«رسالة حازمة» لمواجهة «العبث» السعودي : «لا تجربونا» ابراهيم ناصر الدين
اذا كانت السعودية غير راضية عن الاتفاق النووي الايراني مع الغرب، فهذا ليس شأننا، «وعمهلها لترضى»، ولكن عليها ان لا تجرب التعويض على الساحة اللبنانية. هذا باختصار فحوى الرسالة البليغة للامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الى تيار المستقبل، «لا تقعوا مجددا ضحية قراءة سعودية خاطئة لن توصل البلاد الا الى الحائط المسدود، فما بعد اتفاق فيينا هو كما قبله بالنسبة الى حزب الله غير الراغب في تجيير الانتصار الايراني الى مكاسب داخلية لا يطمح اليها، لكنه في الوقت نفسه لن يسمح للفريق الذي خسر رهانه بان يحقق مكاسب ليست من حقه، كما انه لن يسمح لهذا الفريق بان يسلب حقوق حليفه «البرتقالي» دون اي مسوغ شرعي او قانوني». هي دعوة لتجنيب لبنان «عاصفة الجنون» السعودي الموقت، فبعد حين سيعود الجميع للتفكير بعقل هادىء وبواقعية سياسية ستفضي في النهاية الى ترتيب اوضاع المنطقة وفقا لموازين القوى الجديدة من خلال ممر الزامي يقر بموقع ايران الاقليمي. فلماذا ادخال لبنان في مغامرة جديدة محفوفة بالمخاطر؟ انها دعوة الى الفريق الاخر بضرورة التواضع وعدم الانصياع الى رغبة سعودية تقضي باثارة «العواصف» الداخلية لارباك حزب الله بهدف التعويض عن خسارة فيينا ! فما هي المؤشرات التي دفعت السيد نصرالله الى اطلاق هذا التحذير؟
اوساط بارزة في 8 آذار ترى ان السيد نصرالله قطع الطريق على تيار المستقبل الذي حاول الاستفادة من «دخان» حريق النفايات للتسديد في مرمى الحزب وتحميله تبعات الازمة السياسية في البلاد، فحزب الله يدرك ان ازمة النفايات مفتعلة، جزء منها فساد و«سرقة»، والجزء الاخر «خبث» سياسي اراد منع «التيار الازرق» ترويض التيار الوطني الحر واجهاض تحركه السياسي والشعبي، وتمييع مطالبه من خلال افتعال ازمة كان يمكن تفاديها. فالمشكلة من «الفها الى يائها» يتحمل مسؤوليتها الفريق الاخر، ولو كانت النوايا «صافية» لكانت «المونة» المستقبلية على النائب وليد جنبلاط، ساهمت بتمديد العمل بمطمر الناعمة اسبوعين اضافيين، ولو ان تيار المستقبل يريد تجنب الازمة لكان ساهم في دعم خطط وزير البيئة محمد المشنوق قبل تفاقم المشكلة، وهذا ما حصل خلال الساعات الماضية بعد ان اكتشف هذا الفريق ان «السحر بدأ ينقلب على الساحر»، فافتعال المشكلة كان يهدف من جهة الى تجاوز مطالب عون الحكومية، ومن جهة اخرى كانت ثمة محاولة لاستدراج مناصري الفريق الاخر الى الشارع في ازمة مفتوحة كان مقدراً لها ان تربك جمهور المقاومة، لكن هذا الفريق كان «اعقل» من الوقوع في الفخ ونجح في ضبط شارعه بطريقة مثالية، في المقابل كانت وطأة الازمة في بيروت اكبر من مثيلتها في الضواحي، ما استدعى تراجعا في رهان هذا الفريق على «الزبالة». فالرئيس تمام سلام لم يعد قادرا على تحمل «ظلم ذووي القربى»، ووصلت شرارة الحريق الى طرف «ثوب» التيار «الازرق» فاقتضى الامر التراجع وولد الحل المبتكر ليلا .
هذا العبث بالاستقرار الداخلي دفع السيد نصرالله الى الخروج عن صمته والحديث دون «قفازات»، لاعادة تصويب «البوصلة» نحو مكمن «العلة»، فكل «الشرور» تأتي من تعنت «التيار الازرق» الرافض لاعطاء مكون اساسي حقوقه الشرعية، «ونقطة على السطر»، واي كلام حول مسؤولية التيار الوطني الحر عن التعطيل ودعم الحزب له في هذا السياق، مجرد «ذر للرماد» في العيون، تؤكد الاوساط نفسها، ففي الاستحقاق الرئاسي ثمة دعوة على عدم الرهان على زيارة وزير خارجية فرنسا لوران فابيوس إلى طهران في 29 الجاري فالحديث عن اختبار النيات الإيرانية بعد توقيع الاتفاق النووي ومحاولة تلمس مدى رغبة طهران في الانفتاح والتعاون من أجل حل أزمة رئاسة لبنان باعتبارها الأسهل للحل مقارنة بأزمات سوريا والعراق واليمن، ليس الا رهاناً على «سراب» فهذا الملف لا يفتي به الايرانيون، القرار قبل فيينا وبعدها في بيروت وبشكل ادق في «حارة حريك» و«الرابية» واي حل لهذه المعضلة تبدأ وتنتهي بفتح حوار جدي مع الجنرال ميشال عون، واي كلام آخر سيبقي حال الفراغ على حالها، على السعودية ان تتغير ولا ينتظر احد تغييرا في طهران.
