شمس المقاومة تسطع من لبنان حتى فيينا العلامة الشيخ عفيف النابلسي
لا بدّ لأي منصف أن ينطلق من أسئلة أساسية عدة تكون مؤشراً له في سعيه إلى تحديد ما يجري اليوم في المنطقة، وموقع لبنان في كل هذا المخاض التي تشهده.
السؤال الأول: هل إنّ المسلمين ما زالوا يتعاملون مع بعضهم البعض على كونهم مسلمين أم طوائف ومذاهب؟
ومن الذي جعلهم كذلك، وجعل المسلم يقتل المسلم ويغتصب أرضه وعرضه ويسرق ماله على عكس القاعدة الأخلاقية التي تقول: كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَعِرْضُهُ وَمَالُهُ ؟
السؤال الثاني: لو أنّ فئة من المسلمين واسمها اليوم محور المقاومة تخلّت عن إيمانها وقرآنها ونبيها وقيمها ومسؤولياتها فما الذي كان سيحصل؟ أليس كنّا قد شهدنا المزيد من قطع الرؤوس وحرق المساجد والكنائس وتدمير المنازل وفرض دين التكفير على المسلمين كلهم بالإكراه؟
أليس كنّا شهدنا المزيد من التدهور الحضاري والانحلال الأخلاقي والتراجع العلمي وقلاقل أكثر من الذي نراه واضطرابات في كل اتجاه؟
ونحن في لبنان لو لم يكن فصيل من هذا المحور الذي اسمه حزب الله يقاتل هؤلاء التكفيريين الإرهابيين ماذا كان حلّ بالجميع الساكت الذي لا ينبس ببنت شفة، والمعاند الذي يصرخ فيحسبه الناس رجلاً ولكنّه ليس سوى بوق صوت لا يعلم في أي كهف سيعيش فيما لو دخل التكفيريون إلى بلده، أما المتملّقون والمنافقون والمتلّونون والهامشيون فيستهويهم كل ما يحافظ على وضعيتهم سواء تطلب الموقف استدارة إلى الوراء أو التفاتة إلى الأمام!
وبكل الأحوال، أليس كان معظم اللبنانيين بين التهجير والنفي والقتل والحرق والإغراق وكل أشكال الوحشية التي شاهدنا مثلها في الموصل والرقة وجسر الشغور وغيرها من مناطق سورية والعراق التي قامت فيها الجماعات التكفيرية الممولة من السعودية وقطر وتركيا بأبشع صنوف العدوان؟
أليس كان اللبنانيون بلا مظلة أمان، ولا حرية تنقُّل ولا إرادة عيش مشترك، بل صراع وحروب ودمار ومواجهات طائفية ومذهبية متبادلة؟
أليس كنّا بلا أرض نزرع فيها، ولا نهر نشرب ماءَه، ولا متجر نسترزق منه، ولا مصنع نعمل به؟
أليس كنّا بلا جيش ولا مؤسسات أمنية وإدارية، بل إدارات للأمن الذاتي وخدمات سماسرة، وأمراء الشوارع كما حصل سابقاً خلال الحرب الأهلية؟
نعم، كل هذا السلام وهذا الاستقرار هو بفضل مجاهدي المقاومة. كل وجودنا ووجود الدولة والكيان والجيش وباقي المؤسسات هو بفضل مجاهدي المقاومة. كل هذه الحرية والكرامة وهذا الهواء الذي نتنفسه بلا خوف، وهذا الماء الذي نشربه مرّياً هو بفضل المقاومة. هذه هي الحقيقة التي يقرّ بها المنصفون ويرفضها المعاندون.
نعم، هؤلاء المجاهدون الذين يذكرهم البعض بسوء هم والله أكرم وأقدس وأنبل رجال الأرض. هؤلاء المجاهدون حالهم اليوم كحالهم أيام الاحتلال «الإسرائيلي» لم يُعترف بفضلهم وجهادهم وجراحاتهم وبطولاتهم. ظلت الأصوات المنافقة تتباكى على زهوة شبابهم، وكأنهم لو جلسوا في أحضان أمهاتهم كانوا سينالون حظوظ الدنيا والآخرة معاً، وكانوا سينعمون بالاستقرار والآمان والمستقبل الرغيد! غير أن هؤلاء لم يقوموا بما قاموا به رجاء مديح هنا وثناء هناك، وجائزة هنا وعطيّة هناك، وإنما فعلوا كل ذلك من أجل الله والإنسان والدين وهذا الوطن.
وهم حين يذودون عن بلدنا لا يغيب عن بالهم قول الله سبحانه وتعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ .
وقول رسول الله ص : فوق كل برًّ برّ حتى يُقتل الرجل في سبيل الله، فإذا قتل في سبيل الله فليس فوقه برّ .
وفي ما يتعلق بالتطورات الأخيرة حول الملف النووي، من ليلة فيينا الكبرى إلى تصويت مجلس الأمن بالإجماع على رفع العقوبات الاقتصادية والمالية عن إيران، إلى خطاب مرشد الثورة في خطبة عيد الفطر، كلها تؤكد على ظفر استراتيجي لإيران وحلفائها في وجه الاستعمار القديم والحديث والكيان «الإسرائيلي» والإرهاب والتآمر الدولي والخنوع الإسلامي والخيانة العربية.
لقد أرست الجمهورية الإسلامية الإيرانية أسساً جيدة في العلاقات الدولية التي تقوم على الحق والصبر والمثابرة والمنطق ومواجهة السلوك العدواني الذي استمر لأكثر من ثلاثة عقود بالوحدة الداخلية والاعتماد على الذات والندّية.
اليوم إيران أصبحت دولة نووية باعتراف العالم، كما وأصبحت أكثر قوة وردعاً لكل من يحاول أن يمنعها من التقدم العلمي.
الحقيقة اليوم باتت ناصعة وهذا الاتفاق التاريخي هو بداية مرحلة جديدة للبشرية حتى لو لم ينفذ لكن سيؤكد على منهج جديد في العلاقات بين الشعوب والأمم وسيرسم خطاً مستقيماً لكل شعب يريد الحرية والاستقلال.
لقد ذُهل الغرب بقدرة الشعب الإيراني على الصبر والتحمل كل هذه السنين فلم يجد أمامه طريقاً لمنع الصدام إلا التفاهم وبعض العقلانية. وها هو الشعب الإيراني يحصد ثمن تصديه للقوى الاستكبارية وثمن صبره على الحصار، وثمن ثباته على الحق مجداً وعلواً وواقعاً جديداً من المعادلات والسياسات على مستوى المنطقة والعالم أجمع.
نعم شمس المقاومة تسطع من بيروت حتى فيينا وحقاً قال السيد: ولّى زمن الهزائم!
(البناء)