التوازن الإقليمي ورهان أوباما عامر نعيم الياس
وصف رئيس وزراء العدوّ الصهيونيّ بنيامين نتنياهو الاتفاق النووي بين إيران والدول الستّ الكبرى «بالخطأ التاريخي». فيما أرسلت السعودية برقية تهنئة إلى «الدولة الجارة»، متمنيةً قيام «أفضل العلاقات على قاعدة حُسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية». تهنئة تخفي وراءها قلقاً يوازي قلق بنيامين نتنياهو. فيما استمر الرئيس الأميركي باراك أوباما في تكثيف إطلالاته على الإعلام، مبرّراً الاتفاق ومفنّداً كافة الانتقادات التي صبّها المحافظون الجدد والمسيحيون الصهاينة داخل الولايات المتحدة على توقيع واشنطن للاتفاق. فيما أمر بجولةٍ لوزير دفاعه آشتون كارتر إلى المنطقة الأسبوع المقبل لطمأنة الحلفاء في المنطقة حول عدم تغيّر السياسة الأميركية تجاههم، وشرح الاتفاق من وجهة النظر الأميركية. إذ أعلن البنتاغون أن الجولة ستشمل الكيان الصهيوني و«دولاً أخرى في المنطقة» لم يفصح عنها. لكن المؤكد أن السعودية ستكون في مقدّمها.
مما لا شك فيه أن الاتفاق يعيد صوغ التوازن الإقليمي في المنطقة، ويزعزع ـ إن لم ينسف ـ ما كان قائماً في السابق. فإيران دخلت نادي الدول المعترف بها دولياً من أوسع الأبواب سواء عبر توقيع الدول الكبرى للاتفاق، أو عبر التصويت المتوقع الأسبوع المقبل في مجلس الأمن حول إلغاء العقوبات على إيران وإنهاء القطيعة الدولية المفروضة عليها بقرارٍ أممي. وهنا لا يمكن المرور على الزيارة التي سيقوم بها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى قطر وعُمان، والتغيّر المتوقع في منظومة الأمن الخليجية بعد الاتفاق أو ما يمكن تسميته بحفلة التهاني التي انهالت على الجمهورية الإسلامية. فالإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت أشادتا في برقيات التهنئة بما أسمتاه «الاتفاق التاريخي»، وأملتا أن تساهم «الصفحة الجديدة» في أمن المنطقة واستقرارها. كما شملت برقيات التهنئة كامل دول الخليج عدا البحرين. هو أمرٌ إذا ما عطفناه على العلاقات الخاصة التي تربط سلطنة عُمان بالدولة الإيرانية، يعكس التحوّل المقبل في منظومة الأمن الخليجي ونمط العلاقات التي تربط ما يسمى بدول مجلس التعاون، بعد رفع الفيتو الأميركي عن طهران. وفي هذا السياق يراهن الرئيس الأميركي باراك أوباما على إعادة رسم توازن القوة القائم بين المملكة السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، بمعنى أدقّ، بين «السنّة والشيعة»، مع السعي إلى التطبيع بين القوّتين على قاعدة إعادة رسم خريطة المنطقة وفق رؤية أميركية متوازنة تتعلّق أولاً وأخيراً بموازين القوى على الأرض، والتي أجبرت الولايات المتحدة على اختيار التفاوض مع إيران بدلاً من «القوة»، وفق التعبير الحرفي للرئيس باراك أوباما، والذي يحاول أن يقول إنه سيسعى إلى أن تصبح إيران قوةً مسؤولةً متعاونة مع القوى الدولية والإقليمية التي تمثل قواعد الولايات المتّحدة في المنطقة. طموحٌ يحتاج إلى وقت كي يبلور نقاط التقاء وتنازلات من أطراف الصراع في الإقليم. فالعلاقات بين واشنطن وطهران ستبقى «محدودة» بحسب الرئيس أوباما. وحتى يحين ذلك الوقت، لا يمكننا التوقّع أن تكون إيران شريكاً طبيعياً للغرب عموماً، والولايات المتّحدة خصوصاً في المنطقة. لا بل إن الاتفاق يضع أسساً لإمكانية تعاون مع طهران تحت سقف الاتفاق النووي وإنهاء القطيعة وما سيجرّه ذلك من التزامات مصلحية متبادلة ستظهر في المدى المنظور.
(البناء)