرت الجماعة حزّ عنق الضحية، وانتشر المقطع المصور على موقع «يوتيوب»، فيما ذكرت تقارير أميركية أن منفذ العملية هو الزرقاوي نفسه.
كانت العملية هي الأولى من نوعها التي تنفذها جماعة إسلامية متشددة في المنطقة. تلتها ردود فعل أرادتها الجهة المنفذة. ورغم بدائيتها في التصوير والمونتاج، إلا أنها كانت باكورة أعمال ستصدر تباعاً عن «التوحيد والهجرة»، التي أصبحت لاحقاً «مجلس شورى المجاهدين»، ومن ثم «دولة العراق الإسلامية»، لتستقر أخيراً على مسمى «الدولة الإسلامية»، نتيجة توسعها في سوريا، وأخذها لبيعات من تنظيمات عديدة في العالم أجمع.
التحول النوعي في الإنتاج
فاق إلى الآن عدد إصدارات التنظيم مئتي إصدار، تتنوع بين أفلام وثائقية وتقارير مرئية، إلا أن التحول الكمي والنوعي في طبيعتها كان مع إعلان «داعش» رسمياً المشاركة في «الحرب السورية». وقد امتازت الإصدارات الأولى للتنظيم في العراق، بالبدائية لجهة عناصرها المركبة من تصوير، ومونتاج، والتسجيل الصوتي، وأيضاً في معالجة الفكرة، إلا أن «الهوليوودية» والتحول النوعي بدأ مع فيلم «صليل الصوارم» (الجزء الرابع)، ومن ثم في الوثائقي الصغير «ولو كره المشركون»، الذي صوّر إعدام 13 جندياً من الجيش السوري، بطريقة «جذّابة»، وصلت إلى حد تعبير البعض بـ«المبهرة».
ومع إعلان الولايات المتحدة قيادتها لـ«تحالف دولي» ضد «داعش»، أصدر الأخير فيلماً وثائقياً طويلاً، «لهيب الحرب»، الذي شكّل قفزة نوعية جديدة في إصدارات التنظيم، إذ حوى الإصدار مقاطع مصورة لاشتباكات مع الجيشين العراق والسوري، واستخدام تقنية «slow motion» لأول مرة. وقد حاز هذا الفيلم بالتحديد اهتمام الوسائل الإعلامية العالمية، لاحتوائه على مشاهد مثيرة، مصورة بتقنية عالية. وقد كان نص الفيلم باللغة الإنكليزية، وموجه إلى الشعوب والحكومات المشاركة في «التحالف» ضد التنظيم، حذرهم فيها من نتائج الحملة العسكرية، ومعلناً الحرب عليهم، ونقلها إلى «ديارهم».
وكثّف «داعش» من مشاركة «الكاميرا» في «الغزوات»، والاعتماد عليها في إيصال خطابه، ومضمّناً «نصوص أفلامه» لألفاظ ندُر استخدامها لغوياً، مع أداء إجرامي، و«لحن حزين» تُغنّى به القصائد «الجهادية»، شكّلت جميعها حزمة لمنظومة إعلامية، تبدأ من الإعداد والإنتاج وتنتهي بالنشر والتوزيع على مواقع التواصل الاجتماعي.
ورغم الخلاف السائد بين المجموعات المسلحة العاملة في سوريا، إلا أن «داعش» سيطر على المناخ الإعلامي للمسلحين، جاعلاً من أسلوبه مثالاً يقتدى، مبرّزاً «التوحش» كصفة أولى له، خصوصاً في تصوير عمليات «الذبح» الميدانية. وصبغ «داعش» إصداراته الأولى بلون دموي، معتمداً على المواد المصورة لعمليات عسكرية أو «غزوات»، أو أخرى أمنية كالاغتيالات بمسدسات كاتمة للصوت.
كذلك نجح التنظيم في تظهير صورة أقوى لعقيدته «الإيمانية» و«القتالية»، خصوصاً بعد الترويج الإعلامي لفرق «المجاهدين الانغماسيين الذين يدخلون إلى قلب مناطق العدو، وينجزون ما يطلب منهم، ومن ثم يعودون أدراجهم».
من يريد «داعش» مخاطبته؟
يخاطب «داعش» أكثر من جمهور، ويهدف إلى تعزيز أكثر من مفهوم، والهدف من ذلك «كيّ الوعي» عند الآخرين والتسليم لقوّة «دولة أبو بكر البغدادي». فعند مشاهدة إصدارات التنظيم المنشورة من قبل المؤسسات الإعلامية التابعة له، يُلاحظ نوعيّة الجمهور، والهدف، والأسلوب. فلكل خطاب وجمهور، ألفاظ ومفردات يستخدمها «داعش»، ويروّج لها، ويسعى إلى ترسيخها في ذهنية المشاهد.
ويعتمد «خطاب داعش» على الترهيب، والتركيز على «انتصارات» التنظيم في الميدان، الهادفة إلى إضعاف الروح القتالية عند «عدوه». أما الجمهور المخاطَب، فهم المسلمون «السنّة» (المحايد، والمعادي، والمؤيد) في الفئة الأولى، المسلمون «العلويون» و«الشيعة» في الفئة الثانية. أما «المسيحيون والإيزيديون والمؤمنون بالديانات الأخرى» فئة ثالثة. أما عناصر التنظيم المقاتلة، فإنه يخاطبهم أيضاً، في الوقت ذاته بهدف تعزيز الثقة، وتثبيت العقيدة «الإيمانية» و«القتالية».
