مقالات مختارة

توقعات أوروبية بخير الاتفاق النووي.. في السياسة والاقتصاد وسيم ابراهيم

 

تحولت ملاحقة الغيوم الدولية، التي أمطرت الاتفاق النووي الايراني، إلى هواية رائجة. الكل يريد أن يعرف. بات أهل المنطقة يراقبون بتوجس القراءات المختلفة، المتناقضة أحياناً، لنشرات أحوال الجو السياسية المتوقعة بعد الاتفاق. غيوم التسوية ستمطر في طهران ما ينعش أهلها، لكن ماذا عن الآخرين القابعين فوق نيران الحروب المستعرة في الإقليم. هل سيمطرهم الاتفاق ما يطفئ بعض لهيب هذا الصراع، أم سيجعلهم أكثر تحت شمس حروب الوكالة الحارقة؟

توقعات الطقس الإقليمي ما بعد الاتفاق كانت بالإجمال متفائلة في بروكسل. وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي صادقوا على الاتفاق، في خطوة رمزيّة متممة. عيار الإيجابية المأمولة على الإقليم كان متفاوتاً. البعض حلق به التفاؤل لدرجة الحديث عن فرج «قريب جداً»، لأن الاتفاق برأيه «يغير اللعبة».

آخرون كانوا بين صنَّاع الصفقة الدولية، قالوا إن هنالك «إمكانية» لخرق جمود صراع قوى الاقليم. لكن من جلسوا لساعات طويلة على طاولة المفاوضات رددوا أن إيران هي التي أرادت تضمين الاتفاق إشارة إلى «الأمل» في الأفضل للمنطقة. أما من راقبوا حركة الطقس الدولي، لسنوات حَبَله بالصفقة، فيقولون إنه لا داعيَ للأوهام: ما أنجب الاتفاق هو مبادرات، حرَّكتها مصالح، وأي تبعات إيجابية ستحتاج مبادرات جادة أيضا. الأوروبيون، هنا، أكدوا أنهم مستعدون للعب أدوار الوساطة.

قبل كل شيء، كان الأوروبيون شركاء الصف الأول في صنع الصفقة. على تباين تطلعاتهم. لذلك أصروا على تسمية المفاوضات «3+3»، مركزين على وجود فرنسا وبريطانيا وألمانيا.

وزراء الخارجية انتظروا في بروكسل صدور قرار مجلس الأمن الدولي 2231، الذي تبنى الاتفاق النووي، ليعلنوا مصادقتهم الفورية عليه. إضافة إلى تبني التفاصيل الفنية المعروفة الآن، حول آليات التنفيذ، أضافوا فقرتين سياسيتين حول المأمول من الاتفاق. الأمر يخص بث توقعاتهم بأن الصفقة سيكون لها أثر إيجابي على المشهد السياسي الأوسع في الاقليم. بكلماتهم، قالوا إن لديهم «توقعات» بأن الاتفاق سيعمل أيضاً في صالح «تحسين علاقات إيران الإقليمية والدولية، وأنه سيشكل أساساً لمنطقة أكثر استقراراً وأمناً».

سألت «السفير» وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي فيدريكا موغريني، عن تفاصيل هذه التوقعات. كانت ترتدي ملابس متحررة قليلاً من صرامة البروتكول المحافظ، بلون العلم الأوروبي الأزرق. تلك الراية التي جعلتها حاضرة في قيادة مفاوضات القوى الكبرى مع إيران، ممثلة لدول التكتل ككل.

قالت رداً على سؤالنا إن الصفقة في الأساس هي «قضية أمنية»، حول منع إيران من امتلاك سلاح نووي. لكن من جهة أخرى، رأت أن هناك ناحية إيجابية تشمل باقي المستويات، وهي إتاحته «الإمكانية لإعادة بناء الثقة بين إيران وجيرانها». في هذا السياق، أكدت موغريني لنا أن الاوروبيين متشجعون للعب دور وساطة إقليمية: «الاتحاد الاوروبي مستعد ليلعب دوره، ليساعد ويسهل إعادة بناء الثقة في المنطقة، على أمل (الحصول على) نتائج إيجابية في القضايا الرئيسية والأزمات في المنطقة، بدءاً من سوريا واليمن».

