تراجع ام تحايل تكتيكي لاردوغان امام واشنطن؟ اطلاق سراح بولارد ترضية لنتنياهو د.منذر سليمان
“منطقة آمنة” منقوصة الحماية الجوية
سارعت الحكومة التركية للاعلان عن وصولها لاتفاق مع الجانب الاميركي لاقامة “منطقة خالية من قوات داعش” في الشمال السوري، مطلقة العنان لتفسيراتها ابعاد ما يعنيه من “انتصار” لسياستها المطالبة بانشاء مناطق حظر للطيران السوري هناك. الادارة الاميركية، وعلى لسان جملة من كبار لمسؤولين، التزمت التفسير بان المقصود هو ازاحة قوات “الدولة الاسلامية” وتهديداتها من تلك المنطقة، ليس الا.
وزير الخارجية التركي، مولود جاووش اوغلو، ذهب الى تفسير الاتفاق الثنائي بالقول “بعد تطهير المنطقة من قوات داعش، ستفرض المناطق الآمنة تلقائيا.” اردوغان ايضا اوضح “التزام تركيا بضمان أمن تلك المناطق ..” دون الخوض في التفاصيل التي لا تتعدى نطاق “معاونة قوى المعارضة بشن غارات جوية وربما القيام بعمليات تتصدرها القوات الخاصة.”
سلسلة التصريحات الاميركية لم تذهب ابعد من حشد دعم تركيا لملاحقة قوات داعش، انطلاقا من قاعدة انجرليك التركية القريبة. بل سعى عدد من المسؤولين الاميركيين الاشارة لعدم “تطابق” رؤى الطرفين، لا سيما عدم ارتياح اوباما للغارات الجوية التركية ضد مواقع حزب العمال الكردستاني “الذي يتصدى بفعالية لتمدد داعش.” التعويل الاميركي على انخراط كافة القوى الكردية في سورية والعراق الى جانبها لم يعد قيد التكهن والتحليل، بل ترى انهم “شركاء ذو فائدة كبيرة في مواجهة داعش.”
حماس تركيا لانشاء “مناطق حظر للطيران” السوري يمتد الى بدايات الازمة السورية، وفشلت مرارا في استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي بهذا الخصوص، وتوترت علاقاتها مع واشنطن التي اوضحت انها غير معنية بانشاء منطقة تحتاج الى حماية جوية اميركية على مدار الساعة، مما يعني تعميق الانخراط الاميركي المباشر في الازمة السورية بدل استمرار المراهنة على استنفاذ طاقات الوكلاء المحليين، افرادا ومؤسسات وحكومات.
الجانب الاميركي لا يزال قلق من قدرة تركيا الالتزام بالخطوط المقررة والمتفق عليها بينهما، وما يستدعيه تصعيد انقرة من حملتها العسكرية، المستهدفة مناطق التواجد الكردي على اراضيها، من كوابح وتدابير جديدة. واشنطن لا زالت “تعول” على استبدال قوات داعش بقوات المعارضة السورية التي شرعت في تدريبها وتسليحها، تحت لواء “الجيش السوري الحر،” منذ زمن بعيد.
اوصى البيت الابيض لاحد “مسؤوليه الكبار” توضيح جوانب الاتفاق الثنائي للاعلاميين بالقول “اتفقنا على الجلوس سويا والبحث في سبل قد نستطيع تسخيرها لتنظيم مقاتلي المعارضة المعتدلة بتنسيق معنا (اميركا) ودول التحالف لتنظيف تلك المنطقة الممتدة من الحدود. اما في كيفية تطبيق ذلك والنماذج المستخدمة، فينبغي علينا الجلوس واياهم (تركيا) وننوي القيام بذك في غضون الايام القليلة المقبلة، ونتطلع قدما لتلك المشاورات.”
تباين الرؤى
المسألة الكردية بكافة ابعادها تبقى الهاجس الدائم للمؤسسات التركية الحاكمة، بصرف النظر عن طبيعة الحزب الحاكم، واجماعها على عدم السماح لاي تواجد كردي تتوفر له بعض نواحي الاستقلالية والكيانية. تبلور الظروف الاقليمية، خاصة بعد الاحتلال الاميركي للعراق، حفز اردوغان على التوصل لاتفاق وترتيب وتسهيلات مع اقليم كردستان العراق، الذي تربطه علاقات وثيقة للغاية مع الاستراتيجية الاميركية في المنطقة، طمعا في قطع الطريق على خصوم الاخير –حزب العمال وآخرين- لانشاء كيان مماثل، سواء في سورية او تركيا.
يشار الى ان العلاقة الاميركية، لا سيما في بعدها الاستخباراتي والعسكري، مع قادة اقليم كردستان العراق، بالتزامن مع الدعم “الاسرائيلي،” تعود الى زمن الثورة العراقية وقضائها على الحكم الملكي في بغداد، في عقد الخمسينيات من القرن الماضي.
معركة “داعش” للاستيلاء على عين العرب – كوباني عززت مشاعر غضب الاكراد من الحكومة التركية لتخلفها عن تقديم العون لمقاتليهم ومؤازريهم من المناطق الكردية الاخرى. بل سعت انقرة الى مزيد الحشد العسكري لقواتها تحضيرا لاندلاع القتال مع قوات حزب العمال الكردستاني، على الرغم من توقيع الرئيس اردوغان “اتفاقية” سلام في نهاية شهر سباط / فبراير الماضي، عرفت باتفاقية دولماباتشي، تضمن نقاطا عشرة حددت الاولويات التي ينبغي اتباعها للمضي في مفاوضات سلمية بين الجانبين.
استشاط اردوغان وحزبه الحاكم غضبا من تقدم “حزب الشعوب الديموقراطي” في الانتخابات البرلمانية الاخيرة، وخسارة حزب العداله لاغلبيته المطلقة، وبالتالي مخططاته لتنصيب اردوغان رئيسا دون قيود او كوابح. دشن اردوغان تراجعه عن الاتفاقية بوصف حزب الشعوب الديموقراطي بأنه ليس الا امتداد لحزب العمال الكردستاني، مطلقا العنان لتصريحاته المتشددة بأن تركيا “لن تقبل انشاء دولة كردية في الاراضي السورية المحاذية، ابدا.”
يذكر ان تحولات ظرفية دعت تركيا لاعادة النظر باولوياتها السياسية في الاقليم، منذ بداية العام الجاري، لا سيما الانجازات الميدانية المتسارعة لتنظيم الدولة الاسلامية، الذي افصح بصريح العبارة عن نيته انشاء “خلافة اسلامية خالصة،” مقرها اسطانبول.
عقب التفجير الانتحاري الذي نفذه داعشي تركي في مدينة سروج، الاسبوع الماضي، اضحى اردوغان يواجه تهديدات ثلاثة: الدولة السورية، الاكراد ممثلين بحزب العمال، والآن داعش الذي عزم على التوجه لاستعادة عين العرب – كوباني. التفجير الذي راح ضحيته نحو 30 فردا حفز اردوغان على تعديل اولوياته والتعاون مع واشنطن لمحاربة “داعش،” وشن سلاح الجو التركي سلسلة غارات جوية ضد مواقع متعددة في المناطق الحدودية.
الموقف الاميركي الرسمي حافظ على توازنه بتأكيد دعمه لتركيا “في الدفاع عن النفس،” دون اضفاء غطاء سياسي شامل على الغارات التركية ضد المناطق الكردية. وجاء في سلسلة بيانات وتصريحات رسمية ان واشنطن “تدعم تركيا بالكامل في الدفاع عن النفس .. وحثها التزام الحكمة في تنفيذ العمليات.”
وارفقت واشنطن موقفها المعلن بتصريحات رسمية “غير منسوبة” لكنها واضحة وصريحة تبتعد فيها عن انقرة بانها “لا تؤيد انشاء مناطق آمنة،” او “منطقة حظر للطيران” في الشمال السوري، كما تروج انقرة. وجاء على لسان احد كبار المسؤولين قوله ان ادارة الرئيس اوباما “لا تنوي تحديد المناطق .. نحن نتعقب قوات الدولة الاسلامية اينما وجدناهم.” واضاف “عند انجاز مهمة خطة الطيران، سترون نتائج كثيرة،” في اشارة واضحة لغارات سلاح الجو الاميركي ضد مواقع وتحصينات داعش، انطلاقا من قاعدة انجيرليك الجوية، باستخدام طائرات مقاتلة واخرى بدون طيار.
في هذا الصدد، “اكد” المسؤول الاميركي الرفيع ان الغارات الاميركية المقبلة ستؤديها طائرات الدرونز، في اغلب الاحيان، نظرا لرغبة الادارة الاميركية بعدم تعرض طائراتها المقاتلة لمواجهة جوية مع المقاتلات السورية “خارج مدينة حلب او مناطق اخرى بالقرب من الحدود المشتركة بين البلدين.” ايضا، واشنطن ليست غافلة عن العلاقة الوثيقة التي تربط انقرة بتنظيم الدولة الاسلامية وتوفيرها كافة لتسهيلات لتسليح ودخول الارهابيين الى سورية عبر اراضيها.
اشار تقرير نشرته اسبوعية “نيوزويك،” نهية العام الماضي، ان الغارة الاميركية التي اسفرت عن مقتل احد قياديي التنظيم الكبار، ابو سياف، والاستيلاء على معلومات ووثائق غاية في الاهمية حول طبيعة التنظيم، جندا وتمويلا، اوضح “بما يقبل الشك عمق العلاقة التي تربط داعش بتركيا” واجهزتها الاستخبارية.
واوردت الاسبوعية على لسان احد اعضاء الفارين من تنظيم داعش قوله ان الجيش التركي كان يغض الطرف عن كافة تحركات رجالات التنظيم. واوضح ان “قادة التنظيم ابلغونا انه لا يتعين علينا القلق من اي شيء نظرا لعلاقة التعاون التام مع الجانب التركي .. لقد شاهدت الجيش التركي وحليفه (داعش) معاً خلال الهجوم الذي شنه على الاكراد داخل سورية.”
بالمحصلة، جاءت اندفاعة اردوغان للدخول في مرحلة غير محددة الآفاق من شأنها استنزاف طاقات اجهزته العسكرية والاستخباراتية مجددا، الأمر الذي يحفزه الى تصعيد اعتماده على دعم وتأييد الولايات المتحدة.
داعش تجاوزَ المقبول اميركيا
داعش بالنسبة للادارة الاميركية “تعاني من الخسائر” في العراق وسورية، كما اوضح مؤخرا مبعوث الرئيس اوباما لشؤون مكافحة الارهاب، جون آلان؛ بخلاف تقارير الاجهزة الاستخباراتية ممثلة بوكالة الاستخبارات المركزية ووكالة الاستخبارات الدفاعية واجهزة رديفة اخرى.
اوضح تقرير لوكالة “اسوشيتدبرس – أ ب،” 30 تموز/يوليو الجاري، ان الولايات المتحدة انفقت “بضع عشرات المليارات” من الدولارات لتقويض داعش الذي رغم “خسارته لنحو 10،000 مقاتل فان التنظيم لا يشكو من الضعف في المرحلة الراهنة او بمقدار اسوأ مما كان عليه العام الماضي وتعرضه لغارات اميركية مكثفة.”