ويحاول «داعش» مع «السني المحايد»، إقناعه بالانضمام إلى صفوف التنظيم، أو نصرة مقاتليه ودعمهم بمختلف الأشكال، وعدم الانتقال إلى «جبهته المعادية». بينما يسعى مع «المعادي»، إلى دعوته لـ«توبة نصوحة» والانضمام إلى صفوفه، محذراً إياهم من البقاء على «عدائه»، وبث الرعب في نفوسهم. أما «المؤيد» للتنظيم، والذي يتخذ من أماكن نفوذ الأخير مسكناً له، يسعى «داعش» على حثّه على نصرته، ودعمه، وتجييش عواطفه، وتعبئة نفسيته للانتساب إليه.
محاولة استمالة «السنّة»، لا تنطبق على «العلويين» و«الشيعة»، إذ إن الخطاب الموجه إليهم هو القتل والذبح، وبث الرعب في صفوفهم. ويسري ذلك على أصحاب الديانات الأخرى، من «المسيحيين والأيزيديين»، بالإضافة إلى إرغامهم على «دفع الجزية»، و«إعلان الطاعة» لـ«دولة الخلافة».
خطاب موجه إلى جمهور محدد، وتلقين المشاهد لعدد من المفاهيم، بأسلوب وصل لحد «الهوليودية»، جعل من «داعش» تتفوق على مشتقات «القاعدة» المختلفة، والفصائل الإسلامية المسلحة، وإجبارهم على السير خلفها، لإثبات «إنجازاتهم» أمام جمورهم. ومع السنة الخامسة للحرب السورية، تربعت «داعش» على «الإعلام الجهادي»، وباتت «مدرسة» يقتدى بها.
من هي المؤسسة الإعلامية الأهم لـ«داعش»؟
يمتلك «داعش» منظومة إعلامية، تشمل مؤسسات إعلامية تابعة له، هي: «مؤسسة الاعتصام»، «مؤسسة الحياة»، و«مؤسسة الفرقان» بهدف الإنتاج الإعلامي، بالإضافة إلى مكاتب إعلامية خاصة في «الولايات» التابعة له. ويمتلك إذاعة «البيان» التي تبث من محافظة نينوى العراقية الأخبار الميدانية و«الدعوية». ويساعد في نشر أخبار التنظيم على مواقع التواصل الإلكتروني وجود العديد من الحسابات الناشطة في مختلف المواقع، التي تعمل بشكل منسق نسبياً. وأصدر التنظيم مجلة «دابق» باللغة الإنكليزية، ومجلة «القسطنطينية» باللغة التركية. وذكرت تقارير صحافية أجنبية، أن المؤسسة الإعلامية الأبرز للتنظيم هي «الفرقان»، ويديرها سعودي بالإضافة إلى مجموعة من المختصين في الإعلام الإلكتروني. وتعود فكرة إنشاء «الفرقان» بحسب التقارير إلى مقترح قدمه القيادي السابق في «القاعدة»، محارب عبد اللطيف الجبوري «أبو عبد الله» إلى أبو عمر البغدادي، الزعيم السابق للتنظيم، بإنشاء مؤسسة خاصة كمؤسسات «طالبان» و«القاعدة» الإعلامية. وأضافت التقارير أن كل من المؤسسة تمتلك خبرة فنية كبيرة، في المونتاج والإنتاج الفني والإعلامي، وتشغيل البرامج والتطبيقات الإلكترونية المختصة بإنتاج الصوتيات والمرئيات.
«تعقيم القتل»
أحد عشر عاماً على عملية «الذبح» الأولى في العراق، وتصويرها ونشرها. إلا أن الفارق الذي أحدثه «داعش» طوال هذه المدة، هو «تعقيم القتل»، وتحويل هذه العملية من عملية منفرة للمشاهد، إلى شيء محبب، وجذاب، ومنتظر. وقد طوّعت «داعش» والقيّمون على إنتاجاتها، التقنية العالية في صناعة الأفلام وإنتاجها، إضافة إلى تنويع «عمليات القتل» أو «إقامة الحدود» لتشمل «الذبح»، و«الرمي بالرصاص»، و«الحرق»، و«الغرق».
ولعب تنويع الزوايا والكادرات، ومن ثم إعادة تصحيح الألوان، والاعتماد على تقنيات مونتاج أشبه بتلك في الأفلام السينمائية، في تشويق المشاهد لرؤية ومتابعة الإصدار. واستطاع «داعش» أن يسلب المشاهد مشاعر النفور، ويستبدلها بالانسجام مع ما يعرض، وذلك لأن المنتج المقدّم إلى الجمهور أصبح بطريقة بصرية محببة ومشوقة، وتمثيلية في بعض الأحيان، ولم تعد كتلك التي تثير الاشمئزاز والنفور.
هذا الأسلوب حثّ الفصائل الإسلامية المسلحة في سوريا، على اعتماده في إصداراتها المتنوعة، كـ«جبهة النصرة»، و«أحرار الشام»، و«جيش الإسلام» وغيرهم. إلا أنهم لم ينتجوا أي فيلم يوازي أفلام «داعش». وقد أصدر «جيش الإسلام» أخيراً شريطاً مصوراً لعملية إعدام عناصر من «داعش» بنفس أسلوب التنظيم في تنفيذ ذلك، إلا أنه كان ضعيفاً مقارنةً بإنتاجات تنظيم «الدولة».
(الأخبار)