ثلاث كذبات: ناحوم برنياع
التزييف 1. مع مرور عشر سنوات على فك الارتباط عن قطاع غزة، عاد مرة اخرى إلى رأس جدول الاعمال ألم المخلين. ودرءاً لكل خطأ: الألم حقيقي. فعندما يفقد الناس مكان سكنهم، حياتهم الاجتماعية بل واحيانا مكان عملهم بسبب قرار يتخذ في مكان ما فوق، خلافا لإرادتهم، تتفطر قلوبهم. الانتقال باعث على الصدمة؛ اعادة التأهيل تنطوي على الآلام.
يستحقون التعاطف ـ بحر من التعاطف. ولكن مع كل الاحترام لألمهم، فإنه لا يؤهل تزييف الحقائق. ديماغوجيا سياسية، ضحالة إعلامية. يمكن الجدال إذا كان صحيحا ان يبقى الجيش الاسرائيلي في الجيوب التي كان فيها أم لا، إذا كان ينبغي للانسحاب ان يكون جزئيا ام مطلقا، ولكن ما كان يمكن الاحتفاظ للمدى البعيد، فما بالك تبرير وجود حفنة مستوطنات أو فيلل، بأقل من 8 الاف نسمة، في قلب سكان مكتظين، فقراء، معادين. في هذا الشأن شارون محق.
الحكومة والكنيست حاولتا التعلم من دروس الاخلاء السابق، لفك الارتباط عن سيناء. وكان التعويض يريد أن يكون سخيا، بسيطا، قابل للتنفيذ؛ وإعادة التأهيل أن تكون سريعة. التجربة فشلت. المسؤولون الأولون عن الفشل كانوا سياسيي اليمين، أسياده المخلين. فقد آمنوا بأنهم ملزمون بتخليد اللجوء ورفع الثمن المالي له. وهكذا يحبطون مسبقا اخلاء المستوطنات في الضفة.
الثمن الاولي للتعويضات كان 2.5 مليار شيكل. وعندما وصلت الرزمة إلى الكنيست، ازدادت إلى 4.4 مليار ـ وعندما ازدادت اكثر. دولة اسرائيل أنفقت حتى اليوم بين 10 إلى 12 مليار شيكل، ولا تزال اليد ممدودة.
خلافا للنية الاولية، اقيمت مستوطنات زائدة، بنفقات عليا. كل مخلي، حتى الرضيع في مهده، وكذا مستأجر الشقة التي نزل فيها حديثا، كلف بالمتوسط مليون حتى مليون ونصف شيكل. المفدال، اليوم البيت اليهودي، حرص على ان يمنع المرة تلو الاخرى اغلاق المديرية. المخلون سيكونون لاجئين إلى الابد، مثل لاجئي فلسطين. الاخلاء كان طردا، انتقال السكن صار نكبة، والتاريخ أوبيرا صابون. على هذا التزييف للضحية سنربي الاجيال التالية.
التزييف 2. دائرة الاستيطان ولدت كبنك سري لتمويل المستوطنات في الضفة. المال جاء من الحكومة، ولكن العمل تم تحت كنف الهستدروت (اتحاد نقابات العمال) الصهيوني، بلا رقابة، بلا شفافية. بعض من المال أفرز للبلدات في المحيط. وكانت هذه مناورة ذكية، إذ هكذا ضمن لوبي المستوطنين الدعم، او على الاقل غض النظر، للوبي الاستيطاني باكمله.
عدد من التحقيقات ـ بعضها صدر بتوقيعي ـ كشفت النقاب عن حجوم الفضيحة. ضمن امور اخرى، مولت الدائرة للوزير اوري ارئيل انويته التوراتية، بينها نواة تعمل في حي فاخر في تل أبيب. في اثناء ولاية حكومة نتنياهو السابقة اتخذت خطوات لاصلاح الوضع. اما حكومة نتنياهو الحالية فتعتزم تأطير مكانة الدائرة في القانون.
لقد طرحت المسألة على البحث في كتلة العمل. النائبة ستاف شابير، التي قاتلت ضد الدائرة في الماضي، حاولت ان تجند إلى كفاحها الكتلة كلها. وعلى الفور قام عليها ايتان بروشي من الكيبوتسات وداني عطر من الموشافات. وقام آخرون. فكي يواصلوا تلقي الصدقات التي توزعها الدائرة على بلداتهم، فانهم مستعدون لان يؤهلوا كل الفساد. لماذا تصفى الدائرة، سألت عضو بارزة في الكتلة. لنسيطر عليها، والمال يكون لنا.
لحزب العمل توجد مشاكل في الهوية. 85 سنة مرت منذ تأسس، وهو لا يزال يتمزق بين رغبته في خدمة الدولة واحتياجات الهيئات الاقتصادية المرتبطة به. ذات مرة كانت هذه صندوق المرضى والهستدروت؛ اما اليوم فالكيبوتسات والموشافات. ذات مرة كان هذا مالا كبيرا؛ أما اليوم فبالكاد فتات.
التزييف 3. في تشرين الثاني ستمر 30 سنة على حبس جونتان بولارد. من كل ناحية انسانية حان وقته للتحرر. ينبغي الامل الا يقوم في جهاز الاستخبارات الأمريكية محفل يحاول عرقلة تحريره. سيكون هذا شريرا وزائدا.
بولارد لم يكن جاسوسا اسرائيليا: كان خائنا أمريكيا. فقد خان بلاده لمبررات مختلفة، ليست جميعها طاهرة، وعرض خدماته على عدة دول، ليس فقط اسرائيل. على الرغم من ذلك لا يمكن للاسرائيليين ان يتعاطوا مع مصيره بعدم اكتراث. فقد عمل بتكليف من حكومة اسرائيل ودفع لقاء ذلك ثمنا باهظا. دفع ثمنا آخر بسبب السلوك الكاذب للحكومة بعد أن قبض عليه.
بولارد ليس بطل اسرائيل. هذا تزييف مصدره يعود إلى المصالح السياسية. ليست الدوافع اللاسامية هي التي أدت إلى ادانته وطول مدة حبسه، بل افعاله. ليس لموعد تحريره أي صلة بالاتفاق مع إيران. وليس صدفة ان طرحت هذا الزعم محافل ترغب في احراج الادارة: في السجون في إيران يوجد أمريكيون. فكيف يحصل، كما تسأل هذه المحافل، ان يحرر اوباما بولارد، ولكن ينسى ان يطلب من الإيرانيين ان يحرروا في اطار الصفقة مواطني بلاده.
يديعوت