بيان الوزراء الأوروبيين ألمح إلى هذه القضية. دعوا موغريني إلى العمل على «استكشاف الطرق» التي يمكن عبرها للاتحاد الاوروبي «أن يعزز بفعالية إطاراً إقليماً يحقق تعاوناً أكبر». بين من جلسوا على طاولات المفاوضات النووية من يعتقد بإمكانية لعب بروكسل لهذا الدور. حينما سألت «السفير» وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند عن هذه النقطة، قال بدون انتظار: «أعتقد أن الاتحاد الأوروبي يمكنه لعب دور مهم هنا»، قبل أن يضيف «كما في الأساطير (المعتقدات) الإيرانية، العلاقة مع الولايات المتحدة صعبة جداً، أما العلاقات مع أوروبا فهي أقل صعوبة. لذلك ربما لدينا فرصة للعب دور في محاولة تشجيع إيران على التفكير في جعل سلوكها معتدلاً في الإقليم».

أحد المسؤولين الأوروبيين الرفيعي المستوى، ممن شاركوا في إيصال المفاوضات لخاتمتها الناجحة، أكد أنهم لا يخترعون هذه «الإيجابية» المتوقعة. رداً على أسئلة «السفير»، قال المسؤول الذي طلب عدم كشف هويته: «إذا ما جئنا إلى نص الاتفاق، سترى ما يتحدث عن الرغبة في بناء علاقة جيدة وتغيير في العلاقات مع باقي العالم»، قبل أن يستدرك «ليس نحن من وضع ذلك (المضمون)، بل الجانب الإيراني وضعه. لهذا هنالك أمل أن الأشياء ستتطور في اتجاه إيجابي».

وزير خارجية المانيا بدوره أشار إلى ذلك. قال فرانك فالتر شتاينماير إن الاتفاق النووي «يمكنه أن يفتح فصلاً جديداً في العلاقات بين الدول في الشرق الأوسط». يمكن الانطلاق من نقطة معينة. الوزير الالماني أعاد التأكيد على توفّر أولويات موضوعية، أبرزها غيره أيضاً، عبر الانطلاق من محاولة إطفاء الحريق السوري. قال في هذا السياق بنبرته الهادئة «آمل أن الاتفاق مع إيران يمكن أن يُستخدم كنهج نموذجي لنزع فتيل التصعيد في الأزمة السورية، على الرغم من أننا لا نزال بعيدين عن التوصل لحل هناك».

لأسباب لا يمكن الجزم بها، هناك من أطلق العنان للتفاؤل. وزير الخارجية الاسباني مانويل غارسيا مارغالو يتحدث بطريقة متحررة من قيود بنود الاتفاق وحساسياتها، مستمداً تقييمه من إطلاعه على البيئة الدولية التي أنتجت الصفقة. قال لـ «السفير» مضاعفاً جرعة الإيجابية المأمولة: «أعتقد أن هذا الاتفاق سيسهل أي تعاون مع إيران لحل المشاكل في المنطقة. أعتقد ان هذا سيأتي، وسيأتي سريعاً جداً، لأنه (الاتفاق) يغير قواعد اللعبة».

مقابل هذا الأخذ والرد، هنالك من يطلب التروي. مسؤول أوروبي رفيع المستوى، واكب المفاوضات النووية خلال سنوات، وغادر منصبه مؤخراً، يقول إن الأمر لن يحل من تلقاء ذاته. ليست هذه المكونات، الاتفاق والصراعات ومعادلات القوة وأدوات التنافس الدموية، برأيه ليست مركبات كيميائية إذا تُركت ستتفاعل لتنتج الحل، ليست كالأوكسجين والهيدروجين يصير ماءً بتفاعل عفوي. يقول لـ «السفير» مشدداً على هذه النقطة «إذا لم تكن هنالك مباردات للوساطة والتسوية، وتحرك جدي، فلن يحدث شيء، بل ستستمر الامور على حالها، على الأقل على المدى المنظور».

