السيّد الرئيس ثريا عاصي
تتعرض سوريا لحرب عدوانية تشنها جميع الدول التي أعلن الناطقون باسمها صراحة، بالفم الملآن، انها تقيم على أرضها معسكرات تستقبل المتمردين السوريين والمقاتلين الأجانب المرتزقة، حيث يتلقون التدريب العسكري تحت إشراف خبراء محليين وغربيين قبل إرسالهم إلى سوريا إمداداً للجماعات الإسلامية الإرهابية.
يصير الرئيس في زمن الحرب قائداً سياسياً وعسكرياً في آن، من المفيد أن يشعر الجندي بحضوره الدائم، وأن يقرأ باستمرار ما يدور في خلده. يحتاج الوطن في الظروف القاسية إلى الحقيقة يستنير بها. إن مصداقية القائد الذي لا يبارح الميدان كبيرة. يتحول كل مواطن أيضاً أثناء الحرب، إلى جندي.
هذا ما حملني على الإستماع بعناية إلى خطاب الرئيس السوري في 26.07.2015. أنا على يقين من أن الجندي السوري كمثل المواطن، ينتظران بين الفينة والفينة، في أوقات متقاربة، خطاباً من قيادتهم توضح لهم حقيقة الأوضاع والمعطيات المستجدة في ميادين القتال وفي أروقة السياسة والديبلوماسية. كل سوري مسؤول ومعني في زمن الحرب. يتوقف مصير سوريا في ظروف الحرب، على إلتزام السوريين الوطني وعلى وعيهم بما يحاك لهم ولبلادهم. يقتضي ذلك إطلاع السوري على الحقيقة ليحدد بنفسه ما يتوجب عليه إنسجاما مع ضميره وأخلاقه وإنتمائه الوطني، وخدمة لمصالحه ولمستقبل بنيه من بعده. التغلب على الصعاب يتطلب الإتحاد، والإتحاد ينبني على التفاهم والمساواة والإحترام والإعتراف بالكفاءات!
إستوقفني في خطاب الرئيس تشخيصه الدقيق للدور الذي يؤديه المستعمرون في الغرب تأجيجاً لنار الحرب والفتنة في بلادنا، بواسطة جماعات الإرهابيين المتوحشة من جهة والعملاء «الصغار» ذوي التبعية المعروفة للخارج من جهة ثانية الذين انتحلوا النضال من أجل الحرية والديموقراطية، وادعوا تمثيل الناس وهم لا يمثلون أحداً.
في الخطاب إعتراف ضمني بأن إرهابيين سوريين يقاتلون ويقومون بتخريب منهجي في بلادهم تحت إشراف المستعمرين الغربيين، بمعاونة «إخوتنا من العربان» الذين ظنوا إنهم سوف ينجون بأنفسهم من شر المستعمرين المتربصين بهم أيضاً، على حساب الدول التي حملت دائماً لواء العروبة وحاولت التصدي لمقاومة النفوذ الإستعماري والأمبريالي على المنطقة العربية، بالحد الذي كانت تسمح به في كل مواجهة، قدرات هذه الدول النامية وبعد نظر قياداتها.
خلاصة القول إن للعدوان على سوريا وجهين : وجه «العملاء الصغار» التافهين والإنتهازيين ووجه ثان يتمثل بالجماعات الإرهابية الوهابية. ينبني عليه أننا في المنطقة العربية حيال مسألة مزمنة، هي بالمعايير الأخلاقية والوطنية والإنسانية والمبدئية مثيرة للإستغراب.
ليس من حاجة في رأيي إلى البسط والتوسع من أجل إثبات وجود عملاء للحكومات الفرنسية والأميركية والتركية، في الهيئات التي تزعمت سياسياً وعسكرياً ما يسمى «بالثورة» السورية (زيارة السناتور الأميركي ماكين، الإرتماء في أحضان الإشتراكيين الفرنسيين، وفي أحضان العثمانيين الجدد). بكلام أكثر وضوحاً وصراحة، كيف ننظر إلى مثقف سوري يستقوي بدولة كمثل الولايات المتحدة الأميركية، أو يضع يده بيد ناشط فرنسي مثير للجدل لعب دوراً مشبوها في الفاجعة الليبية. لا سيما أن العرف المعمول به في البلاد الأوروبية لا يسمح على الإطلاق بالإستعانة بقوى أجنبية في الصراع السياسي الداخلي. بالمقابل، إن حكومات هذه البلاد الغربية، تدعي أحقية الوصاية على الشعوب، والتدخل في تقرير مصيرها. فتحاول أن تفرض بجميع الوسائل العملاءَ حكاماً في بلادهم الأصلية. لا جدال في أن هذا يدل على طبيعة السياسة الإستعمارية العنصرية المتغولة، التي لا يجهلها بالقطع العملاء!
أما مسألة الإرهاب الوهابي الذي يُحشِّد له «أخوتنا العربان» الغوغاءَ للإنضمام إلى جماعاته، فإنها تحتاج إلى تفاصيل لا يتسع هذا الموضع لها. أكتفي بالقول أن الديمقراطيات الأوروبية تنتج هي أيضا إرهابيين، وأن الأخيرين يتنقلون بسهولة ويسر، أمام أعين المخابرات، بين الدول الأوروبية وبين سوريا مروراً بتركيا. هذا من ناحية، أما من ناحية ثانية، فإن بروز وتكاثر الجماعات الإرهابية الإسلامية يضعاننا حيال قضية جوهرية، هي شرعية ممارسة السلطة باسم الدين. جاء الزرقاوي إلى العراق وأعلن نفسه أميراً للمؤمنين ودعا إلى مطاردة المشركين والمرتدين، بعد أن جند أنصاراً له. فلقد كان يملك المال السلاح اللازم لذلك. ثم جاء البغدادي من بعده وادعى أنه خليفة. فإذا به يملك جيشاً ومدرعات وصواريخ ومدفعية ثقيلة، ومعامل تصوير سينمائي. أي إنسان يستطيع اليوم أن يعتدي باسم الدين، على فتاة في الجزائر بحجة أنها سافرة أو انها ترتدي فستاناً أو تنورة!
إن انتصار السوريين يعني إنكسار المستعمرين الأمبرياليين والإستيطانيين. يعني أيضاً سقوط الخيانة والوقاحة. وقاحة الإنتهازيين الذين يدعون كذباً وافتراءً أنهم يحوزون تارة على وكالة من الخالق ليحكموا بين الناس، وتارة أخرى على تفويض من الناس لإرضاء وإشباع المستعمر! إن انتصار سوريا في هذا الزمان كمثل انتصار الجزائريين على الإستعمار الإستيطاني!
(الديار)