مقالات مختارة

الأكراد وتركيا: تسفي بارئيل

 

يقول الشاب الكردي المبتسم والذي طلب عدم الافصاح عن اسمه «ليس لدي شك ان الاتراك علموا ان عملية تفجيرية ستحصل هنا، وانني واثق انهم كانوا قادرين على منعها، وطالما لم يقومو بمنعها ـ فإنهم راغبون بحدوثها). بهذا الحديث تطرق الشاب إلى العملية الانتحارية الفظيعة التي وقعت قبل اسبوع في المركز الثقافي «عمارة» في مركز مدينة سوريتش، المحاذية للحدود السورية.

يتساءل الشاب الكردي» انا اسكن بالقرب من المركز الثقافي. في صبيحة يوم الاثنين، وقبل ساعات من الانفجار رأيت حشدا من الجنود. وهذا امر غير اعتيادي بالنسبة لهم في ان يتجمعوا في مركز المدينة، بشكل عام هم موجودون على بعد عدة كيلو مترات إلى الجنوب على التلال، تحديدا بالقرب من البلدة السورية كوباني. فلماذا احتشدوا تحديدا بالقرب من المركز الثقافي؟».

وحسب الشاب، «الجنود على ما يبدو قد علموا انه سيجري هنا تجمع كبير من المتطوعين الاكراد الذين خططوا للذهاب إلى كوباني للمساعدة في إعادة الاعمار. فقد شاهدوا جميع من دخل إلى الساحة الكبيرة وامكنهم ان يميزوا كل من دخل مع حقيبة على ظهره بأنه غريب. هل يجرؤ من كان يخطط للقيام بعملية على الدخول إلى مكان يعج بالجنود وافراد الشرطة؟» في وقت لاحق سارع حاكم الاقليم للتوضيح انه «لم يتلق اي معلومات استخبارية مسبقة عن النية بوقوع عملية». تم مقتل 32 شخصا اغلبهم من الاكراد في هذا الاعتداء الإرهابي، وفي يوم السبت، بعد اربعة ايام من وقوع الحادث الاجرامي، ما زال المحليون يعملون على تنظيف المكان من الشظايا. تقول فينار، الطالبة في كلية العلوم السياسية والمتطوعة في المركز: «يقولون ان تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) هو المسؤول عن العملية، ولكنني لا اصدق هذا».

تحت شجرة كبيرة وضعت جثث الضحايا اسفلها، وضع اصدقاءهم اصص الورد ـ كنصب تذكاري للاموات. كرة قدم جديدة، اكياس نايلون كانت ملفوفة بها كؤوس البطولة، اقلام رصاص ملونة، دمى صغيرة وكراسات رسم تحولت إلى تذكارات للمعزين. وعلى الشجرة تم تعليق لافتة من القماش وضعت عليها صور الضحايا، وبالقرب تم وضع شريط تستخدمه الشرطة للدلالة عل مكان الحادث. وتوقف المارون من المكان والقوا نظرة خاطفة قبل ان يستمروا في طريقهم. يقول اجزور سيريار، صاحب شركة مقاولات وصل إلى المكان مع زوجته وطفليه لاحياء ذكرى الضحايا: «من المحزن ان ترى كيف اننا ننسى في لحظة واحدة المآساة التي وقعت هنا ونستمر في حياتنا». وعرض سيريار خدماته للمساهمة في إعمار كوباني، ولكن تركيا رفضت العرض.

الشاب الكردي الذي طلب مخاطبته بالاسم المستعار حسن والذي اصيب يوم الحادث، تحدث عن الغاز المسيل للدموع الذي اطلقته الشرطة في المكان على المتظاهرين الذين تظاهروا ضد الحكومة، وقال: «تنشقت الغاز المسيل للدموع ولغاية اليوم لم اتعافى». وعلى الرغم من ذلك وافق حسن على ان يرشدنا إلى طريق الحدود وموجها نصيحته لنا بعدم الظهور عند التقاط الصور. «الاتراك يكرهون الصحافيين والاكراد يشتبهون بالغرباء الذين يعملون في خدمة الحكومة. اذهب وسترى مدى تلهف الجنود على عملية القنص» بهذه الكلمات اوضح حسن اسباب الحذر عند القيام بالتصوير.

من اجل رؤية كوباني من الحدود التركية فانت لست بحاجة إلى منظار، فالبلدة تقع على مرمى حجر من الحدود المغلقة.

المدينة التي كان يقطنها حوالي 50 الف نسمة، لم يتبق بها الآن سوى اقل من 20 الف نسمة. وتسيطر عليها حاليا قوات الحماية الشعبية الكردية والجيش السوري الحر. قربها من الحدود التركية هو الذي اجج غضب الاكراد تجاه الحكومة الكردية. فالقوات التركية التي اشتملت على دبابات كانت متواجدة على بعد مئات الامتار من البلدة عندما اقتحمها افراد داعش واستولوا عليها في العام الماضي، حيث قتلوا الآلاف من سكانها وهدموا بيوتها. يقول حسن: «الجنود الاتراك لم يجلسوا هنا ليدخنوا السجائر فقط وكأن شيئا لم يحدث امامهم، بل انهم لم يسمحوا للقوات الكردية من الجانب العراقي او المتطوعين الاكراد من تركيا بأن يجتازوا الحدود لمساعدة سكان كوباني»، مضيفا، «فقط الضربات الجوية للولايات المتحدة هي التي رجحت الكفة في النهاية». من الممكن تفهم الغضب الكردي، ولكن الحقائق مختلفة. فتركيا كانت جاهزة في اعقاب الضغوط الكبرى، بأن تسمح لمقاتلي البشمرجة من العراق لاجتياز الحدود، ولكن الاكراد السوريون رفضوا اقتراح المساعدة. وتخوفوا من ان يسيطر الاكراد العراقيون على كوباني ويطردوا منها لجان الحماية الشعبية ـ القوات المسلحة ـ للاكراد السوريين. والان يتخوف الاتراك من نهضة كوباني وبان تصبح عاصمة لاقليم كردي مستقل في المساحة المشتركة بين تركيا وسوريا.

تركيا لا ترى ان هناك فرق بين قوات الحماية الكردية في سوريا وبين «حزب العمال الكردستاني»، الذي يعتبر تنظيما إرهابيا. ووفقا لذلك فقد تحولت انقرة إلى عرضة من سلسلة من التفجيرات الاخيرة ـ تفجير سورتش واعتداء اضافي سلب حياة ما لا يقل عن ثلاثة من افراد الشرطة التركية ـ لذا فإن لاطلاق العمليات العسكرية اهداف مزدوجة، ضد الدولة الإسلامية وضد من تعتبرهم إرهاب كردي. ويبدو ان تركيا استنسخت شعار نتنياهو ان داعش هو حزب العمال الكردستاني، وحزب العمال الكردستاني هو داعش.

تقسيم الجبهات الذي تمارسه تركيا حاليا لا يقل اهمية. ففي سوريا يهاجم سلاح الجو التركي قواعد الدولة الإسلامية وفي العراق تعمل تركيا ضد حزب العمال الكردستاني. هذا تقسيم مصطنع، فلحزب العمال يوجد قواعد في سوريا ايضا، والدولة الإسلامية تسيطر على مساحات شاسعة في العراق. وهذا ما يبدو ما اتفقت عليه انقرة مع واشنطن. التي ترى باكراد سوريا حلفاء في محاربة الجهاديين، ولذا فهي لا تسمح لتركيا بالعمل ضدهم.

اما بالنسبة لحزب العمال الكردستاني في العراق ـ فتركيا تقوم بتسويق موقف مفاده ان حكومة اقليم الحكم الذاتي الكردي في العراق يدعم محاربة حزب العمال، وعليه فلا خوف من ان يمس العمل ضد «الإرهاب الكردي» في العراق بتعاون الاكراد في محاربة الدولة الإسلامية. بدليل، ان رئيس الحكومة التركية اوغلو، اقتبس من مكالمته الهاتفية مع رئيس الاقليم الكردي مسعود برزاني، وقال ان «برزاني اعرب عن تضامنه مع الاعمال التركية ضد الإرهاب». الا ان برزاني اعلن فورا بعد ذلك انه اعرب لاوغلو «عن قلقه من التصعيد وان الحل السياسي وحده هو الذي سيؤدي إلى الهدوء».

ما هو صحيح لغاية الآن، ان تركيا لا تتأثر من الانتقادات الكردية وان طائراتها اغارت نهاية الاسبوع الماضي على اهداف لحزب العمال الكردستاني داخل الاراضي العراقية. للحظات يبدو ان الهجمات التركية على الجهاديين في سوريا هي غطاء لاهدافها الحقيقة: تدمير الاهداف الكردية. وبين كل غارة وغارة تنهار عملية السلام بين الاكراد وانقرة، و»فصل الصيد» التركي افتتح من جديد. من بين مئات المشبوهين الذين تم اعتقالهم خلال الايام الاخيرة يوجد إلى جانب النشطاء المعروفين في تنظيم الدولة الإسلامية نشطاء اكراد ايضا، وليس جميعهم افراد بارزون في حزب العمال. وفي المقابل فإن المخاوف تتعاظم من احتمال تزايد الاعمال التفجيرية للجهاديين ولحزب العمال الكردستاني في انحاء تركيا.

غيوم التوتر السياسي والعسكري تتلبد فوق انقرة وتصل إلى الخيم العملاقة المنصوبة في مدينة اللاجئين القريبة من سورتش. فحوالي 35 الف شخص محتجزون في هذا المعسكر. «فالحكومة تتخوف انه في حال السماح للاجئين بالخروج فإنهم سوف يتظاهرون ضدها وتبدأ الاضطرابات»، هذا ما يفسره ايمن، الكردي ابن مدينة سورتش. ووفقا لاقواله «غضب الخيام هائل. جميع اللاجئين هنا هم اكراد من منطقة كوباني، ممن شاهدوا وسمعوا الانفجار في المركز الثقافي، وعلى علم بالغارات التي يشنها الاتراك على قواعد الاكراد في العراق».

ايمن، الذي لا يتردد بالقول انه معجب بزعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله اوجلان، يضيف «نعم نحن مشكورون لتركيا لانها منحتنا لجوءا على اراضيها، ولكننا لن نغفر لها عندما ادارت ظهرها لنا عندما هاجم الجهاديون كوباني. وبالحقيقة فنحن الاكراد في تركيا لا يمكننا ان نغفر لها ايضا. فجأة اكتشفوا الدولة الإسلامية؟ اين كانوا كل هذه السنوات التي عمل بها الجهاديون ضد الاكراد. ومن الذي سمح للتنظيم بالعبور من تركيا إلى الاراضي السورية، وكيف علموا فجأة من هم نشطاء داعش المتوجب اعتقالهم؟ لماذا لم يعتقلوهم مسبقا، وكم منهم لم يتم اعتقالهم لان الحكومة كانت تدافع عنهم؟».

هآرتس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى