سورية: «نقص الموارد البشرية» والرهان على إسقاط الدولة: حميدي العبدالله
عادت من جديد الرهانات في الدول الغربية، عكستها الصحف ومراكز الأبحاث، على سقوط الدولة السورية ، هذه الرهانات التي ما انقطعت لحظة واحدة طيلة حوالي أربع سنوات ونصف السنة هي عمر الأزمة في سورية. لكن الرهانات هذه المرة على ما تسمّيه وسائل الإعلام الغربية «نقص الموارد البشرية»، أيّ تقلّص عدد المنخرطين في المواجهة العسكرية إلى جانب الجيش السوري والتشكيلات الرديفة الأخرى.
لكن هل صحيح أولاً أنّ الجيش السوري يعاني من «نقص الموارد البشرية»؟ ومن أين استخلص الإعلام ومراكز الأبحاث الغربية هذه النتيجة؟ لا شك أنّ هذا الاستنتاج استند إلى التقدّم الذي حققته الجماعات الإرهابية المسلحة والمدعومة من الغرب ومن حكومات المنطقة في جبهة إدلب، وجزئياً في الجبهة الجنوبية ابتداءً من 26 آذار وحتى منتصف شهر حزيران الماضي.
لكن ما تذهب إليه مراكز الأبحاث والصحافة الغربية ينطوي على أمنيات، كما كانت الرهانات على سقوط الدولة السورية في بداية الأزمة، أكثر منه على حقائق صلبة وذلك في ضوء الآتي:
ـ التقدّم الذي تحقق في شهري نيسان وأيار قد توقف على جميع الجبهات، وانتقل الجيش السوري من الدفاع إلى الهجوم، وبرهن على صلابة وقدرة كبيرة في صدّ وتبديد كلّ الهجمات التي شنّت، ولا سيما تلك التي بدأت في الأسبوع الأخير قبل حلول شهر رمضان واستمرّت طيلة هذا الشهر، على كلّ الجبهات، وحقق الجيش تقدّماً في جبهات أساسية، مثل تدمر والزبداني بالتعاون مع المقاومة اللبنانية.
ـ ما تحقق في محافظة إدلب يفسّره قرب هذه المحافظة من الحدود التركية، وحصول التشكيلات الإرهابية المسلحة على دعم غير محدود بالعتاد والأفراد، من دول المنطقة حيث تدفق آلاف الإرهابيين عبر الحدود التركية، وبديهي أنه في ظلّ انتشار وحدات الجيش السوري على امتداد الجغرافية السورية في كلّ المحافظات، باستثناء محافظة الرقة، فإنه يمكن للإرهابيّين وحلفائهم أن يحققوا مكاسب موقتة، لكن هذا لا يعني إطلاقاً أنّ الجيش السوري يعاني من نقص في الموارد البشرية.
ـ لأنّ الجيش السوري ينتشر على امتداد الجغرافيا السورية، ولأنّ الإرهابيين يستهدفون المدن والبلدات والأحياء الآمنة والآهلة بالسكان، ويستهدفون أيضاً الطرق الدولية والطرق التي تربط بين المدن والبلدات، ويهاجمون خطوط التوتر العالي ومحطات توليد الكهرباء، وخطوط نقل الغاز والنفط، فمن الطبيعي أن ينتشر الجيش السوري لتأمين هذه المناطق، وبالتالي ينجم عن ذلك واقع ميداني قد يستغلّ من قبل الجماعات الإرهابية في المناطق القريبة من الحدود، مستفيدة من الدعم الخارجي لتحقيق مكاسب، غالباً ما تكون موقتة، وتتبدّد من حشد الجيش السوري قوات كافية للتعامل مع الخرق الذي يحصل على هذه الجبهة أو تلك، وعموماً لم تنجح المجموعات الإرهابية في تحقيق أيّ تقدّم إلا في المناطق الحدودية، مع تركيا والأردن. وهذا طبعاً ليس له علاقة بنقص في الموارد البشرية بالصورة التي يتحدّث عنها الإعلام الغربي.
ـ قد تكون هناك ظواهر في سورية للتهرّب من الخدمة الإلزامية، ولكن مقابل ذلك هناك تطوّع جديد على نطاق واسع، سواء في الجيش أو في القوات المحلية، وقد أكد أحد مراكز الأبحاث الغربية أنّ الكليات العسكرية خرّجت في سورية عام 2014 أكثر من ثلاثة آلاف ضابط، وهذا يعوّض العزوف أو التهرّب من الالتحاق بالخدمة الإلزامية، وعلى أية حال المتطوّعون أكثر فائدة من عناصر الخدمة الإلزامية.
ـ الخطر الذي تمثله الجماعات الإرهابية بسلوكها الوحشي يدفع الشعب السوري بغالبيته إلى حمل السلاح والالتفاف حول الجيش، ولعلّ ما حدث مؤخراً في السويداء والحسكة وحلب مثال واضح، الأمر الذي يؤكد أن لا مشكلة على صعيد الموارد البشرية.
(البناء)