تدمير سورية يتناسب مع القيم الأميركية: اريك مارغوليس
“لقد مر الأتراك من هنا… كل شيء في حالة خراب وحداد“.
هكذا وصف الكاتب الفرنسي الكبير فيكتور هوجو، مشاهداته لحروب تحرير البلقان في العام 1880. إذا كان هوغو على قيد الحياة لاستخدم التعبير عينه لوصف حالة الشرق الأوسط. إلا أنههذه المرة تشارك الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا في تدمير العالم العربي بمساعدة تركيا الحديثة.
المفوض السامي للأمم المتحدة للاجئين أنطونيو غوتيريس، أكد أن هناك الآن 4013000 لاجئ سوري خارج وطنه، و 7.6 مليون آخرين نازحين داخل بلدهم من الحرب المستعرة منذ العام 2011.
المجموع 11.6 مليون لاجئ رقم مذهل يشكل نسبة 50٪ من سكان سوريا. أكثر من ربع مليون سوري هم لاجئون في أوروبا، والبقية منتشرون في أنحاء الشرق الأوسط والعدد الاكبر موجود في لبنان والأردن.
هذا الفيض من النازحين هو أكبر عدد من اللاجئين في السنوات الـ 25 الماضية، وفقا لجوتيريس التابع للأمم المتحدة. في الواقع، تجاوز عدد اللاجئين في سوريا الآن الـ 5.5 مليون لاجئ فلسطيني. ولكن على الأقل السوريين سيعودون يوما ما إلى ديارهم، عكس الفلسطينيين، الذين حرموا من جنسيتهم لأكثر من ستة عقود، وليس لديهم أمل في العودة إلى ديارهم السابقة التي تعرف اليوم بإسرائيل.
قبل حرب العام 2011، كانت سوريا دولة قوية وجميلة بمدنها القديمة والغنية، وبثقافتها التي تعود إلى أكثر من 2500 سنة، ويُعتقد أن دمشق هي أقدم مدينة مأهولة في العالم.
واعتبرت سوريا دائما القلب النابض في العالم العربي ومركزه الفكري، وكانت أيضا مركز القومية العربية، وهي مدافعة منذ فترة طويلة عن الفلسطينيين، وعدوة لإسرائيل – على الرغم من ان السنوات الأخيرة شهدت هدوء كبيرا على الحدود الإسرائيلية السورية.
إدارة بوش دعمت فكرة إسقاط نظام الأسد في سوريا لدى اسرائيل ولكنها تراجعت عندما طلب عدد من العقول الذكية في واشنطن تحديد بديل عن الحكومة الحالية، وجاءت المعارضة الرئيسية في سوريا لتكون من جماعة الإخوان المسلمين التي قمعت لفترة طويلة.
ولكن في الفترة الممتدة من الـ 2009-2010، تغيرت سياسة واشنطن. حيث طالب البيت الابيض طهران بالتخلي عن تحالفاتها، وكانت الخطة عزل إيران قبل مهاجمتها. لكن سوريا رفضت قطع العلاقات الحيوية مع طهران.
لذلك صمدت سوريا ومنعت احدا من تغيير نظامها. وكانت واشنطن تتغذى من القادة العرب الذين تحدوا أمر هيمنة أميركا، وسعوا الى الاطاحة بالرئيس السوري وجعل مصيره كالمصير الذي لقيه صدام حسين ومعمر قذافي.
في ربيع الـ 2011، تسلح وتدرب المقاتلون والمناهضون للرئيس بشار الأسد، في الأردن بإشراف وكالة الاستخبارات المركزية، وتسللوا من لبنان والأردن إلى جنوب سورية في درعا. وكانت تلك المنطقة مرتعا لتحريض المناهضين ضد الحكومة. وسريعا دفع المزيد من المتمردين الذين تسللوا عبر الحدود اللبنانية. وانضمت القوات الخاصة البريطانية والفرنسية للمتمردين، وقدمت المملكة العربية السعودية التمويل.
