نظرة فاحصة على السباق الرئاسي الاميركي د.منذر سليمان
16 مرشح لعام 2016
بلغ عدد الطامعين في الترشيح عن الحزب الجمهوري 16 فردا، للحظة اعداد التقرير، الامر الذي شكل نسبة غير مسبوقة في تاريخ الانتخابات الرئاسية الاميركية؛ مما دفع البعض التهكم على الحزب بسعيه الامتثال والرقم 16 في عام 2016. تدرك غالبية المرشحين ان حظوظ الفوز بترشيح الحزب محدودة او معدومة، لكنه يراهن على حجز موقع سياسي متميز في الادارة المقبلة في حال فوز الحزب الجمهوري .
المسألة الابرز في السعي لتفسير العدد المتزايد ينبغي النظر اليها ضمن البعد القضائي المتمثل برفع المحكمة العليا القيود السابقة عن حجم اموال التبرعات او الاموال الخاصة لخوض الانتخابات، واضحت بلا حدود او كوابح. البعد الآخر، ربما، يكمن في التطور التقني وآليات التواصل الحديثة التي يستغلها المرشحون الى حدودها القصوى دون الالتفات الى اي اعتبارات او ضوابط قانونية.
في جانب الحزب الديموقراطي، تواجه المرشحة الابرز، هيلاري كلينتون، تعثرا وراء آخر وفق حملة منظمة من خصومها في الحزب الجمهوري الذين يعتبرونها المرشحة الاقوى على منافسة مرشحهم المقبل. ايضا، المرشح عن الحزب الجمهوري، جيب بوش، يتلكأ في صعوده بعد ان كانت التوقعات تشير الى شبه يقين بتصدره المشهد الانتخابي وتراجعه امام حاكم ولاية ويسكونسن، سكوت ووكر، والملياردير دونالد ترمب.
اقلاع القاعدة الانتخابية عن تأييد جيب بوش مبكرا اصاب حملته الانتخابية بالدهشة والانكسار لما كان يعول عليه من استغلال صلاته العائلية وتحالفاتها السياسية والعسكرية والتجارية الواسعة في حشد التأييد المبكر لحملته. القاعدة الاوسع من الناخبين المحافظين احجمت عن تأييده بشكل لافت، لتخبط خطابه السياسي منذ البدء، مما حمله على التطلع لتأييد الشريحة المعتدلة في القاعدة الجمهورية وافراد متواضعي الخبرة المعجبين بسجل عائلته التي افرزت رئيسين لا زالا على قيد الحياة.
احدث المرشحين عن الحزب الجمهوري كان حاكم ولاية اوهايو المركزية، جون كيسيك، الذي يحسب على التيار المعتدل داخل الحزب ويتمتع بسجل وخبرة جديرة بالاحترام لا سيما في المجال الاقتصادي والرعاية الصحية الشاملة والتي حصد غضب قادة الحزب البارزين لقبوله البرنامج في اوج الخلافات الحزبية مع الرئيس اوباما.
دخول كيسيك حلبة السباق الانتخابي قد يضفي بعض المصداقية المفقودة لحزب يمثل مصالح اشد الفئات الاجتماعية ثراء وقاعدة اجتماعية تتميز بالعنصرية تجاه الآخر ومناهضة اي دور للدولة المركزية في الشأن العام. فهو يحظى بدعم شعبي واسع في ولاية اوهايو بلغ نحو 60%، وفق احدث استطلاعات الرأي، في ولاية لا تزال تلعب دورا محوريا في نتائج الانتخابات الرئاسية. وربما يعتقد كيسيك ان حظه في الفوز بمنصب نائب الرئيس هو الافضل له بين اقرانه الآخرين.
وبشر كيسيك جمهوره في خطاب ترشيحه ان “الاجراءات السياسية اهم بكثير من الاعتبارات السياسية او الايديولوجية .. اما بلوغ النمو الاقتصادي فلا يمثل هدفا بحد ذاته. ايجاد فرص العمل اسمى هدف اخلاقي” بالنسبة لنا.
