استدارة اميركية للانفراج والاحتواء د.منذر سليمان
في اوج الحرب الباردة ادرك العالم مخاطر الحرب النووية عقب استخدام الولايات المتحدة السلاح النووي مرتين ضد اليابان، شكل نداء الثنائي الشهير “بيرتراند راسل – البرت اينشتاين،” 9 تموز 1955، صرخة مدوية لقادة الولايات المتحدة والدول الغربية للاقلاع عن تطوير وانتاج الاسلحة النووية، واعتماد الحلول السلمية وسيلة حل للنزاعات القائمة. تبلور النداء الى حملة وحركة عالمية للحد من انتشار الاسلحة النووية، سجل وعياً افضل واشمل لنزعة القادة الغربيين ابادة الحضارات الانسانية عند “الآخر .”
في الذكرى الستين للبيان الشهير انفرجت اسارير العالم قاطبة لتخلي الولايات المتحدة عن خيار المواجهة والحرب ضد ايران، باستثناء الثنائي الكيان الصهيوني والمملكة السعودية، بالاعلان عن اتفاق شامل ينظم العلاقة للحد من انتشار الاسلحة بضمانات دولية جماعية بين الدول الغربية المدججة بالاسلحة النووية، بالاضافة لروسيا والصين، وايران التي “يعتقد” بلوغها تخطي المرحلة النووية.
اتفاق جاء ثمرة اتصالات “سرية” احيانا بين واشنطن وطهران ومفاوضات امتدت لنحو عقدين من الزمن، توجت بمكالمة هاتفية مباشرة بين الرئيس الايراني، حسن روحاني، والرئيس باراك اوباما، ايلول 2013، كانت الاولى بين البلدين بشكل رسمي منذ انتصار الثورة الايرانية عام 1979. وترقب العالم لمدة 17 يوما من المفاوضات المكثفة في فيينا بين ايران والدول النووية كافة، وتجاوزها عدد من المواعيد المحددة. حقيقة الأمر ان المفاوضات كانت ثنائية بين ايران والولايات المتحدة، ليس الا. الاطراف الاوروبية وفرت الغطاء السياسي والديبلوماسي المطلوب لموقف واشنطن، بينما فاعليتها كانت ادنى من درجة الحسم.
اعلان الاتفاق جاء على لسان قمة السلطة السياسية في واشنطن، بتصريح للرئيس اوباما في وقت مبكر من صبيحة 14 تموز/يوليو الجاري قائلا: “اليوم وبعد انقضاء عامين من المفاوضات، حققت الولايات المتحدة وشركائها الدوليين انجازا عجزنا عن بلوغه طيلة عقود من العداء – اتفاق شامل طويل الاجل مع ايران من شأنه كبح قدرتها للحصول على سلاح نووي.” مستطردا للرد على خصومه “ببساطة، عدم التوصل لاتفاق يعني تعاظم فرص مزيد من الحروب في الشرق الاوسط.”
سارع خصوم الاتفاق للتنديد به، فور اطلاع البيت الابيض لهم في جلسات مغلقة على تفاصيله، وبرز السيناتور المتشدد ليندسي غراهام في مقدمة المعارضين قائلا ان الاتفاق يعد “بمثابة اعلان حرب على العرب السنة واسرائيل من قبل اطراف 5+1.” اللافت ان غراهام اقر في مقابلة متلفزة مع شبكة (سي ان ان) لاحقا صباح يوم الاعلان بأنه لم يطلع او يقرأ نصوص الاتفاق الذي تمتد اهم بنوده واشدها حساسية بالنسبة للمعارضين على نحو 20 صفحة.
اهمية توقيت الاتفاق
المجتمع الاميركي مولع باستطلاعات الرأي التي استند اليها البيت الابيض في تعديل المؤشرات الشعبية لصالحه. وقد اشار استطلاع اجري قبل اسبوع من اعلان الاتفاق الى تأييد 51% من الاميركيين لانخراط بلادهم في المفاوضات الديبلوماسية مع ايران؛ واعرب 45% منهم عن رغبته باستمرار العقوبات الجارية في مستوياتها الراهنة، مقابل 32% طالبوا بفرض مزيد من العقوبات.