يشرح المسؤول السابق إنه بدون مبادرات جادة فإن «النهج الإيراني لن يتغير»، حتى لو أن هنالك ضرورة لعدم التصعيد الذي سيزيد حجج الكونغرس الاميركي المعارض. يقول مستبعداً أي انعطافة كبيرة «لا أتوقع الآن أن طهران ستتصل ببغداد، وتقول لهم: نحن آسفون، ولكن لا نستطيع دعمكم بعد الآن لأننا وقعنا الاتفاق النووي».

بعيداً عن نشرة الأحوال السياسية، هنالك شكوك أقل بكثير بالنسبة للاقتصاد. الشركات الأوروبية بدأت على الفور طرق باب إيران، بحثاً عن المجالات الخصبة للاستثمار والتجارة بعد رفع العقوبات. صحيح أن آلية إزالة تلك العقوبات لن تبدأ قبل مطلع السنة المقبلة، لكن رجال الأعمال الأوروبيين بدأوا رسم مشاريعهم حتى قبل توقيع صفقة فيينا.

المجالات للإفادة كبيرة للطرفين. قبل تشديد العقوبات، كان الأوروبيون الشريك التجاري الأول لإيران. بعدما عاقبوها اقتصادياً، تراجع ترتيبهم ليكونوا رابع شريك تجاري، بعد الصين والإمارات وتركيا. ستنتفع إيران أيضاً على نطاق كبير. هنالك رفع الحظر النفطي، ما سيسمح لها بالعودة إلى مستويات التصدير السابقة إلى أوروبا. قبل حصار العقوبات النفطية الشاملة، كانت تصدر 20 في المئة من إنتاجها لدول الاتحاد، وعلى رأسها إيطاليا وإسبانيا واليونان. في الأهمية ذاتها، وربما أكثر، يأتي رفع الحظر عن تأمين ناقلات النفط الإيرانية. المعروف أن معظم شركات التأمين تتركز في أوروبا، ومن دونها يصير بيع النفط شاقاً ومستحيلاً أحياناً. الأهم أيضاً هو رفع الحظر الحساس عن المشاركة في النظام العالمي للتحويلات المالية «نظام سويفت». الإقصاء عن هذا النظام يجعل النظام المصرفي معزولا عن العالم، ما يعني عدم إمكانية تمويل مختلف أشكال التجارة.

ألمانيا ستكون المنتفع الأكبر من عودة التبادل التجاري والاستثماري مع إيران. برلين كانت تمثّل تقريباً ثلث حصة الاتحاد من هذه المبادلات، وهي مصدر مهم للتقنية المتقدمة التي تحتاجها طهران، كما تحتاج تقنيات أوروبية أخرى لتطوير عمليات استكشاف واستخراج النفط والغاز.

لكن مَن يعول على الغاز الإيراني، من بلد يملك ثاني أكبر احتياطي للغاز بعد روسيا، عليه التفكير مجدداً. من المستبعد جداً أن تساير إيران محاولات أوروبا للاستغناء عن الغاز الروسي، أو تقليل الاعتماد عليه. موسكو حليف إستراتيجي لطهران، حتى لو جلست على طاولة المفاوضات الدولية في موقع الخصم. مثلها، ولو بدرجة أقل، أيضا الصين.

يمكن إيراد هذه الحادثة لإبراز حساسية ذلك. امتنعت قناة تلفزيونية إيرانية رسمية، قبل أكثر من سنة، عن بث تقرير لمراسل لها في أوروبا، برغم ظنه بأنه قدم مادة متميزة. كان تقريره يتضمن مقابلة مع جوزيه ما نويل باروسو، الرئيس السابق للمفوضية الأوروبية، يأمل فيها بعلاقات أفضل مع إيران تتيح مورداً أوروبياً جديداً للغاز. كانت وقتها العلاقات الأوروبية مع روسيا في ذروة توترها. لذلك، على ما استنتج المراسل نفسه، لم يرد الرقيب التلفزيوني الإيراني أي إشارة «محبة» أوروبية.. بدت له من النوع المسموم.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى