من المنطقة العازلة إلى الغطاء الجوّي عامر نعيم الياس
دخلت تركيا «العدالة والتنمية» على خط الحرب الأميركية على الإرهاب. تقرّب الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان من الرئيس الأميركي باراك أوباما مراهناً على خلط الأوراق في المنطقة عبر الحفاظ على الغموض في ما يخص بنود الاتفاق الناظم دخول تركيا إلى قلب تحالف أوباما في المنطقة على «داعش»، لكن الغموض ومع تواتر العمليات العسكرية التركية وحجم النقاش الذي أثاره التحوّل التركي، وتأكيد غالبية المراقبين الغربيين بمن فيهم الفرنسيين على «فشل» سياسة أردوغان في سورية، دفع بالمسؤولين الأتراك إلى الخروج لتوضيح موقفهم الغامض بتبريرات ترقى إلى حدّ التناقض، وتفرغ تلقائياً الغموض الذي تريده القيادة التركية من مضمونه. فمنذ يومين، خرج رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو ليقول إن «بلاده لن ترسل قوات برية إلى سورية، ولكنها اتفقت مع الولايات المتحدة على ضرورة توفير غطاء جوي للمعارضة السورية التي تقاتل داعش». وبالتوازي مع هذا التصريح، طلبت أنقرة من حلف الأطلسي عقد اجتماع للتشاور حول التوتر مع الكرد وانضمامها إلى التحالف الدولي لمحاربة «داعش»، فإلامَ يؤشّر هذا التخبط التركي، وما الهدف من التواتر السريع للمصطلحات الخاصة بتحييد منطقة سورية عن ساحة العمل العسكري للدولة السورية أقلّه إعلامياً؟
حسناً فعل داود أوغلو بالإشارة إلى ثابتين. الأول، عدم إرسال قوات برّية إلى سورية. والثاني، الحديث عن «توفير الغطاء الجوّي». فما ذكره يؤكّد على أن الأمور في سورية بالنسبة إلى التدخل التركي حصراً وسياسات التحالف الذي يقوده البيت الأبيض لم تتغيّر. فإرسال قوات برّية على الأرض غير مقبول لا أميركياً ولا أطلسياً، وهو خط أحمر يبدو أن أنقرة مضطرة للالتزام به. كما أنّ الغطاء الجوّي لقوات التحالف ممثلاً بالضربات الجوّية التي مكّنت الأكراد على سبيل المثال من تحرير عين العرب من قبضة «داعش» ليس بالأمر الجديد. وهذه الضربات تحديداً وغيرها التي يعلن عنها التحالف بشكل يومي لا تجري من دون التنسيق مع الحكومة السورية، وإلا ما هو تفسير عدم وجود أي حادثة تصادم أو تعارض بين الطلعات الجوّية للطيران الحربي السوري وتلك التي تقوم بها قوات التحالف الأميركي فوق المناطق السورية التي تقع تحت سيطرة تنظيم «داعش» الإرهابي؟ وما هو تفسير ما رشح فور إعلان الأتراك عن بدء عملياتهم العسكرية فوق سورية من وجود توجيهات واضحة من القيادة السورية باستهداف أي طائرة معادية تدخل المجال الجوّي السوري.
الواضح أن ما ضُخّم في الإعلام والدعاية المضللة حول منطقة حظر الطيران أو المنطقة الآمنة تمّ تقليصه تلقائياً على لسان المنظر الأبرز للسياسات التركية العدوانية أحمد داود أوغلو إلى «توفير الغطاء الجوّي». بينما رهانات الرئيس الإخواني في سورية لا تبدو في حال أفضل من حيث المصير برهاناته العلنية السابقة والتي تمَّ التراجع عنها بين ليلةٍ وضحاها لمصلحة الخيارات الأميركية ومواجهة الانقلاب الداخلي والإقليمي في وجه حزب «العدالة والتنمية» الحاكم في تركيا.
لا منطقة آمنة في سورية. بل محاولةٌ تركية لحفظ ماء الوجه عبر الترويج لصفقة واتفاق لا يبدو إن وُجِدا أنهما يشملان مراعاة أيّ طموح لأردوغان في سورية.
(البناء)