يجمع المراقبون ان احد اهم دوافع الادارة الاميركية لبلوغ الاتفاق هو الاجواء الانتخابية الداخلية، والاصطفافات الحادة بين مرشحي الحزب الجمهوري لمناهضته، مقابل “غياب” ردود مناهضة من قبل مرشحي الحزب الديموقراطي الذين ربما لا يجرؤون على تجاوز اعلى سلطة حزبية، قبل الموقع السياسي، في ظل ظروف بالغة التعقيد. الأمر الذي يلقي بعض الضوء على النبرة الهجومية للرئيس اوباما واركان ادارته واتخاذ زمام المبادرة مبكرا “لتوضيح” آفاق الاتفاق لاعضاء الكونغرس من حزبه بالدرجة الاولى؛ والذين يعوّل عليهم لافشال اي محاولات او تدابير قد يلجأ اليها الحزب الجمهوري لمعارضة الاتفاق.
الحديث والخطاب الاعلامي يراهن على “قدرة الكونغرس باغلبيته من الجمهوريين” مناهضة مساعي الرئيس اوباما والاطاحة بأي بادرة قد تفسر انتصارا لسياساته. بل ذهب زعيم الاغلبية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونل، الى التبجح بأن لديه اصواتا كافية لمعارضة الاتفاق، اكثر من 60 عضو من مجموع 100.
حقيقة الأمر ان ماكونل يحتاج الى نسبة الثلثين، اي ما يعادل 67 صوتا لضمان نجاح جهوده امام اصرار الرئيس اوباما على استخدام حقه في نقض قرار المجلس. بل يحتاج المعارضون لذات النسبة من الاغلبية المطلقة في كلا المجلسين، النواب والشيوخ، لتشكيل حصانة ضد قرار فيتو الرئيس، الأمر الذي يبدو صعب المنال، ان لم يكن مستحيلا، في ظل المناخ السياسي الراهن.
في هذا الصدد، اوضحت يومية “واشنطن بوست” ان قراءتها تشير الى ارتياح الرئيس اوباما لتأييد 24 عضو من مجموع 34 صوت مطلوب في مجلس الشيوخ؛ منهم 15 عضو ديموقراطي “قد” يصوت ضد الاتفاق، من بينهم السيناتور شاك شومر. اما باقي النواب فيجري التحدث معهم بشكل منفرد من قبل اركان الادارة، خاصة نائب الرئيس جو بايدن. النسبة المطلوبة في مجلس النواب لتأييد الاتفاق هي 145 عضو.
وتلقى الرئيس اوباما دفعة اضافية قبل نهاية الاسبوع الجاري باعلان نحو 100 ديبلوماسي اميركي سابق تأييد الاتفاق، ويدرك الخصوم ان هؤلاء لا يمكن تخطيهم او تجاهلهم بسهولة لما يمثلونه من ثقل سياسي معنوي ومصداقية.
المرشحون الديموقراطيون لانتخابات الكونغرس المقبلة، 2016، هم في وضع حرج جماهيريا: الاصطفاف الى جانب الرئيس في ظل مناخ متأزم سياسيا قد يكلفهم الانتخابات، بيد ان مناهضته قد تحرجهم كثيرا وربما تؤدي الى عزلة سياسية. البيت الابيض يميل الى الاستناد للممثلين الديموقراطيين في الكونغرس للوقوف بجانبه عند طرح الاتفاق للتصويت، وحرمان الخصوم من الحصول على اغلبية الثلثين لدحض الفيتو الرئاسي المزمع.
موقف السيناتور عن ولاية نيويورك، شاك شومر، يعد محوريا للرئيس اوباما لجملة اعتبارات، منها تعويل السيناتور على الفوز بمنصب زعيم الديموقراطيين في المجلس وتعيين من يراه مناسبا لمناصب قيادية، بعد انتخابات 2016؛ ومن ناحية اخرى سجله المؤيد “لاسرائيل” بشدة. شومر لم يحسم امره بعد. خياره بمناهضة الاتفاق قد يحفز ممثلين آخرين عن الحزب الديموقراطي الاصطفاف لفريقه نظرا للمستقبل السياسي للطرفين بخلاف النجاح الآني في ـتأييد رئيس في اواخر ولايته الرئاسية.
تقديرات “واشنطن بوست” الاولية لمؤيدي الرئيس اوباما اشارت الى توفر 20 صوتا، مما يعني ان الرئيس ينبغي ان يحظى بدعم ما لا يقل عن 34 صوت، 10 منهم من الحزب الديموقراطي. قرار شومر بالمعارضة من شأنه ان يقوض الجهود الرامية لتوفير الحصانة الدستورية.
