سوريا وإيران وحزب الله
غالب قنديل
تتخبط آلة الإعلام السعودية القطرية ومجموعات الكتاب والوسائل الإعلامية المرتبطة بها خصوصا في لبنان في التعامل مع مرحلة ما بعد الاتفاق النووي الإيراني فبعدما شرعت تترنح الرهانات على فرص نقض الاتفاق او تعطيله داخل الكونغرس وبانكشاف تناغم ذلك الطابور الإعلامي ومشغليه مع اللوبي الصهيوني وبنيامين نتنياهو تركزت جهوده مؤخرا على بث أوهام وتخيلات تتعلق بمستقبل العلاقات بين إيران وكل من سوريا وحزب الله والتشكيك بثباتها والإيحاء بمساومات إيرانية تطال شريكيها الكبيرين.
أولا سبق للجوقة نفسها ان راهنت على بذر الشقاق داخل هذا الحلف في مراحل شهدت تباينات فعلية بين دمشق وطهران او تمايزات جدية بين موقفي حزب الله وكل من الجمهورية العربية السورية والجمهورية الإسلامية الإيرانية وفي مسائل شديدة الحساسية والدقة ولكن تلك المراهنات سقطت وصمد محور المقاومة وهو فاعل بقوة في خلفية الانتصار الإيراني على الحصار والتهديد الذي توج بالاتفاق النووي من موقع القوة .
يذكر المتابعون أنه في تسعينيات القرن الماضي وعندما انطلقت مفاوضات مدريد بمشاركة سورية كان موقف كل من إيران وحزب الله رافضا للمبدأ وانطلقت مراهنات على تفكك التحالف الذي قام بين دمشق وطهران منذ انتصار الثورة وسرت مراهنات موازية على صدام بين حزب الله والدور السوري في لبنان ودبرت مؤامرات خبيثة ومدفوعة كان منها زج الجيش اللبناني في التصدي لمتظاهري جسر المطار ضد اتفاق أوسلو المشؤوم كما تلاقت جهود أميركية سعودية صهيونية على اختبار الفرصة خلال العدوان الصهيوني على لبنان في تموز 1993 وأسقطها العماد إميل لحود قائد الجيش اللبناني الذي احتضنه الرئيس الراحل حافظ الأسد ليحميه من بطش المتورطين اللبنانيين الذين حاولوا الإطاحة بلحود واستبداله عقابا على حماسه لحماية المقاومة وتوثيق التنسيق بينها وبين الجيش.
رغم استمرار التفاوض في مسارات مدريد وبعد تلك المحطة بثلاث سنوات وقعت حرب صهيونية واسعة في نيسان 1996 وظهر في إدارتها السياسية حجم التناغم والتطابق بين سوريا وإيران وحزب الله وأملى الرئيس الراحل حافظ الأسد نص التفاهم الذي انتزع الاعتراف بمشروعية المقاومة ومهد الطريق امام إنجاز التحرير الكبير في العام 2000 وبنتيجة التفاوض مع الجانب الأميركي وفي ظل قطيعة شاملة بين طهران وواشنطن.