واضاف التقرير، الذي تداولته ابرز الوسائل الاعلامية، ان تقييم اجهزة الاستخبارات لداعش انه “في حالة جمود استراتيجي .. ولا يزال يتمتع بتمويل جيد ويستطيع تعويض النقص البشري في صفوفه سريعا ورفدها بجهاديين اجانب.” بل استطاع التنظيم “التمدد لمناطق ودول اخرى مثل ليبيا وشبه جزيرة سيناء وافغانستان.”
وجاء على لسان “مسؤول عسكري رفيع” ان جهود مواجهة داعش “لم تسفر عن تقويض ملموس في جسمه البشري،” ولا يزال يحتفظ بعدد كبير من المقاتلين يتراوح تعدادهم بين 20،000 الى 30،000 وهي “ذات التقديرات التي صدرت قبل عام في شهر آب/اعسطس الماضي.”
مصادر دخل التنظيم جلها من الاتجار بالنفط المسروق من الآبار السورية، تقدر بنحو 500 مليون دولار سنويا، وفق مساعد وزير المالية الاميركية، دانيال غلاسر. يضاف الى ذلك “نحو مليار دولار نقدا استولى عليها التنظيم من المصارف والبنوك التي وقعت تحت سيطرته.” واوضح غلاسر ان “التنظيم ينعم بثروة مالية كبيرة .. تخوله صرف رواتب ومستحقات شهرية لعناصره تصل الى 360 مليون دولار سنويا.”
تركيا ايضا تستفيد من النفط السوري المسروق وقدمت جملة تسهيلات ميدانية لتنظيم داعش وفرت له انشاء وجود كبير ملموس على اراضيها، وعقب التطورات الاخيرة في مدينة سروج اضحت تركيا تعاني من ازمة خلقتها واوجدتها بنفسها، ويعسّر اجراءاتها للحد من نفوذه ويضاعف في الآن عينه من خشيتها اقدام التنظيم على شن هجمات انتقامية ضدها.
تركيا وردود الفعل الاميركية
بايجاز شديد، تتمحور السياسة التركية في الاقليم حول عمودي الاكراد وصمود الدولة السورية الذي افشل مخططات تركيا وحلفائها من الدول الخليجية الممولة ودول حلف الناتو ايضا. ازمتها المتجددة دفعت بها لتقديم مزيد من التنازلات للجانب الاميركي، ابرزها التخلي عن شرط عدم السماح لواشنطن استخدام قاعدة انجيرليك، وامتدادا قواعد وانشاءات عسكرية اخرى على اراضيها.
انخراط تركيا في الصراع المنباشر مع سورية، دولة وشعبا ومؤسسات، اتاح الفرصة للاكراد السوريين التمتع بمزيد من صلاحيات الحكم الذاتي – وليس للاستقلال، بيد ان تداعياته وانعكاساته على الاكراد في الطرف الاخر من الحدود داخل تركيا يشكل قلق دائم ومتواصل لانقرة. انخراط تركيا وحلفائها الخليجيين، بالدرجة الاساسية، في صراع صفري مع سورية تحت عنوان “اي كان بديلا عن (الرئيس) الاسد” وفر الفرصة اللازمة لتنظيم الدولة الاسلامية اقامة وجود مادي وملموس ذات هيبة حقيقية اضحى يهدد تركيا نفسها.
المأزق الذي وجدت تركيا نفسها فيه، نتيجة سياسات ملتوية وقراءات خاطئة، في التعامل مع تنظيم داعش والاكراد معا وضعها رهن الدعم الاميركي الذي شجع “نموذج البرزاني” في العراق وحفزه على التقدم نحو اراضي تواجد الاكراد الاخرى.
واشنطن تستفيد من اقليم كردستان في مجالات متعددة، سيما وهي تعتبره “قوة عسكرية يمكنها الاعتماد عليها،” وقتما تشاء توظيفه في قضايا الاقليم. بالمقابل، رصدت واشنطن فشل تركيا وحلفاءها في “تسويق” قوى المعارضة السورية المعتدلة وحفزها للتمسك ببدائل اخرى، ابرزها التشكيلات الكردية غير المناهضة لسياساتها.