العامل الحاسم يكمن في ميل الرأي الشعبي فيما يتعلق بالاتفاق النووي. اتخاذ الادارة زمام المبادرة مبكرا للترويج للاتفاق قد يدفع بالممثلين المترددين الى تأييد الرئيس، او الاصطفاف الى جانب ضغوط “اللوبي الاسرائيلي،” وانسجام شومر مع هذا التوجه.
النخب الفكرية والسياسية تدرك حقيقة وابعاد الاتفاق الذي يتمحور حول رؤاها لمستقبل ايران ودورها المنتظر في الاقليم، سيما وان اولويات واشنطن منصبة على الاستراتيجية في مواجهة الصين وروسيا.
تأييد النخب للاتفاق يرتكز الى ما هو ابعد من الاتفاق “الذي لن يضع حداً للخلافات حول طموحات ايران النووية،” كما تعتقد، بل يتعلق “بالتحولات الاجتماعية والسياسية” في الاقليم، نظرا لقناعاتها مجتمعة بأن سياسة الاقصاء والعقوبات لم تحقق سوى مزيد من التشدد والتقدم في برنامج ايران النووي، جسده الرئيس اوباما في تصريحاته الاخيرة بأن “سياسة الحفاظ على الوضع الراهن السائدة لنحو عامين من الزمن تعني اننا ذاهبون الى حرب.”
استاذ العلاقات الدولية في جامعة برينستون العريقة، حسين موساويان، اوضح ان “الاتفاق خطوة ناجحة باتجاه تخفيف حدة التوترات (بين طهران وواشنطن) .. بيد ان حائطا سميكا من عدم الثقة لا يزال قائما وتفتيته يحتاج لجهود مضنية تستمر لبضع سنوات.”
آليات التصويت
تأجيل التوصل للاتفاق عن موعده الاولي، نهاية حزيران/يونيو الماضي، وفر للكونغرس فترة زمنية طويلة لمناقشة وتفنيد بنود الاتفاق، 60 يوما، استنادا الى الاتفاق الذي ابرمه الرئيس اوباما مع قادة الكونغرس في شهر ايار الماضي، تأخذ مفعولها عند تسلم الكونغرس نصوص الاتفاق وملحقاته.
حينئذ تلتئم لجان العلاقات الخارجية، في كلا المجلسين، للبدء في التدقيق بنصوص الاتفاق، يليه طرح الموضوع للتصويت امام كامل اعضاء المجلس؛ وقد يلجأ الى خيار عدم اتخاذ قرار بشأنه. رئيس اللجنة في مجلس الشيوخ، بوب كوركر، اشار الى عزمه طرح المسألة للتصويت في شهر ايلول/سبتمبر المقبل، بينما مضى في الاعلان عن معارضته للوثائق.
تنص ملحقات الاتفاق على مبادرة الادارة الاميركية في التوجه لمجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار يجب ما سبقه من سبعة قرارات دولية لمقاطعة ايران. واعلنت المندوبة الدائمة للوفد الاميركي، سامانثا باور، عن تقديم مسودة المشروع قبل نهاية الاسبوع. تطبيق بنود الاتفاق يبدأ “خلال 90 يوما من موافقة مجلس الأمن،” الذي من المتوقع الا يتأخر في تأييده للنصوص المتفق عليها.
خصوم الاتفاق في الكونغرس سارعوا باتهام الادارة تقييد حركة النقاش الداخلي بالتوجه لمجلس الأمن. واوضح عضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب، إد رويس انه “حث ادارة الرئيس اوباما بعدم الذهاب لمجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار بشأن الاتفاق النووي قبل ان يتسنى للكونغرس الفرصة لمراجعته بالتفصيل وخلال المدة القانونية التي اقرها الكونغرس.”
سارع نائب الرئيس جو بايدن الى احاطة اعضاء الكونغرس بتفاصيل الاتفاق والتحدث مباشرة مع النواب الديموقراطيين في عقر دارهم، والذين لا يزال البعض منهم متوجسا من نوايا “النظام المارق،” ابرزهم السيناتور بوب منينديز. وزعم الاخير ان الاتفاق “لا يوقف برنامج ايران النووي، بل يحافظ عليه .. كما انه لا يوفر ضمانات بعدم اقتناء ايران سلاح نووي في المستقبل.”