بالمجمل، اغراء المناصب القيادية المقبلة هو ما يحفز هذا العدد الكبير من المرشحين دخول حلبة السباق الرئاسي، بدءاً بالمناصب الوزارية الى التعيينات الديبلوماسية الهامة خاصة في عواصم كبرى، في اوروبا واليابان ودول آسيوية اخرى.
دونالد ترمب: مرشح ام مهرج
نجح دونالد ترمب في حجز مقعد متقدم في السباق الانتخابي يتراوح بين السخرية من أهليته وجديته الى اثارة قلق القاعدة الاجتماعية من برنامج الحزب الجمهوري وعدائه الصريح لما يسمى “المهاجرين غير الشرعيين،” وجلهم قادم من دول اميركا اللاتينية، وابرزها المكسيك. يشتهر ترمب بتصريحاته المهينة للآخرين، وميله السريع لغضب طفولي ان لم يحصل على ما يريد على الفور. ويبدو انه يحاكي ويتماهى مع قاعدة حزب الشاي المتشددة في الحزب الجمهوري.
رمى ترمب سهام اتهاماته في كلا الاتجاهين، يمينا ويسارا. اذ اتهم ادارة الرئيس اوباما “بالسماح للمجرمين والمهاجرين غير الشرعيين” دخول البلاد عبر حدودها الجنوبية المشتركة مع المكسيك، دون ان يكلف نفسه عناء تقديم الدلائل والقرائن. وتوجه ايضا نحو ابرز قادة الحزب الجمهوري واركان معسكر الحرب، الثنائي جون ماكين وليندسي غراهام، مستخفا بسجل الاول ابان خدمته العسكرية، واهانة الثاني ووصفه بالغبي ردا على اتهام غراهام له بأنه احمق.
استطاع ترمب حشد نحو 5،000 مشارك لسماع خطابه الساخر وتعبئة الجمهور ضد “الهجرة غير الشرعية.” انتهز ماكين الفرصة وعلق على الجمهور بانه “حشد من المجانين،” مما حفز ترمب للتشكيك برصيد ماكين الاكبر المتمثل في خدمته العسكرية وقضائه نحو 5 سنوات كسجين حرب في جمهورية فيتنام الشعبية.
المزايدات السياسية البارزة على السطح لعكس ما هو ابعد من لغتها ورمزيتها لدى الحزب الجمهوري، الذي يعبر ترمب عن برنامجه المعادي للفئات الاجتماعية المختلفة بصدق اكبر من كافة المرشحين الآخرين. وهذا ما يفسر، ولو آنيا، تصاعد اسهم ترمب في صفوف القاعدة الانتخابية، على الرغم من العامل المالي الذي يستغله ترمب الى ابعد الحدود كواحد من اكبر الاثرياء بين شريحة الميليارديرات.
تميز حاكم ولاية ويسكونسن، سكوت ووكر، وتمكن من حجز مرتبة متقدمة في اوساط القاعدة الانتخابية للحزب الجمهوري، ولا يزال يحتل المرتبة الاولى بين مختلف المرشحين، بل يمثل ووكر التحدي الاكبر لجيب بوش ومستقبله بلا جدال، على الرغم من تواضع امكانيات حملته المادية مقارنة بالآخرين، لا سيما بوش وترمب. الى جانب خبرته السياسية، يتميز ووكر عن بوش بماضيه المتواضع وميله للتشبث بمواقفه امام الصعاب، خاصة ابان صراعه السياسي مع النقابات العمالية في ولايته، الذي ربحه بامتياز.
مرشحو الحزب الديموقراطي
يتبلور شبه اجماع رأي بأن المرشحة عن الحزب الديموقراطي، هيلاري كلينتون، اضحت في مواجهة مزيد من العثرات والمتاعب، على خلفية نشاطاتها السياسية السابقة بالدرجة الاولى، والحقد الكامن ضدها بين اوساط الحزب الجمهوري. يشار الى ان كلينتون بادرت مبكرا، بل مبكرا جدا، في حشد اكبر قاعدة دعم مالي لحملتها الانتخابية، معظمهم من كبار الاثرياء.