عادت واشنطن لتكرار موقفها الجلي من اقليم كردستان العراق على لسان “مسؤول سياسي رفيع،” مطلع الاسبوع، قائلا بوضوح لافت “ما استطيع البوح به اننا عملنا بشكل وثيق جدا مع قوات البيشميرغة الكردية، التي تشمل بالطبع حزب كردستان الديموقراطي والاتحاد الوطني لكردستان، ومجموعات اخرى تنشط في شمالي العراق والذين عملنا معهم لعدة سنوات خلت. كذلك عملنا مع اكراد سورية بالطبع في شمالي البلاد جنبا الى جنب تشكيلات الجيش السوري الحر، احيانا، والذين اثبتوا فعاليتهم القتالية ضد داعش. كما ان تلك العلاقة ستستمر نظرا لان جهودنا المشتركة محورها الحاق الهزيمة بداعش، الهدف المشترك بيننا، وكذلك مع تركيا.”
يتضح لكل من يراقب التطورات التركية عن كثب اليد العليا لواشنطن لما تمتلكه من اوراق ضغط ضد تركيا تحديدا، الامر الذي يعزز مصداقية تصريحات لمسؤولين الاميركيين لناحية “عدم التوصل لاتفاق نهائي” مع انقرة، مع الاقرار ان نصوص الاتفاق الجديد غير متاحة للتداول الاعلامي، مما يدل على بقاء عدد من الجوانب قيد البحث ولم يتم التوصل لحل نهائي بشأنها.
نستطيع القول ان تصريحات المسؤولين الاميركيين المشددة على “حق تركيا بالدفاع عن النفس،” ضد هجمات حزب العمال الكردستاني، يفهم منها ايضا اصرار واشنطن على طلب ضمانات تركية بعدم التعرض لمواقع الاكراد داخل سورية. بل الذهاب الى ابعد من ذلك بتحذير حزب العدالة والتنمية من الاقدام على اجراء انتخابات مبكرة “ترمي للحد من نفوذ الاكراد في البرلمان التركي،” واعتبار ذلك عنصر مفجر لقواعد الاتفاق الذي تم التوصل اليه بالخطوط الاولية.
يشير بعض المراقبين الى امكانية لجوء واشنطن للضغط على حزب العمال الكردستاني والحد من نشاطاته داخل اراضي شمالي العراق، والاحتفاظ بتواجده هناك، والتوسط ايضا لوقف الهجمات ضد القوات التركية انطلاقا من معسكراته في الاراضي العراقية.
السؤال الجوهري يبقى قائما حول مدى “استعداد” تركيا العمل وفق قواعد الاشتباك التي حددتها واشنطن، مع ادراك انقرة التام حدود قدراتها للتعامل بفعالية مع تهديدات داعش بمفردها. بالمقابل، طلب الدعم الاميركي بصرف النظر عن نطاقه وطبيعته يستدعي تقديم انقرة تنازلات معينة في المسألة الكردية. وربما لن تجد انقرة جوابا شافيا، في محصلة الأمر، ان كان مصدر الخطر الاكبر لها مصدره الاكراد ام داعش.
اطلاق سراح الجاسوس جوناثان بولارد ترضية لنتنياهو
انفرجت اسارير اللوبي “الاسرائيلي” لاعلان مصلحة السجون الاميركية موافقتها على اطلاق سراح الجاسوس جوناثان بولارد، في شهر تشرين2/نوفمبر المقبل، بعد ان امضى 30 عاما من عقوبة السجن مدى الحياة. اجمع الساسة والمراقبين على ترابط توقيت الاعلان بالاتفاق النووي مع ايران، كبادرة اميركية حسنة نحو نتنياهو واحتواء جهوده للضغط على الكونغرس برفض الاتفاق.