جعجعة معارضة الحزبين
اجمع كافة قادة الحزب الجمهوري في الكونغرس على معارضتهم الشديدة للاتفاق، ليس من باب معارضة النصوص والسردية فحسب، بل لمواجهة واعتراض اي مبادرة مصدرها الرئيس اوباما. في الخلفية، يراهن الحزب على نجاحه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، اضافة لاحتفاظه بأغلبية مجلسي الكونغرس، لابطال مفعول الاتفاق دستوريا. السيناتور المتشدد توم كوتن كان قد ارسل مذكرة للرئيس الايراني حسن روحاني، مطلع العام الجاري، يحذره من ان التوصل لاتفاق مع الرئيس اوباما لا يحظى بموافقة ومصادقة الكونغرس، سيحيله الى اتفاق مؤقت وقد يعدله او يلغيه الرئيس المقبل.
وجدد كوتون تحذيره عقب توقيع الاتفاق في مقابلة متلفزة مع شبكة (ام اس ان بي سي) قائلا “الاتفاق المقترح يشكل خطأً رهيبا وخطيرا من شأنه تمهيد الطريق لايران الحصول على سلاح نووي في الوقت الذي يسمح لهم الحصول على سيولة مالية تقدر بعشرات المليارات من الدولارات نتيجة رفع العقوبات .. الشعب الاميركي سيتبرأ من الاتفاق واعتقد ان الكونغرس سيبطل مفعوله.”
المرشح الجمهوري وفير الثروة، دونالد ترمب، اصدر بيانا يعارض الاتفاق متهما “ادارة الرئيس اوباما التوصل لاتفاق خطير مع ايران .. نشاطات التفتيش لن تنفذ، وايران لن تقع تحت بند العقوبات بعدئذ. فايران كسبت كل شيء ولم تخسر اي شيء.”
سعى ترمب لخلط الاولويات مذكرا الشعب الاميركي “بنكث الرئيس اوباما لكافة وعوده السابقة، من ضمنها استعادة المعتقلين الاميركيين في ايران .. والاتفاق يؤسس ارضية سباق التسلح النووي في الشرق الاوسط. انه اتفاق مزعج وربما يشكل حدث كارثي لاسرائيل.”
الرابح الاكبر بين المرشحين الجمهوريين لمعارضة الاتفاق هو السيناتور ماركو روبيو نظرا لعضويته في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، التي ستكون المحطة الاولى لتدقيق النصوص واقرار الاتفاق من عدمه، مما سيخدم مستقبله السياسي بمستويات لم تكن في الحسبان تميزه عن اقرانه من المرشحين الآخرين.
على الطرف المقابل، ايدت المرشحة عن الحزب الديموقراطي، هيلاري كلينتون، الاتفاق بحذر، اذ شهدت بدء المفاوضات مع ايران ابان ولايتها في وزارة الخارجية. يشار الى معارضة كلينتون الشديدة لايران امتلاك تقنية اليورانيوم، اذ اوضحت العام الماضي انه “على العكس من زعم (ايران)، لا يوجد هناك ما يسمى حقها في التخصيب، ولا اساس له على الاطلاق.”
بذلت كلينتون جهودا ملحوظة لعدم الظهور العلني بمكانة المعارض لسياسة الادارة التي عملت معها طيلة ولايتها الاولى؛ وليس في الوارد عندها ايضا الاصطدام مع قاعدتها الانتخابية ومموليها من اثرياء اليهود، المناهضين بقوة لايران.
واصدرت بيانا يؤيد بخجل الاتفاق جاء فيه: “لا زلت منكبة على دراسة التفاصيل، لكن استنادا الى ما اتيح لي الاطلاع عليه من وثائق ومحادثات خاصة، فانني اؤيد الاتفاق نظرا لانه يساعدنا في كبح ايران للحصول على سلاح نووي.” واضافت ان “الرسالة التي يتعين على ايران ادراكها بوضوح: لن نسمح لك مطلقا اقتناء سلاح نووي؛ ليس فيما يخص المدة المنصوص عليها في هذا الاتفاق – بل ابدا .. ينبغي تطبيق الشروط المنصوص عليها بقوة دون هوادة.”