فرنسا، المستعمر السابق لسوريا ولبنان، كانت مهتمة بشكل خاص في إعادة تأكيد نفوذها في بلاد الشام ودول الخليج الغنية بالنفط. وكانت إسرائيل مقتنعة بأن الإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد في دمشق سيعزل عدويها الاساسيين إيران وحزب الله في لبنان بما يجعلهما غير قادرين على شن أي هجوم ضدها.
تم إطلاق الحملة الاعلامية ضد الرئيس السوري بشار الأسد بوصفه “جزار الشرق الأوسط”. ولكن كان ذلك هراء، فالأسد طبيب العيون السابق درس في لندن وأصبح الرئيس السوري عندما توفي شقيقه الأكبر باسل في حادث سيارة. وكان نظام الأسد يحوي بعض الشخصيات السيئة، ولكن بالتأكيد ليسوا أسوأ أو أكثر وحشية من العديد من حلفاء الغرب في الشرق الاوسط كما في مصر والعراق والجزائر والمغرب.
وأصبح بشار الأسد العدو الاكبر لأميركا في الشرق الأوسط حيث وصفته “بالشيطان الجديد”، وهي تحاول تكرار ما حصل في العام 1980 في افغانستان وخلال الحرب ضد السوفييت.
فقد تم تشكيل جيش عربي من الشباب المثاليين والمتذمرين بمساهمة أجهزة الاستخبارات الغربية. ولكن على عكس ما حصل في أفغانستان، القوة العربية الجديدة كانت معظمها مكونة من المتعصبين والجهاديين السلفيين الذين تم تشكيلهم من قبل المملكة العربية السعودية وبمساعدة من تركيا والأردن لتنتقل إلى سوريا.
كان “سلفيو أميركا” في الطليعة ضمن استراتيجية الشرق الأوسط الكبير، التي وضعت خلال غزو العراق العام 2003، التي تهدف الى تقسيم المنطقة عن طريق تحريض المسلمين السنة والشيعة ضد بعضهم البعض. وكانت النتائج مذهلة في العراق. فكانت الفكرة أن تفعل واشنطن الشيء نفسه مرة أخرى في سوريا، بحجة ان النظام الشيعي قضى على الأغلبية السنية المضطربة المتجهمة.ونتيجة ذلك أصبحت الأمة كلها خليطا من الجماعات المتحاربة كما حصل في ألمانيا خلال حرب الثلاثين عاما.
المسيحيون في سوريا يبلغون حوالي 10٪ من السكان، ويدعون حكومة الأسد، شهدوا تدمير المجتمعات المسيحية القديمة في العراق، التي كانت محمية سابقا من قبل الرئيس صدام حسين، بعد الغزو الامريكي في عام 2003 من قبل السلفيين المتعصبين.
المجازر وسفك الدماء في سوريا لم يسبق لهما مثيل في الشرق الأوسط. المذابح تتجاوز أهوال الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت من الـ 1975-1990.
لا يمكن للجماعات المناهضة للنظام السوري ان تستمر في القتال بدون أسلحة وذخائر وإمدادات طبية، وأجهزة راديو ونقد من القوى الغربية. مطالبات واشنطن بنشر المقاتلين “المعتدلين” هي نكتة فظة. تدعم الولايات المتحدة بشكل كامل المتطرفين في المنطقة ضد واحدة من أقدم الأنظمة العلمانية. من سيفوز في النهاية تبقى هذه الحرب الأهلية متعددة الأوجه وغير واضحة.
ولكن من الواضح أن سوريا قد دمرت إلى حد كبير، وانضمت الى أفغانستان والعراق والصومال- وكلها أمثلة عن الدول التي تحدت هيمنة أميركا. محنة نحو 11 مليون لاجئ سوري يجلسون في الخيام، ويغرقون في البحر الأبيض المتوسط، تقع مباشرة على أعتاب واشنطن.
غلوبال ريسيرتش
ترجمة: وكالة اخبار الشرق الجديد-ناديا حمدان
http://www.globalresearch.ca/destroying-syria-to-make-it-safe-for-american-values/5462190