متاعب كلينتون تخطت خصومها العاديين الى داخل المؤسسة الحاكمة. اذ اعلنت وزارة العدل الاميركية، 24 تموز/يوليو، عن نيتها اجراء تحقيق جديد للنظر في “تعريض وثائق سرية لخطر محتمل،” كما يتهمها الخصوم في قضية سجلات مراسلاتها الالكترونية الخاصة خلال فترة توليها رئاسة الخارجية الاميركية. واشارت صحيفة “نيويورك تايمز،” 23 تموز، الى “نية المفتش العام في وزالرة الخارجية والاجهزة الأمنية المعنية الطلب من وزارة العدل فتح تحقيق جنائي” في هذا الخصوص.
المسألة بالغة الأهمية والحساسية في آن واحد، ومن شأنها الاطاحة بالسيدة كلينتون من علوها في حال تثبيت التهمة عليها، والتي طالما نادى بها الخصوم الجمهوريون لاقصائها عن الترشح.
الوسائل الاعلامية ترسم عادة ملامح الصورة الانتخابية عوضا عن النبض الشعبي الحقيقي، بوعي وادراك تام من صناع القرار. وسجلت نجاحا في صنع قاعدة انتخابية معادية لكلينتون واتهامها بعدم التحلي بالمصداقية او جديرة بالثقة، 62% من ناخبي كولورادو، مقابل 34% مؤيدون لها.
اشار احد احدث الاستطلاعات في ولايات وازنة الى تراجع شعبية كلينتون الى المرتبة الرابعة خلف ثلاثة مرشحين عن الحزب الجمهوري، جيب بوش وماركو روبيو وسكوت ووكر، في استقراء نتائج انتخابية افتراضية اجريت في ولايات كولورادو وايوا وفرجينيا، حازت فيها كلينتون على النسب المتدنية التالية امام جيب بوش: 36% – 41% في كولورادو؛ 36%-42% في ايوا؛ و39%-42% في فرجينيا. وتتخلف بنسب مماثلة امام المرشحيْن الاخرين.
بصرف النظر عما سيؤول اليه مستقبل هيلاري كلينتون فان المرشح عن الحزب الديموقراطي، بيرني ساندرز، لا ينبيء باداء افضل امام منافسيه من المرشحين عن الحزب الجمهوري، بوش وروبيو ووكر.
ساندرز يمثل التيار الليبرالي داخل الحزب الديموقراطي وينفرد بدعمه وتأييده، ولم يتجاوز العقبات السياسية من اجل التواصل مع الناخبين المستقلين والذين باستطاعة اصواتهم الاسهام في حسم النتائج الانتخابية في اللحظات الاخيرة.
يضاف الى سجل ساندرز انه كان من السباقين بين اعضاء الكونغرس الذين جاهروا بمقاطعتهم جلسة يتحدث فيها بنيامين نتنياهو في شهر نيسان الماضي. التيار المحافظ عاقب ساندرز واتهامه بتأييد النازية.
نصيب ساندرز في الانتخابات الافتراضية المذكورة كان ادنى من نصيب كلينتون، ولم يتجاوز نسبة 12% مقابل 54% لصالح الاخيرة. الفارق في نسب التأييد لكليهما لا يزال واسعا لصالح كلينتون، لا سيما فيما يتعلق بقطاع الاقليات والمهاجرين الذين حملهم ساندرز مسؤولية تدني الاوضاع الاقتصادية خاصة “الصينيين الشريرين .. الذين يسلبوننا فرص العمل.”
ويسجل لصالح ساندرز ايضا مناهضته وانتقاداته المستمرة لسيطرة وسطوة رؤوس الاموال الممثلة بالقطاع المصرفي في وول ستريت، مما دفع كلينتون الى البقاء على مسافة علنية، على الاقل، مع تلك الفئة المتسلطة.
المرشح الديموقراطي الثالث والواعد ايضا هو حاكم ولاية ماريلاند السابق مارتن اومالي، اصغر المرشحين سناً ويميل للتيار الليبرالي في الحزب الديموقراطي ايضا. شعبيته ادنى من كلينتون وساندرز وحظه الاوفر يكمن في استمرار تعثر كلينتون وربما ازاحتها كليا، حينئذ تتوفر له فرص مخاطبة ونيل ود القطاع الاوسع من جمهور الناخبين الديموقراطيين.