تشدد خطاب كلينتون يبطن الحسابات الانتخابية وما يتعين عليها فعله. ان نجح الاتفاق والرئيس اوباما، باستطاعتها التمسك بالجزء الاول من الترحيب. اما في حال التردد والفشل، ستسارع للابتعاد عن سياسات الرئيس اوباما واستخدام “تحذيراتها” كمبرر متحلية بالرؤيا المتشددة “وضرورة التدقيق الصارم” طيلة الزمن. ايضا، ان قرر السيناتور شومر مناهضة الاتفاق تستطيع كلينتون الاحتماء بتصريحاتها والعمل الجاد مع زعيم الديموقراطيين المقبل في مجلس الشيوخ.
بروز دور نائب الرئيس جو بايدن في تسويق الاتفاق لاقرانه الديموقراطيين يوفر له فرصة فريده في مساره السياسي. في حال نجاح مساعيه بحشد اكبر عدد من الديموقراطيين لتأييد الاتفاق، سينعكس ايجابا على عدد من الاعضاء الاخرين في الحزب الديموقراطي، لا سيما اولئك المتوجسين من صعود هيلاري كلينتون والاثقال السياسية المرافقة لها، والذين يرون في بايدن رجل المؤسسة الامثل لخوض الانتخابات.
المرشح الديموقراطي الآخر للانتخابات الرئاسية، السيناتور بيرني ساندرز، يمثل التيار الاشد ليبرالية داخل الحزب، ويعول عليه كاحد الاصوات الحاسمة في مجلس الشيوخ تأييدا للاتفاق.
ساندرز كان شديد الوضوح في بيانه المؤيد للاتفاق قائلا “اهنيء الرئيس اوباما، ووزير الخارجية (جون) كيري وقادة الدول الرئيسة الآخرين لانجاز اتفاق شامل لكبح ايران من الحصول على سلاح نووي.” واضاف ان ذلك يؤشر على “انتصار الديبلوماسية على قرقعة السلاح وقد يحفظ الولايات المتحدة من الانجرار الى حرب اخرى لا متناهية في الشرق الاوسط. اتطلع بشوق لمعرفة المزيد من التفاصيل المعقدة للاتفاق والتيقن من فعاليته وقوته.”
تحلي ساندرز بوضوح الخطاب والمفردات السياسية يميزه بشدة عن الغموض المقصود للمرشحة كلينتون، وقد يصب في صالحه خلال السباق الانتخابي.
للحزب الديموقراطي ايضا صقوره المعارضون للاتفاق، يتصدرهم المرشح المحتمل جيمس ويب الذي سارع للافصاح عن “ريبته الشديدة” من نصوص الاتفاق الذي “يوفر لايران الكثير من الانجازات” بينما هو منكب على دراسته. وقال في مقابلة صحفية “لدي تحفظات كثيرة حول هذا الاتفاق .. الذي سينجم عنه امتلاك ايران للسلاح النووي،” مطالبا بدرو اكبر للكونغرس لمناقشة واقرار الاتفاق. تصريحات ويب وضعته على مسافة بعيدة ومضادة لسياسات الرئيس اوباما، وايضا على نقيض زملائه المرشحين عن الحزب الديموقراطي.
السيناتور ويب يطمع للترشح والفوز بتمثيل الحزب الديموقراطي، لا ريب، ويروج لنفسه بانه يمثل “الصوت المستقل” في قاعدة الحزب الانتخابية؛ وذهب بعيدا في توجيه انتقاداته لاولويات الحزب التاريخية في “القضايا الاجتماعية.”
تأكيدا على توجهاته المحافظة، صرح ويب لشبكة “فوكس نيوز” قبل اسبوع انه قلق لانتقال الحزب الديموقراطي “الى اليسار بشدة .. ذاك ليس الحزب الديموقراطي الذي اؤمن به.” ان استطاع ويب البقاء في السباق الانتخابي، وهو امر مشكوك به، فقد يشكل الفرصة الأمثل للحزب الديموقراطي الفوز بالبيت الابيض مرة اخرى نظرا لتوجهاته وسجله لصالح السياسات المحافظة والاصطفاف الى جانب اصحاب رؤوس الاموال.
نظرا للعلاقة العدائية للشعب الاميركي حيال ايران، وتكريس التيارات اليمينية جهودا وموارد كبيرة في هذا الاتجاه، فان الاتفاق النووي “قد” يشكل التهديد الاكبر لمستقبل الحزب الديموقراطي، سيما وان ابرز مرشحيه يعول على المصادقة على الاتفاق ويتوجس من “اي تمدد اقليمي لايران،” في الوقت نفسه.