ثانيا تتجه العلاقات داخل هذا الثلاثي التحرري الاستقلالي نحو مزيد من الوحدة والتناغم منذ حرب تموز 2006 وقد سجلت نقلات هامة اندماجية ونوعية في مجابهة العدوان الاستعماري على سوريا والحقيقة التي يتجاهلها الحمقى هي ان اختبارا صعبا اجتازه الحلفاء سوريا وإيران وحزب الله بعد احتلال العراق وقد تباينت المواقف والتقديرات بالفعل لكن صلابة الحلف وتحول الأداء نحو التناغم رغم التباين حقق تكاملا جديا في الاداء لصالح تعميق المأزق الأميركي في العراق وهذا ماحصل وبرزت نتائجه في غضون الأشهر الأولى بعد الغزو وتحولت وقفة الرئيس بشار الأسد في وجه كولن باول إلى امثولة يتفاخر بها محور المقاومة امام العالم ويذكر المتابعون أيضا ان حزب الله وسوريا ركزا الجهود على دعم فصائل المقاومة العراقية التي قاتلت الاحتلال بينما استثمرت الجمهورية الإيرانية على مساحات الحراك السياسي والشعبي في العراق بجميع تلاوينها وأقامت علاقات وثيقة مع جميع الأجنحة والتكتلات السياسية والعسكرية العراقية وظهرت تباينات في تقدير الموقف في العراق داخل محور المقاومة لكنها لم تعطل التنسيق والعمل المشترك ولم تمنع المراجعة المستمرة لعناوين التباين والاختلاف في التقدير وعلى سبيل المثال جرى في مداولات المحور بعد ظهور داعش وانفلاشها في الموصل نقد ذاتي لبعض الثغرات ووجوه الخلل التي نبهت سوريا من خطورتها مبكرا عندما حذرت من تهميش كتل هامة من الجيش العراقي ومن قانون اجتثاث البعث ومن بعض السلوكيات المذهبية الانتقامية والمتوترة التي سبق كذلك لحزب الله أن حذر منها وأدانها بلسان أمينه العام وبقي التداول بها في الكواليس الإيرانية المشتركة مع الحليفين.
ثالثا تدرك القيادة الإيرانية ما لشريكيها المهمين سوريا وحزب الله من فضل في تحقيق إنجازها الثمين وهي تتصرف على هذا الأساس فالقاصي والداني يعرف ان صمود حزب الله في حرب تموز 2006 أسقط مشروعا كبيرا للعدوان على إيران وان صمود سوريا وانكسار ضربة اوباما في أيلول 2013 أرغم الإدارة الأميركية على سلوك طريق التفاوض السلمي حول الملف النووي الإيراني وليس ذلك التزامن بين الحدثين أي تراجع الضربة وتفاهم جنيف الذي أطلق التفاوض بين إيران ومجموعة الخمسة زائد واحد مجرد مصادفة فلو ترنحت سوريا والمقاومة عام 2006 كانت إيران ستتعرض لغزو عسكري أميركي اطلسي واسع تدفع نفقاته ممالك ومشيخات الخليج ولو انهارت سوريا عام 2011 كما توهم المخططون الأميركيون لكانت الحرب الكبرى واقعة لامحالة على إيران ولغايات أبعد من قصف منشآتها النووية وتدميرها كليا .
من بديهيات الشراكة ان تكون العائدات السياسية والاستراتيجية والاقتصادية لرفع الحصار عن إيران والاعتراف بقوتها الفاعلة إقليميا ودوليا ذات مردود مهم يضاعف من قوة محور المقاومة مجتمعا وينعكس عمليا على قوة وفاعلية كل من سوريا وحزب الله وحتى السذج باتوا يعرفون ان الولايات المتحدة بجلها وجلالها الإمبراطوري لم تستطع انتزاع تنازل واحد من إيران يتعلق بسوريا او بحزب الله أو بقضية فلسطين وهي لن تستطيع لأن القيادة الإيرانية لا تفرط بشركاء المصير وقد عطلت جميع محاولات ربط ملفها النووي بقضايا المنطقة الأخرى لهذه الغاية وهذا ما اخرج إسرائيل من خلفيات وحسابات التفاهم النووي ومنع المفاوض الأميركي من تحقيق اي خلخلة في موقف طهران الصلب الداعم للرئيس بشار الأسد وللجمهورية العربية السورية ولحزب الله بقيادة السيد حسن نصرالله كما ان التجربة برهنت على أن إيران التي فرضت ندية مطلقة على مفاوضيها لم تفرط بحلفها مع روسيا والصين ودول البريكس وغيرها كما روجت تلك الأبواق لسنين طويلة بل إن علاقات إيران وتحالفاتها تعززت إقليميا ودوليا وستشتد قوة خلال الفترة المقبلة لأن إيران القوية المستقلة ثابتة على مبادئها ومدركة لعناصر قوتها التي فرضت على الغرب التراجع ولذلك لا يقاس سلوكها بعقلية من يصيبهم انهيار عاطفي وشلل نصفي بمجرد تلقي اتصال من مسؤول أميركي من الدرجة العاشرة !