يشار الى ان اومالي تولى عمدة بلدية بلتيمور، التي شهدت مصادمات عنيفة مع اجهزة الشرطة العام الجاري، واعرب عن تأييده للمتظاهرين ربما طمعا في كسب تاييد قطاعات شعبية اضافية وان بقيت مهمشة. لكل موقف ثمنه في المحصلة النهائية.
انضم ايضا السيناتور لينكولن شافي، عن ولاية رود آيلاند، والذي سبق ان شغل منصب حاكم ولايته ويعرف نفسه باستقلاليته عن الحزبين، بيد انه يميل للتوصيت الى جانب اقرانه الديموقراطيين.
المراقبون لا يعتبرون شافي مرشحا جادا سيما وان قاعدة دعمه متواضعة للغاية. ابان فترة ولايته كحاكم تدنت نسبة التأييد الى 26%، مما حفزه بعدم اعادة ترشيح نفسه لذات المنصب عام 2014.
كما انضم للسباق الانتخابي السيناتور المحافظ جيمس ويب، والذي استعرضنا سجله بالتفصيل الاسبوع المنصرم، ويمثل التيار اليميني والاشد محافظة في الحزب الديموقراطي، مناشدا القاعدة الانتخابية ضرورة العودة لاصول مباديء الحزب الديموقراطي “التي لا تتضمن قضايا اجتماعية” جديرة بالتبني. التيار الليبرالي العام في الحزب من المتوقع احجامه عن تأييد ويب في الانتخابات النهائية.
مستقبل غامض
امام تعثر كلينتون وتسارع المطالبة بمقاضاتها جنائيا يبرز شخص نائب الرئيس، جو بايدن، كافضل أمل للحزب الديموقراطي خوض الانتخابات وربما الفوز بها. بيد ان بايدن لا زال يراقب التطورات ولم يفصح عن نواياه الانتخابية، بخلاف طبيعته الميالة للتصريحات المفصلة. يشار الى ان بايدن يبلغ 72 عاما وسنه المتقدم قد يشكل العامل الكابح لاهوائه. تقدم سن شخصيات حزبية اخرى في الحزب الديموقراطي تحرمه من كفاءاتها للحملة الانتخابية المقبلة.
الشخصية الواعدة وغير المتحمسة لخوض الانتخابات السيناتور اليزابيث وورين، التي “قد” تدخل الحلبة قصرا في حال انسحاب كلينتون مبكرا. تحسب وورين على التيار الاشد تقدمية في الحزب الديموقراطي وتشتهر بعدائها الصريح لسلطة وسطوة اثرياء وول ستريت على القرار السياسي الاميركي، فضلا عن مواقفها التقدمية الاخرى في المستويات الاجتماعية ونضالات المرأة. كما تتميز عن كلينتون بنظافة سجلها السياسي وخلوه من اي اعباء او فضائح سياسية، التي تلاحق كلينتون راهنا.
حسم المسالة ربما لن يكون بيد وورين حصرا، سيما لميل اصحاب القرار تأييد فوز مرشح الحزب الجمهوري في الدورة المقبلة، وتنامي حظوظها في الدورة الانتخابية المقبلة عام 2020.
نظرة فاحصة على مرشحي الحزبين تفيد بتميز الحزب الجمهوري، او قلة من مرشحيه، على خصومه في الحزب الديموقراطي، الامر الذي تعززه نتائج استطلاعات الرأي المتواصلة لا سيما تأييد شريحة الناخبين المستقلين، التي يعول كلا الفريقين على كسبها لصالحه.
بالمقابل، يعاني مرشحو الحزب الديموقراطي من احجام قاعدتهم الانتخابية بشكل بارز لجملة اعتبارات، منها ما يتعلق بفلسفة الحزب المطلوبة في القرن الحادي والعشرين، وتقدم السن لافضل المرشحين، اصغرهم يقارب تعدي سن الستين من العمر.
ان استطاعت هيلاري كلينتون التغلب على العوائق “القانونية” الاخيرة، التي تثار بوجهها باستمرار، فانها تمثل الحل الانسب للحزب لخوض الانتخابات. بخلاف ذلك، سيصاب بنكسة كبيرة لعدم تميز المرشحين الآخرين بالنسبة للقطاع الواسع من الناخبين الاميركيين.