تاريخ الانتخابات الرئاسية الاميركية يدل بوضوح على الارهاق الذي يصاب به جمهور الناخبين من الحزب المسيطر على البيت الابيض لولايتين متتاليتين. قد يحالف الحظ الحزب الديموقراطي مرة اخرى ان توفر لمرشحه بعض المزايا، منها: الابتعاد عن الخطاب السياسي المعتدل طمعا في كسب القاعدة الانتخابية من البيض والطبقة الاجتماعية الوسطى الذين احجموا عن تأييد الحزب؛ وتمتع الرئيس اوباما بتأييد شعبي اوسع اضافة لظروف اقتصادية صلبة؛ واختيار مرشح حافظ على مسافة بعيدة نسبيا من الرئيس اوباما وسياساته، والذي من شأنه كسب تأييد اوسع بين قاعدة المستقلين من الناخبين. المواصفات اعلاه تتوفر في السيناتور جيمس ويب بشكل حصري. اما توجه الحزب للذهاب في هذا المجال فهو أمر بعيد المنال.
ابتزاز نتنياهو وتواضع اوباما
لم يخف نتنياهو مناهضته الشديدة لاي جهد اميركي للتقارب مع ايران، طيلة تاريخه السياسي، وحثه المتواصل للقوى العالمية لمعارضة “طموحات ايران النووية.”
في حيثيات الاتفاق الاخير تحول نتنياهو الى عنصر عاجز عن التأثير في المستويات الرئيسة وبين الدول المركزية، الذين يتهمونه بالتعجرف والدعوة إلى “حل مثالي” للملف النووي بالغ التعقيد، سيما وان الجانب الاميركي اوضح مرارا انه لا يوجد حل مثالي بالمواصفات التي يطلبها الخصوم. نتنياهو تلقى سلسلة من الصفعات والاخفاقات، لا سيما في نظرته لما يتعين على ايران القيام به الذي يمكن ايجازه “بالاستسلام التام لايران” أما الجانب الاميركي، بسياسييه وعسكرييه، فقد أدرك منذ زمن الصعوبة البالغة “لكبح بلد كبير يتمتع بموارد طبيعية جمة ومواهب علمية .. من امتلاك التقنية والسلاح النووي.”
الرئيس اوباما، من جانبه اقر بصعوبة تحقيق السقف الاعلى للشروط الاميركية في المفاوضات قائلا “لا نملك القدرة الديبلوماسية الكافية للقضاء على كافة بقايا برنامج نووي سلمي في ايران .. بيد اننا نتسلح بالقدرة للتيقن من عدم بلوغها مرحلة السلاح النووي.”
في مؤتمره الصحفي المفتوح بعد التوقيع سُئل الرئيس اوباما عن رؤيته المستقبلية للشرق الاوسط بعد اتمام ولايته الرئاسية. لم تحالفه بلاغته الخطابية هذه المرة واقتصر على “التمني بنجاح الحملة الاميركية ضد الدولة الاسلامية،” مفضلا عدم التطرق او المرور على عناصر سياساته في ولايته الاولى، خاصة في خطابه الشهير في جامعة القاهرة واطلاقه الوعود الوردية لمستقبل الاجيال الصاعدة، وتأكيده على حل الدولتين.
واوضح في معرض اجابته “اعتقد ان الهدف الرئيس عندما اسلم مفاتيح (الرئاسة) للرئيس المقبل هو اننا ماضون قدما في جهودنا لالحاق الهزيمة بالدولة الاسلامية .. ونجحنا في اطلاق مسار لحل الحرب الأهلية في سورية.” واضاف ان المهمة بالغة الصعوبة ولا تستطيع الولايات المتحدة بمفردها ايجاد حل لازمات المنطقة. “محصلة الأمر انه ليس من مسؤولية رئيس الولايات المتحدة ايجاد حل لكافة القضايا في الشرق الاوسط.”
وبدا أوباما كأنه يوجه كلامه للوبي “الاسرائيلي” بالتأكيد على ان انجازات ولايته التي “تشمل توفير ضمانات أمنية اضافية وسبل تعاون لاسرائيل .. والانجازات التي تحققت مع دول مجلس التعاون الخليجي في قمة كامب ديفيد.”