لم ينفك قادة الكيان عن مطالبة الرؤساء الاميركيين جميعا باطلاق سراح بولارد، والذين اصغوا لتوصيات الاجهزة الاستخبارية في اجماعها بعدم اطلاق سراحه نظرا “للضرر الذي سيلحقه ذلك بالأمن القومي” الاميركي؛ وايصال رسالة قوية لحلفاء واشنطن بعزمها على ردع اي محاولة تجسس عليها داخل اراضيها.
من مفارقات السياسة الاميركية انضمام وزير الدفاع الاسبق، دونالد رامسفيلد، الى اصوات المعارضين للافراج عن الجاسوس. يشار ايضا الى شد نتنياهو الرحال لزيارة بولارد في سجنه بعد خروجه من رئاسة الحكومة في عقد التسعينيات من القرن الماضي. كما توسل نتنياهو رسميا للسلطات الاميركية، 2011، لاطلاق سراحه. القضاء الاميركي رفض عريضة الاستجداء وابقى على بولارد وراء القضبان.
الترتيبات الاميركية اشترطت بقاء بولارد داخل الاراضي الاميركية لمدة خمس سنوات، بعد اطلاق سراحه؛ اجراء لا يحتمل التعويل كثيرا عليه، وربما ينوي اوباما احالة المسألة للرئيس الاميركي المقبل للبت بها والافراج عنه نهائيا.
جريمة بولارد: شغل جوناثان بولارد منصبا رفيعا كمحلل في جهاز الاستخبارات البحرية، مما اتاح له الاطلاع على معلومات عسكرية بالغة السرية والحساسية تتعلق باهداف عسكرية سوفياتية وضعت تحت المراقبة الاميركية، سربها بولارد لمشغليه في الاستخبارات “الاسرائيلية.” يعتقد ان “اسرائيل” ابلغت موسكو بتلك التفاصيل. كذلك استطاع بولارد الحصول على احدث نموذج “لتدوين ذبذبات اشارات الراديو،” المفصلة التي امتدت دليل من 10 أجزاء يذكر فيه بتفصيل مكثف شبكة التجسس الالكترونية الاميركية على امتداد العالم.
عند انكشاف امر بولارد، اقدم مكتب التحقيقات الفيدرالي على القاء القبض عليه وزوجته اللذين توجها للسفارة “الاسرائيلية” في واشنطن بطلب حق اللجوء السياسي. وقوبل الزوجين برفض حرس السفارة، وسرعان ما القى مكتب التحقيقات القبض على الزوجين بولارد فور خروجهما من ارض السفارة. مشغليهم “تحت الغطاء الديبلوماسي” تم تسفيرهم على الفور.
كوفيء بولارد على تجسسه بمبلغ شهري قيمته 2،500 دولار، وفق تقرير خاص اصدرته وكالة الاستخبارات المركزية في ذلك الخصوص.
عشق بولارد للمال حفزه لعرض خدماته على عدد من الدول الاجنبية، احداها كانت باكستان، عبر وسيط ثالث. ايضا اوضحت السلطات المعنية في استراليا عن عثورها على وثائق اميركية سرية في حوزة احد ضباطها مصدرها جوناثان بولارد. كما افادت الاجراءات القضائية آنذاك عن اتصالات اجراها بولارد مع وكالة استخبارات جنوب افريقيا. لائحة الاتهامات الموجهة له حينئذ اشارت الى اتصالات اجراها بولارد مع وسطاء لتسويق خدماته مدفوعة الاجر لدى “ايران والارجنتين وتايوان،” وجهات اخرى.
عند الافراج عنه، سيكون بوسع بولارد الافصاح لمشغليه في الموساد عن مزيد من الامور السرية، سيما وان المصادر والوسائل الاميركية المستخدمة في عقد الثمانينيات من القرن الماضي لا تزال ذات قيمة وفعالية بالنسبة “لاسرائيل،” او اي طرف آخر قد تختاره الاخيرة لمشاركته المعلومات القيمة.