التمديد خطة وليس تفادياً لمأزق
ناصر قنديل
– خلال عقدين من الزمن عرف اللبنانيون لمصطلح التمديد صولات وجولات وصار جزءاً من مفردات حياتهم العامة في السياسة والاقتصاد والخدمات. ودائماً يأتيهم التمديد كمخلّص منتظر، لأنّ البديل الوحيد الماثل أمام أعينهم هو الفراغ. فيصير دعاة التمديد أصحاب مسؤولية وطنية كانوا في الأصل لا يريدون التمديد لكنهم تجرّعوا كأسه المرة ضناً بالوطن.
– عندما جرى التمديد للرئيس الياس الهراوي تمّ تحضير المسرح لتصوير مخاطر الذهاب إلى انتخابات رئاسية غير ناضجة الظروف والمعطيات. وجرى تقديم التمديد كمخرج لا بدّ منه لتوفير ظروف انتخابات رئاسية توافقية تنجح في تخطي الانقسام الناشئ حول تقدّم اسم العماد إميل لحّود قائد الجيش كمرشح يتبنّاه نصف الطبقة السياسية ويرفضه نصفها الآخر.
– عندما جرى التمديد لمرتين متتاليتين لعقود شبكات الخليوي كان المشهد مشابهاً، فقد جرى الذهاب إلى التمديد بعدما استنفد الوقت اللازم للبدائل في مناقشات عقيمة واستهلكت المهل القانونية في تعطيل كلّ فرص تولي الدولة إدارة المرفق حتى وصلنا عشية انتهاء المهلة، فجرى تخيير اللبنانيين بين أن يستفيقوا وقد تحوّلت هواتفهم الخليوية إلى خردة، وأموالهم المستثمرة في الاشتراكات المسدّدة إلى هباء، وأن يجدوا أنهم فقدوا ميزة خدماتية استهلاكية صارت نصف أعمالهم تدار بواسطتها، وصارت نصف يومياتهم ومتعها وترفها متصلة بها، أو أن يدعوا بطول العمر وبالصحة العامرة لكلّ من وقف وراء التمديد للشركات ولو كانوا يعلمون أنّ ذلك يخفي عملية نهب لا مثيل لها بحق أموالهم وأموال الدولة، فيبشرون بعضهم صبيحة اليوم التالي بالخبر الحلو، «خي عرفت مدّدوا للشركات ولم تتوقف هواتفنا».
– عندما جرى التمديد لمدير عام قوى الأمن الداخلي ومثله عندما سيجري التمديد لسواه من قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية سيتمّ ذلك بالطريقة ذاتها التي تمّ بها، من قبل، البديل هو الفراغ والفلتان الأمني والانكشاف العسكري وضعف فاعلية المؤسسات، وتستهلك المهل اللازمة لتوافق على تعيين يراعي المعايير الوطنية والمهنية ويضع جانباً الصفقات السياسية والمقايضات السياسية والكيديات السياسية ليصل ليل الاستحقاق والخيار بين الفراغ والتمديد، فيسألك سائل: وماذا تريد إنْ لم نمدّد؟ أتقبل بالفراغ؟
– تصنيع الفراغ كبديل ينتظر لبنان في كلّ مجال ما لم يتمّ التمديد حرفة وصنعة يتقنها جماعة قرارات التمديد، ليصير سؤالهم البريء جاهزاً، هل تريد أن نذهب إلى الفراغ، نحن لسنا مع التمديد، لكننا ضدّ الفراغ أكثر، وبين التعيين والتمديد نحن مع التعيين، لكن بين التمديد والفراغ نحن مع التمديد.
– مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات النيابية قبل سنتين أطعم اللبنانيون ذات «المقلب» فصنعت لهم مشهدية الفراغ، ولم يكن هناك بعد فراغ رئاسي، ولا ظروف تحول دون إجراء الانتخابات النيابية، وجهّز المسرح للقول باستحالة إجراء الانتخابات النيابية، وصار السؤال عما إذا كان الذهاب إلى الفراغ بديلاً مقبولاً في بلد يواجه مخاطر متعدّدة ومقبل على استحقاق رئاسي، فمن سينتخب الرئيس الجديد ما لم يتمّ التمديد للمجلس النيابي، وتمّ التمديد والناس تدعو الله ليمدّد أعمار النواب ويمدّ في عمر من اخترع الحلّ بأن يتمّ التمديد لهم. وجاء موعد انتخاب رئيس للجمهورية ولم يتمّ الانتخاب، ولم يتمّ ما تمّ بسببه التمديد، فتمّ التمديد للتمديد مرة أخرى، وما لم يحله التمديد سيحله التمديد للتمديد.
– اليوم ومشكلة النفايات تحاصر اللبنانيين وتصل إلى أنوفهم، وقد استهلكت كلّ مهل الحلول والبدائل، للعقد القائم مع شركة سوكلين، وهو أمر حدث من قبل، وانتهت المحنة كما ستنتهي هذه المرة، يطرح السؤال على اللبنانيين ماذا عسانا نفعل؟ هل نترك النفايات تأكلنا؟ هل ترتضون الفراغ؟ ليس أمامنا من حلّ سوى التمديد، ويتمّ التمديد بحمد الله ونعمته وبركاته وشكره، فقد منّ الله على اللبنانيين بعبقرية تفتقت عن هذا الحلّ العجيب، حلّ اسمه التمديد، ويتبادل اللبنانيون التهاني في اليوم التالي بسذاجة، «خي انتهت أزمة النفايات أخيراً وعادت سيارات سوكلين».
– يدفع اللبنانيون ضمناً فاتورة الفراغ الرئاسي لأنهم رفضوا تطبيق الوصفة بالتمديد للرئيس السابق ميشال سليمان، ودفعوا فاتورة أعلى من قبل يوم التمديد للرئيس إميل لحود لأنهم مدّدوا خلافاً للوصفة التي تجعل التمديد بديلاً للفراغ كخطة وليس مجرّد مطلب يتصل بمواجهة الاستحقاقات، فالتمديد وصفة لطبخة لها طباخوها لا تؤكل إلا من أيديهم، وعلى اللبنانيين فقط تعلم قواعد التذوّق عندما تنضج الطبخة وتقدّم لهم لتناولها.
(البناء)