وبحسب تلك الاوساط، لو اراد الرئيس سعد الحريري حل الازمة لفعل ذلك بالحوار الجاد مع «الجنرال»، لكنه افتعل عن سابق تصور وتصميم مشكلة من العدم بعد ان تراجع عن تفاهمه مع عون على التعيينات الامنية دون اي مبرر مقنع يمكن الركون اليه، فالحريري وتيار المستقبل لم يكونا يوما من «المعجبين» باداء قائد الجيش جان قهوجي والمؤسسة العسكرية، وطالما اتهموا الجيش بالتعاون والتنسيق مع حزب الله، واذا كان الوضع الامني في البلاد لا يتطلب تاجيل استحقاق تعيين قيادات امنية جديدة، اذا لماذا التعنت «المستقبلي» والاصرار على التمديد رغم كل الملاحظات على «القائد»؟
ببساطة شديدة، تيار المستقبل وبدفع سعودي يصر على خلق شقاق بين قائد الجيش العماد جان قهوجي والقيادة العسكرية مع حزب الله، تؤكد الاوساط، فالعلاقة المتينة بين الطرفين على مدار السنوات الماضية كانت السبب الرئيسي في انزعاج التيار «الازرق»، ويأتي تراجع الحريري عن اتفاقه مع عون على ملف التعيينات الامنية في سياق التصويب على هذه العلاقة، وليس في اطار التصويب فقط على «الجنرال»، فمن خلال ادراك تيار المستقبل ان حزب الله لن يتخلى عن دعم حليفه، يريد توريطه في «معركة»مع قائد الجيش من خلال الايحاء بان الحزب يرفض التمديد له ويدعم عون في معركته لايصال العميد شامل روكز، آملا ان تسوء العلاقة بين القيادة المجدد لها والحزب على خلفية عدم دعم المقاومة لبقاء قهوجي على رأس المؤسسة العسكرية. انها «لعبة صبيانية» يرى فيها الحزب استخفافا بعقول «الناس» وانعدام في المسؤولية «وقصر نظر» في فهم طبيعة العلاقة بين المقاومة والجيش التي تجاوزت كل هذا «النفاق». لكن الاصرار على هذه «الترهات» يؤشر الى ان السعودية ما تزال مصرة على استغلال حلفائها في لبنان لابقاء التوتر قائما لعدم «اراحة» حزب الله. واذا كان الحزب يساير في هذه المرحلة، ويتعايش مع حدود هذه «اللعبة» المضبوطة، فانه لن يقبل بان يتجاوز الفريق الاخر حدود «الستاتيكو» القائم ورمي البلاد في المجهول. من هنا كان تحذير السيد نصرالله من التلاعب بالاستقرار عبر التهويل باستقالة الرئيس تمام سلام، و«الرسالة» التي حملها الوزير محمد فنيش الى رئيس الحكومة قبل ساعات، قالها السيد علنا، «ان ما تظنون انه سيكون اداة «للي ذراع» حزب الله ليس الا وهماً واي محاولة «لقلب الطاولة» لن تقف عند حدود معلومة النتائج، فمن «يزرع الريح سيحصد العاصفة».
الحرب في المنطقة ومشاركة حزب الله فيها غيرت الحزب، نحو الافضل، وان كانت المقاومة منذ البداية خارج دائرة التنافس على السلطة السياسية في لبنان وكان جهدها منصبا على قتال إسرائيل، ونجحت في خلق توازن «رعب» معها، لكنها تطورت واصبحت اليوم لاعبا إقليميا مقررا في رسم خريطة المنطقة، لكن المشكلة الاساسية ان تيار المستقبل لا يريد الاقرار بهذا التحول الإستراتيجي، والسعودية مصرة على تصفية حسابها مع ايران، ونصيحة السيد نصرالله للمرة الالف «لا تجربونا» على الساحة اللبنانية .. «كرة النار عادت الى حضن المستقبل».. فكيف سيتصرف؟.
(الديار)